صلاح حامد

اخر احداث

جاموسة الريس

كان الريس راكب السيارة. فرأي فلاح نايم والجاموسة تدور في الساقية. فنزل من السيارة وقال له: إزاي سايب الجاموسة ونايم. إفرض الجاموسة وقفت. مش ده حيقلل الإنتاج. فرد عليه الفلاح: ياريس انا حاطط جرس في رقبة الجاموسة عشان لما تقف أعرف. وأقوم أمشيها.. قال له الريس: إفرض ياناصح الجاموسة وقفت وقعدت تهز في راسها.. رد الفلاح: مش كل البهايم بتفكر زي حضرتك يافندم.
تلقيت هذه النكتة من صديق. فذكرتني بحال الريف زمان. عندما كانت “الجواميس والأبقار” تدير السواقي. وكانت الزراعة حرفة أهلنا الفلاحين.. يعمرون الأرض ويسقونها بالعرق. فتعطيهم من خيرها الوفير. وكان الفلاح وبينهم المرحوم أبي في قريتنا الطيبة بريف الشرقية يسير بمنهج الاكتفاء الذاتي. ففي كل مساء يعود إلي بيته بالفجل والجرجير والبامية والملوخية والباذنجان. وغيرها من الخضراوات. التي يزرعها في حوض صغير في حقله.. وكانت بيوتنا في القرية تسمع فيها سيمفونية. من صياح الديكة وهديل الحمام. وتمرح فيها اسراب الأوز والبط والأرانب.. ولذلك لم نكن نعرف أزمة اللحوم.. أما السمك فكنا نحصل عليه بالمجان من الترع والمصارف.. وكان أباؤنا يزرعون أشجار التوت والجميز والنخيل. للاستفادة من الظل والثمر.
ولأن الفلاح كان يكد ويتعب. فقد كان ينام بعدالعشاء قرير العين. فيعم القرية الهدوء والسكينة. إلا من نباح الكلاب ونقيق الضفادع في حقول الأرز. وأضواء بسيطة تخرج من نوافذ بعض المنازل. حيث مجموعات من الشباب يتسامرون.. طبعا لا استطيع القول بأنها كانت حياة مثالية وسعيدة. وأقول مثل عبدالوهاب: “ماحلاها عيشة الفلاح” فقد كانت حياته شاقة. وكان خيره يذهب لغيره من البهوات والباشوات. ولا يبقي له إلا الفتات.. ولكن هذا الوضع المعكوس. قضت عليه ثورة يوليو 1952. وأعطي عبدالناصر الأرض لمن يزرعها. لتنتج غذاء المصريين. وتكفيهم ذل سؤال اللئيم. أو طلب المعونة من المستعمر القديم.
ولم يكن الريف يعرف أزمة البوتاجاز. فقد كان الفلاح يخزن أعواد القطن والذرة والأرز الجافة “الحطب” فوق اسقف المنازل. ويستخدمها في الأفران البلدية.. فمن ناحية يحصل علي الوقود المجاني.. ومن ناحية أخري يحافظ علي البيئة. قبل اختلال الموازين. وانتشار السحب السوداء “بسبب حرق قش الأرز”.
كانت هذه هي حياة الريف. قبل أن يسلط الله “الريس” علي أقدار المصريين. فيهمل الزراعة والفلاحين. و “يستسهل” رجال أعمال عصره الاستيراد. حيث الأرباح كثيرة.. وفي المضمون. وبلا إنتاج ووجع دماغ.. فوقعت الأزمة وتغير نمط حياة الناس. وأصبح الريف مستهلكا أكثر منه منتجا.. وأصبحت “السواقي” مجرد ذكري. بعدما تركت مكانها لماكينات الري.

اقرأ ايضاً صفحات رأي متعلقة على جريدة احداث اليوم:

اضيف بتاريخ: Monday, November 21st, 2011 في 06:52

كلمات جريدة احداث: , ,

اترك تعليقاًً على هذا الرأي