بلال علاء

احداث مصر

بخصوص الإسلاميين والهوية والحقيقة

الإسلاميين بيدافعوا عن خطاب الهوية والخصوصية الثقافية، ويعتبرون أن التيارات اليسارية والليبرالية تهدد هوية البلد، الملفت بالنسبة لي أن الفكرة الإسلامية نفسها قامت على التعارض مع الهوية، وعلى كون التمسك بأفعال وثقافة الآباء والأجداد ليس أبدا شيئا يحمد المرء عليه، وتطرح الآية القرأنية

في سورة البقرة سؤالا إذن لفكرة الهوية :

وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ

هل الهوية حق مطلق لا يمكن منازعته، بحيث يمكن أن تكون هي المعيار لأفعالنا، المناصر ليها بطل، والمعارض لها شرير، إجابة الإسلام طبعا بالسلب، كل ما يناقض الحقيقة التي أتى بها الإسلام ينبغي رميها بعيدا، فعلى التضاد من فكرة الخصوصية، تقوم الأديان على فكرة الحقيقة المطلقة، أنها تخبرنا عن حقيقة هذا العالم، وبالتالي ليس شيئا يعارض فكرة الحقيقة المطلقة هذه أكثر من فكرة الهوية، لو افترضنا أن الإسلاميين صادقين في دفاعهم عن الهوية، لكان معنى ذلك أن على الآخرين أن يحافظوا هم أيضا على هويتهم، ليبقى الأمريكي أمريكيا والأوروبي أوروبي والياباني محافظا على يابانيته، وليبقى كل محتفظا بمعاييره وحقائقه التي هي صحيحة بالنسبة لثقافته، وهو ما يعني سحب الثقة من الدين_كحق مطلق متجاوز_ ليصبح مجرد نص ثقافي لمجموعة معينة، وليس دينا موجها من الله لكل العالمين على اختلافاتهم، هل يرىد الإسلاميون ذلك فعلا؟

بالطبع لا يريد الإسلاميون ذلك، ولهذا أنا أميل لفكرة أن استخدامهم للهوية في منطقهم الهجومي على هؤلاء الذين يدعون لحرية أوسع، أنه استخدام انتهازي، ليسوا على استعداد لتحمل تبعات التمسك بخطاب الهوية، أو على الأقل أن استخدامهم لخطاب الهوية يمثل لهم شكلا للاعتراض على الحرية أكثر وجاهة من منطق الاعتراض على حريات معينة لمجرد أنها “حرام”، فهم يريدون ألا يكونوا مجرد “شيوخ ” ويريدون ممارسة الفلسفة وليس فقط الاستشهاد بالقرآن والأحاديث، يريدون معارضة الحرية بطريقة أكثر “علمانية” من مجرد رفضها بسبب الدين، وهو ما يمثل تراجعا على مستوى الخطاب، وخضوع لمنطق الديموقراطية والحداثة الذي ينقل مركز الكون من الله إلى الإنسان والمجتمع، فأصبح حديث الإسلاميين عن “مصلحة المجتمع” و”الحفاظ على إنسانية الإنسان”، من خطاب الحاكمية وتحكيم النص في كل شئ لأنه هو الحق المطلق، إلى مقاومة الحرية لأنها “انتهاك لخصوصية المجتمع وثقافته”، وبالتالي أصبح الخطاب _صدقا أو مواربة_متمحورا حول المجتمع وليس القرآن، وإن كان خطاب الحاكمية نفسه كان مخترقا من البداية بهذه النزعة التي ترى أننا _كأمة_نمتلك الحق بينما الآخرون_الغرب بالأساس_حضارتهم مادية ولم تحقق آمال الإنسان _يتم رفض الحضارة الغربية هنا لسبب قيمي وليس لأنها كفر_وكان طبيعيا أن يكون الامتداد الخطي لهذا التمحور حول التناقض بين الأنا والآخر_الأنا الخير والآخر الشرير طبعا_ هو الوصول للتمحور حول “الهوية” كمعيار يتم عن طريقه تقييم الناس والأفكار والأيدلوجيات، ويكون الدين هو المعبر الأساسي عن تلك “الهوية”، ولكن ليس هو هي، الهوية هنا شئ أكثر عمومية من الدين، ولهذا ففي خطاب الهوية تكون فكرة الهوية هي الحاكمة على الدين، وهي التي تمنحه تفوقه وليس العكس، الدين يجد تقبله هنا من كونه أحد عناصر الهوية، وليس لأنه هو الحقيقة المطلقة عن هذا العالم

اقرأ ايضاً صفحات رأي متعلقة على جريدة احداث اليوم:

اضيف بتاريخ: Saturday, November 3rd, 2012 في 02:04

كلمات جريدة احداث: ,

اترك تعليقاًً على هذا الرأي