على جمجوم

احداث مصر

الدين والسياسة = المقدس واللامقدس

هناك خلط مفاهيمى عميق فى مصر بين وسائل المعرفة الثلاثة التى يعترف بها علم المعرفة وهى المعرفة التنزيلية الدينية والمعرفة العلمية والمعرفة الفنية.فنحن نرى من يريد تسييس الدين أو تديين السياسة_هذا نموزج للخلط الأبستمولوجى الخطير،أولا لأنه بين المقدس المطلق الذى هو دين-وبين اللامقدس النسبى الذى هو سياسة. فنحن مثلا فى مجال المعرفة العلمية نفرق بصرامة بين المنهج الرياضى ومنهج علم الفيزياء_رغم أن الرياضيات والفيزياء ينتميان الى نوع واحد من المعرفة ألا وهو المعرفة العلمية_لأن القضايا الرياضية صوابها يقين بينما قضايا علم الفيزياء صوابها احتمالى_فما بالنا ونحن بصدد الدين والسياسة نخلط هذا بذاك رغم أن كل منهما ينتمى الى نوع مختلف من المعرفة كما أسلفنا_أضف الى ذلك أننا فى هذه الحالة نلعب لعبة شديدة الخطورة وهى أننا نخلط ما بين مقدس مطلق وهو الدين،وبين لامقدس نسبى وهو السياسة.السياسة مناورات وألاعيب_لهذا لايصح تسييس المقدس أى لايصح تسييس الدين واهانته_السياسة مرنة وهى فى النهاية علم لايعرف الكلمة الأخيرة_أما الدين فحقائق مقدسة محسومة الى الأبد ومن ثم فلا مرونة فى الدين فكيف و الحال هكذا يريد البعض فى مصر تسييس الدين ومن ثم دولة دينية فى مصر؟!.من أجل هذا أنا كتبت منذ أسبوعين فى هذا الموقع مقالة تحت عنوان : المادة 2 من الدستور المصرى خطر لماذا؟ وأنهالت ردود وتعليقات معظمها غير علمى وغير مهذب_وهاك نص المقالة_المادة 2 من الدستور المصرى خطر لماذا؟
تحليل المشكلة الطائفية من جذورها : الله بحكم تعريفه فى المسيحية والأسلام_وفى كل الأديان التى على شاكلتهما هو المطلق_ والمطلق بحكم تعريفه العلمى والفلسفى هو واحد فقط وليس أثنين_لماذا تنشأ عداوة تعصبية بين صاحب ديانة(ولتكن س) تجاه صاحب ديانة أخرى (ولتكن ص)؟-على أعتبار أن س و ص هما ديانتان على شاكلة المسيحية والأسلام_ الجواب:لأن مجرد ظهور ص أمام س هو أدعاء أن ص مطلق_ولما كانت س تعتبر أنها مطلق كذلك_فأنها تعتبر ص ليس فقط يهددها_بل يلغيها_حاجة كده عاملة زى جماهير الأهلى والزمالك مع الفرق وهو فى حالة الأهلى والزمالك نحن نتعامل مع النسبى_بينما فى حالة س و ص نحن بصدد مشكلة المطلق_التعليم والثقافة_المجتمع المثقف الذى تسوده الديمقراطية هو وحده القادر على التعايش بأمان وسط واقع تعدد المطلقات_واقع مصر الأسلامية والمسيحية_فيا أهل مصر المثقفين ويا رجال الدين المستنيرين_ويا مجلس أعلى للقوات المسلحة: طالبوا لهذه الأسباب بحذف المادة الثانية من الدستور لأنها خطر رهيب على مصر حيث تقول هذه المادة أن مبادئ الشريعة الأسلامية المصدر الرئيسى للتشريع_لاحظوا أن هذه المادة هى التى أضافها الرئيس السادات لدستور مصر سنة 1964 لنحصل على دستور 1971 بالغ السوء وهذا كان طبعا لمغازلة الأخوان المسلمين والتحالف معهم.لاحظو لو أن المادة 2 هذه كانت كالآتى: مبادىء الشريعة الاسلامية مصدر(بدلا من المصدر) رئيسى للتشريع لأختلف الأمر كلية،لأنه فى هذه الحالة تكون هناك مصادر أخرى رئيسية أيضا للتشريع لنطمئن اخواننا الأقباط فى هذا الوطن الذى عاش لمدة 40 سنة فى حالة احتقان طائفى بفعل أنظمة حكم نشرت الجهل والفقر والتخلف من خلال انحطاط التعليم والثقافة والاستبداد السياسى وانعدام الديمقراطية وغياب كامل لثقافة الاختلاف_ناهيك عن نهب وسلب ثروات الشعب واذلاله وتعذيبه فى المعتقلات وترهبن شبابه من المتعلمين المثقفين لأن الزواج بات مشروعا مستحيلا فى ظل غلاء المعيشة والدخول المحدودة والاسعار الفلكية للسكن_نحن أمام وطن غارق فى الأحباط وملىء بمشاكل لاحصر لها منها الهروب بطريقة مرضية للدين على طريقة الدروشة نتيجة لليأس القاتل والانهيار المريع فى معنويات الانسان_نحن ياسادة دولة اسلامية مثلما فرنسا دولة مسيحية ودستورها يقول أنها دولة مسيحية_أكتبوا ماشئتم أن مصر دولة اسلامية لكن لابد من مراعاة ظروف البلد_مش معقول حادث تطبيق الحد على مسيحى بقطع أذنه كما حدث فى حادثة قنا على يد جماعة من السلفيين وبعدين نسمع تعليقات تعمل مقارنة بيننا وبين فرنسا!! لابد من مراعاة ظروف البلد.نحن نراهن على الديمقراطية وثورة فى نظام التعليم لتحقيق النهضة المنشودة فى هذا البلد_فالتعليم الجيد هو الذى سيجلب الثروة لهذا البلد،هناك كثير من شباب الثورة المصرية يحمل جنسيات أجنبية الى جانب الجنسية المصرية يريدون أن يخدموا البلد فضلا عن العالم أحمد زويل الذى حرمت التعديلات الدستورية البغيضة والتى أكرهنا على الاستفتاء عليها من امكانية ترشيحه لرئاسة الجمهورية_ان عملية الاستفتاء هذه على تعديلات دستورية لدستور ساقط ميت قتلته الثورة كان خطأ فادح من المستشار طارق اليشرى والمجلس الأعلى للقوات المسلحة_راجع مقالتا فى هذا الموقع تحت عنوان: الى المستشار طارق البشرى،كذلك مقال: لمصلحة من؟ زويل ممنوع من رئاسة مصر.المسئولين عندما فرضوا علينا سؤال :أتقولون نعم أم لا للتعديلات الدستورية كتفونا بأختيارين لاثالث لهما مستخدمين قانون الثالث المرفوع المعروف فى علم المنطق بأنه قانون مجدب مقيد_لكننا كان لنا أختيار ثالث لم يتيحه المسؤلون لنا ألا وهو رفض الأستفتاء أساسا سواء كان بنعم أو بلا وهذه جريمة كبيرة وبداية غير ديمقراطية.على العموم الأحداث التى جرت فى هذا الاستفتاء أثبتت صحة تشخيصنا لخطورة وجود المادة 2 فى الدستور حيث طلبت الخطب فى المساجد المسلمين أن يصوتوا بنعم تحت ارهاب أن الذى سيصوت بلا فهو كافر كذلك فعلت الكنائس مع الأقباط لكن فى حالتهم كان التصويت بلا هو الايمان وبنعم هو الكفر_هكذا أستقطاب طائفى.عندما كتبت منذ أسبوعين مقالة : المادة 2 فى الدستور المصرى خطر لماذا؟ فأنا كنت أواجه الواقع على حقيقته دون أن أدفن رأسى فى الرمال مثل النعامة لابد من مواجهة حقيقة المجتمع المصرى مهما كانت تلك الحقيقة مفزعة_هذا اذا أردنا أن ننتشل الوطن من كبوته.

اقرأ ايضاً صفحات رأي متعلقة على جريدة احداث اليوم:

اضيف بتاريخ: Tuesday, March 29th, 2011 في 15:23

كلمات جريدة احداث: , , ,

2 رد to “الدين والسياسة = المقدس واللامقدس”

  1. Ahmad
    31/03/2011 at 14:13

    شكرا جزيلا على مقالك بس انا كنت حابب أوضح بعض النقاط:
    1- الدين مطلق والسياية مقيده الكلام ده ممكن يكون فعلا حقيقى بس مش فى الدين الاسلامى خالص ليه؟لان الدين الاسلامى هو أصلا كان من المعينات الاوليه على الابتكار والاختراع وكان ده واضح جدا فى العصور الوسطى اللى هيه القرون المظلمة لاوروبا…
    الفكرة اللى انت بتقولها ده جت من ان بعض العلماء اللى ظهروا بعد كده زى مثلا جاليلو لما قال ان الشمس مركز الكون وتعارض مع رجال الدين ادت الى اعدامه تقريبا فى الاخر وعلشان كده لما عملوا ثورة اقصوا الدين تمام وخلوه بعدي عن الحياة السياسية والعلمية وده فعلا كان من خلال التجربة اللى عاشوها مع رجال الدين عندهم واصبح الدين فى دور العباده فقط.
    لكن عندنا الوضع اختلف تماما لما التزم المسلمون بدينهم تفوقوا جدا جدا وتعالى نذاكر الفترة الجميله الرائعه فى حياة الامة كان سببها الاصلى هوه الدين الدافع لهذا التقدم علاوة على ان الإسلام نظام شامل يتناول مظاهر الحياة جميعا فهو دولة ووطن أو حكومة وأمة ، وهو خلق وقوة أو رحمة وعدالة ، وهو ثقافة وقانون أو علم وقضاء ، وهو مادة أو كسب وغنى ، وهو جهاد ودعوة أو جيش وفكرة ، كما هو عقيدة صادقة وعبادة صحيحة سواء بسواء ….ماينعش تفصل اى حاجة عن الاخرى تماما…انت عارف لو فصلت السياسة ايه اللى يحصل تعالى مثلا اى رئيس دوله عاوز يعمل اى مصيبة زى ماكنا عايشين يقوم يبرر لها باسلوبه ويقولك ده سياسه وانت ايه اللى فهمك فى السياسة لكن لو الراجل الحاكم ده كان عنده تقوى وخوف من ربنا اكيد مش هيكدب مش هيزور اراده الشعب مش هيبلطج على الشعب هيكون محكوم بقواعد اساسية ما يعرفش يحيد عنها….
    انت عارف اللى انت بتقوله ده وانا ما اعتقدش انك كده ان ده دايما مبرر كل واحد بلطجى زلنطحى فى البلد ده فاكر نظيف كان بيقول ايه هوه والريس اللى فات وجميع وزراءه وبعد ما هم مشيوا اكتشفنا الفاجعه صح نقوم نكرر نفس التجربه تانى….
    ااقولك احنا جربنا اشتراكية وليبراليه وراسماليه ومهلبيه وكل حاجة ماتجيى نجربها تعالى نجرب الاسلام ايه المشكله احنا خسرنين ايه فاضل ايه تبكى عليه…
    أخيرا انا بس عاوز اقولك ارجع للعقلاء من المسيحين وهم يقولك ان هم عاشوا افضل فترة فى عصر الاسلام فعلا لان هو الدين الوحيد اللى نصفهم وجابلهم حقهم من الرومان……

  2. Reader_Searcher
    29/03/2011 at 22:40

    استفدت من معلوماتك فعلا
    لكن عندي ملاحظة
    اختار الله بعض رسله ليكونوا حكامًا
    منهم موسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام
    ثم عيسى عليه الصلاة والسلام سيكون حكمًا في آخر الزمان
    أظن أن الحكمة من ذلك هي بيان إمكان المقاربة بين النظرية والتطبيق
    وقد سمح الله لنا بالاجتهاد فيما سكت عنه وهو كثير
    المهم ألا يتوهم الحكام أو يوهمونا بأنهم يحكمون بالصواب دائما

اترك تعليقاًً على هذا الرأي