بصوا بقي عشان ماحدش يتفلسف كتير أيوة احنا كمصريين شوفينيين ، بس لو بتحلل الشوفينية دي مش تحليل نفسي زي اللي الناس معتاداه بمنطق اننا بنضحك علي نفسنا ونصبرها الخ بل بمنطق تشكيل الهوية ممكن تاخدوا بالكم من أفكار غايبة في الزوايا وانا هاحاول هنا أطرح الفكرة من زاوية الأغاني لأني مقتنع إن كتير مش واخدين بالهم إن الفكرة دي مصدرها أغاني معينة وفي ظرف معين .
1- احنا مش شوفينيين بالفطرة ، ده نتاج مرحلة من أواخر السبعينات حتي الآن هأشرحها في آخر كلامي .
2- الشعب المصري بطبيعته التاريخية غير ميال للعنف (ممكن يكون مش متسامح) بس مش ميال للعنف وده تسبب تاريخيا بقي في عمليتين ناجحتين لتغيير الهوية المصرية الاولي بدأت في العصر الهيلينيستي وعبر تأثير يوناني روماني مسيحي والثانية بدأت في العصر العربي وعبر تأثير عربي إسلامي ، انا هنا مش بأتكلم عن الأفكار والمعتقدات قد مابأتكلم عن الهوية السياسية للدولة المصرية اساسا ، العمليتين دول قادوا لتذويب هوية الدولة المصرية ككيان سياسي مستقل وجعلها بالضرورة جزء من كيان أكبر
3صحيح ان مصر مش زي دول سايكس بيكو وانها تاريخيا حدودها ثابتة من سبعة آلاف سنة وعادة كان فيها مركز لدولة مستقلة لكن الفكرة أن الدولة المستقلة دي (طولونية ،اخشيدية ،أيوبية ، مملوكية الخ) كانت جزء ولو اسما من دولة كبري يعني مفيش شرعية للهوية المصرية ككيان سياسي ، وده استمر بصورة أكبر كمان في العصر العثماني وحتي عصر محمد علي.
4- محمد علي اسس الدولة الحديثة وعمل لها شرعية مستقلة خصوصا إنه تحارب مع الكيان الأكبر بتاع الدولة العثمانية ، صحيح إن فكرة إن مصر جزء من الدولة العثمانية ظلت قائمة قانونا حتي عام 1914 وارتبطت بحركة مصطفي كامل ومحمدفريد وظلت قائمة نفسيا حتي ثورة 19 اللي عملت البناء الثاني للأمة المصرية (أو الثالث لو قررنا احتساب التجربة العرابية ) فنلاقي سيد درويش بيغني قوم يا مصري، أو مصر يا أم العجايب ) الخ
5- الفترة الليبرالية المصرية 1922-1952 ماكانش بيستخدم فيها تعبير الأمة إلا لوصف الامة المصرية مش هتلاقي أبدا في كتابات الزمن ده شيء اسمه الأمة العربية أو الإسلامية (الأخيرة هتلاقيها في كتابات البنا و اللي زيه ) وده وضع مختلف عن وضع العراق والشام اللي نشأت فيهم الدولة اساسا علي أساس إثني (الثورة العربية للشريف حسين) وطبيعة أراضيها فيها تنوع عرقي وطائفي ومذهبي جعل الفكرة القومية العربية( الموروثة من حزب اللامركزية المقاوم للحركة الطورانية التركية) أو القومية السورية (في الشام ) تبدو أكثر قوة قبل ظهورها في مصر بخمسة وثلاثين عاما علي الأقل وهتلاقي كل الأغاني بتاعة الفترة دي بتدور عن وحدة مصر والسودان أو نشيد زي (اسلمي يا مصر إنني الفدا ) لكن ده لا يمنع الثقافة والتراث العربي أو الإسلامي لكنه مش بيأسس لكيان سياسي
6 عبد الناصر قام بمحاولة ثالثة لتذويب هوية الدولة المصرية في (أمة عربية ) وبغض النظر عن الظرف السياسي فأنت هتلاقي كل الأغاني في المرحلة دي لا تذكر كلمة مصر تقريبا لكن بتذكر كلمة العرب وأحيانا كتير كلمة جمال أو عبد الناصر فهتلاقي فريد الأطرش بيقول (لوطنها شمال وجنوب ) و (المارد العربي) وعبد الوهاب بيقول (وطني الأكبر) (كل أخ عربي أخي )(أخي المواطن في كل واد له شعب عربي) (عاش الشعب العربي كله شعب سلام وأمان ) ناهيك عن عبد الحليم ( ماتغيب الشمس العربية طول ماأنا عايش فوق الدنيا) ( فدائي ،أهدي العروبة دمائي وكفاية أشوف علم العروبة باقي) الخلاصة ان اسم مصر كان محذوف مش بس من اسم الدولة (الجمهورية العربية المتحدة) بل كمان من الأغاني ،و كان اللي بيغنيه هما المغضوب عليهم (مصر ياأمة يا بهية) (يا مصر قومي وشدي الحيل )
7- فيما بعد الناصرية أو كمان من بعد 67 ومرورا بانطلاق ( عودة الوعي) ثم بغياب عبد الناصر كان فيه رغبة كبيرة باعادة اسم مصر للاسم الرسمي (بالذات من قادة الجيش علي الجبهة اللي كانوا شايفين ان اسم الدولة هيزود حماس الجنود خصوصا إنه مذكور في القرآن ودي كانت شهادة عدد من الضباط في مذكراتهم إنهم طلبوا ده فعلا رسميا من السادات ) والسادات أصلا عمل ده فعلا عام 71 مع تحويل الجمهورية المتحدة إلي اتحاد جمهوريات هش ، ودي بقي القصة ، السادات كان شايف مرة أخري إن الهوية المصرية هوية مستقلة ، وعشان كدة بيظهر في أغاني السبعينات كلمة مصر تاني بس بدون شوفينية بالذات أغاني حرب أكتوبر (دولا مين،دولا عساكر مصريين) (وأنا علي الربابة بأغني ، تعيشي يامصر) (ياصباح النصر يا مصريين ) الخ
8 نيجي بقي لفترة اواخر السبعينات وحتي مطلع التسعينات الفترة دي شهدت محاولات لتوجيه ضربات قوية لشرعية النظام والدولة المصرية لأنها (بالصلح المنفرد) تعلن ببساطة( من وجهة نظر القوميين العرب في مصر واليسار عموما ) أن شرعيتها ليست شرعية (أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة) بل إنها تتمسك بهوية سياسية مستقلة للدولة المصرية وغير راغبة في الاندماج في كيان اكبر وفق المعادلة القديمة و تسعي لتحقيق مصالح المصريين بالأساس ، وتزامن ده مع محاولات أخري من الداخل لاستبدال الأمة العروبية بالأمة الإسلاموية باعتبار إن مشروع استعادة الأمة المصرية كان لسة مش قوي كفاية
9 الفترة دي هي فترة بناء الشوفينية المصرية بامتياز ، لان بعد المقاطعة العربية كان لازم يحصل الاعتزاز الشديد بالهوية المصرية كنوع من مقاومة الاذاعات العربية بالذات (صدام والقذافي ) هنا بقي هتظهر كل الأغاني اللي أسست لفكرة شوفينية تزامنا مع خطاب شديد العدائية من بغداد وطرابلس ودمشق تقابله أوصاف من عينة (التعبيرات الساداتية) كالاقزام العرب أو مصر دولة وليست قبيلة ترفع علما أو الواد المجنون بتاع ليبيا فتشوف الأغاني كلها بتتحرك في نفس النغمة الشوفينية التي فيها نوع من التعالي المقصود تجاه العالم (ولو إن المقصود كان العرب تحديدا) توفيق فريد بيقول(مصر ياأم الدنيا يا حبيبتي يا بلدي، بنحب اللي يحبك مهما يكون غريب) وتشوف محمد الحلو بيقول (وقت ماكان لسة العالم بيعيش تايه في الغابة،مصر كانت دولة وليها راية فوق أعلي سحابة) وسوزان عطية (شوف مصر الفراعنة في وادي والعالم في وادي) ومحمد ثروت (مصر ياأول نور في الدنيا شق ضلام الليل،احسب عمر الليل في الدنيا يطلع عمر النيل) أو (مصريتنا وطنيتنا حماها الله)أو )عاشت بلادنا عاشت حرة لولادنا ..خليتني أقول في عصري لو مااتولدت مصري لأتمنيت أبقي مصري) وفايزة احمد (مصر الغالية أم الدنيا والله الله علي المستقبل، الإيد في الإيد المصرية هي اللي تفيد) وياسمين الخيام (المصريين اهما حيوية وعزم وهمة)
10 الخلاصة بدون استفاضة كتير إن المعني الواضح في الأغاني دي هو التأكيد علي الهوية المصرية(يمكن لان المينستريم في مصر كان بيشعر بإهانة حقيقية من تطاول جبهة الصمود والتصدي) لكن فيه سبب أهم أظنه مرتبط بوجود ملايين المصريين في العراق وليبيا ودول الخليج آنذاك وفي الأغلب إن الحفاظ علي الروح الوطنية وضمان تماسك الدولة كان مطروح دايما عند صانع القرار عشان كدة احتفالات اكتوبر بتاعة الشئون المعنوية كانت مهتمة بالتركيز عليها (فعليا معظم الأغاني دي ظهرت في الاحتفالات الرسمية) والدولة كانت فعلا بتستفيد من التحويلات وكمان بترفع عبء انفجار البطالة اللي جه بسرعة بعد تسريح مقاتلي الجبهة عام 74
11 تعبير الشقيقة الكبري هو نتاج الفترة بين 91 و2005 يعني مرحلة اعلان دمشق والمحور الثلاثي المصري السعودي السوري وده اللي هترجع فيه اغاني فيها جزء من الانتماء العربي للظهور من جديد مع عودة القمم العربية في مصر و خصوصا بعد ما فكرة الهوية المصرية كانت مستقرة وذلك حتي اندلاع الحرب الجديدة لتحطيم فكرة الدولة المصرية واللي انطلقت مع اطلاق محور المقاومة والممانعة حربا جديدة علي شرعية الدولة المصرية بنفس الخطاب السبعيناتي التخويني منذ عام 2005 والحقيقة ان الخطاب ده حقق اختراقات كبيرة في السنوات الأخيرة لحكم مبارك وصلت إلي ذروتها بوصول كائن غير منتمي لمصر فكرا وهوية لمقعد لرئاسة بتأييد أغلبية المصريين
12 الخلاصة سهل قوي تتريق علي الفكرة دي وسهل قوي تقول مفيش بلد أهله بيغنوا لنفسهم بس انا عاوز أقولك برغم صحة كلامك إن الحقيقة إن تكرار الفكرة دي في عقل المصريين هو اللي حماهم من اكبر عملية (المحاولة الرابعة) لاختطاف هويتهم قبل كام شهر ، والعملية نجحت في دول أخري في المنطقة لأن كيان الدولة مااتثبتش في الناس أمام الولاءات العرقية والقبلية والطائفية بمقدار ماهو متثبت في مصر نسبيا ، والفضل برضه يرجع بنسبة كبيرة للثقافة الشوفينية والأغاني (المبتذلة) اللي مش عاجباك .
عزيزي الثوري الناقم أو المثقف الجبار أحيانا بيكون كلامك كله صح جدا بس العيب فيه إنه باصص من زاوية واحدة بس ، حاول تبص من زوايا متعددة ، هتعرف إن بعض عيوب الثقافة بتحمي أحيانا ، ولغاية ماترفع وعي الناس عشان تستوعبها هيفضل الحفاظ علي الدولة والسلم الاجتماعي بالوسائل الشعبوية دي ضرورة حتي لو سيادتك مش مقتنع وقرفان.