سعد هجرس

احداث مصر

البلد تضيع يا مصريين

كل يوم نسمع خُطباً هي والضجيج سواء بسواء. وننام ونصحوا علي ثرثرة ترسم للواقع صورة وردية. بينما الحقيقة مختلفة تماماً عن هذا اللغو التافه.
الحقيقة المرة علي بلاطة ودون لف أو دوران هي أن مصر تضيع. أو في أحسن الأحوال أنها تتخبط دون بوصلة هادية أو خريطة طريق تفضي إلي رؤية شعاع من الضوء في نهاية النفق.
فالأوضاع الاقتصادية رغم كل ما يقال ورغم الزيارات بالغة التعاسة. وإذا استمرت الأمور علي ما هي عليه فإن اقتصاد مصر مهدد بالإفلاس بعد بضعة أشهر تعد علي أصابع اليد الواحدة.
والأوضاع الاجتماعية ازدادت سوءاً عما كانت عليه في عهد تحالف الاستبداد والفساد.. لكن مبارك تنحي ولم تتنح سياساته بل استمرت دون تغيير. وكان الأمر الطبيعي أن تستمر النتائج الكارثية لهذه السياسات المتوحشة والعمياء اجتماعياً. بل وأن تصبح معاناة الناس بعد 25 يناير 2011 أسوأ مما كانت عليه قبلها.
فأبناؤنا مازالوا يموتون غرقاً في مياه البحر المتوسط وهم يغامرون بحياتهم من أجل الوصول إلي شواطئ أوروبا بحثاً عن سراب فرصة عمل. وطوابير جيش البطالة تزداد طولاً وعرضاً. وغول الأسعار يفترس الأغلبية الساحقة المسحوقة من المصريين.
والمدارس والجامعات ماتزال تلف وتدور في نفس المنظومة المتخلفة التي أرسي مبارك دعائمها ومناهجها.
والعلم يزداد غربة يوماً بعد آخر. في ظل اجتياح طوفان مؤسسة الخرافة واكتسابها مواقع “رسمية”. والبحث العلمي الذي هو الطريق إلي الخروج من دوامة التخلف يتعاظم الاحتقار لها والاستهانة به. بل والافتئات علي الجُزر المعزولة التي استطاع انتزاع موطئ قدم لها في السابق. مثلما نري في حرب داحس والغبراء. بين جامعة زويل وجامعة النيل!!
والمظالم الاجتماعية مازالت بغير حل بدليل اتساع نطاق الحركات المطلبية والاحتجاجية لتشمل كل الطبقات والفئات ابتداءً من الأطباء إلي سائقي الميكروباص.
ورغم فداحة كل ما سبق وتهديده لكيان الوطن والأمة فإنه ليس أخطر ما يحدث. الأخطر فعلاً هو ما يجري علي الساحة السياسية. وتفاصيل ذلك كثيرة ومتشابكة. لكن عنوانها الرئيسي هو “تفكك الدولة المصرية” التي هي أقدم دولة في التاريخ. فسيناء بكل ما تمثله من أهمية استثنائية لمصر. وأمنها القومي تتسرب رويداً رويداً من السيادة الوطنية. وأخشي أن أقول إنها في طريقها إلي الانسلاخ عن الجسد الوطني.
والأخطر أنه رغم تواصل عملية “نسر” علي أرض سيناء. لا تزال فصائل السلفية الجهادية تستعرض عضلاتها وتتحدي الدولة. وتقوم بتوجيه الإنذارات إلي المواطنين المصريين المسيحيين المقيمين في رفح وتجبرهم علي ترك بيوتهم.
صحيح أن هذه ليست المرة الأولي التي يحدث فيها تهجير قسري لعدد يزيد أو يقل من الأقباط في أنحاء مختلفة من مصر. لكن المكان والزمان يعطيان لهذه الموجة الجديدة أبعاداً كارثية ليس بالنسبة لسيناء والأقباط فقط. وإنما لوحدة الدولة المصرية والأمة المصرية.
هذه الكارثة حذرنا منها منذ فترة ليست قصيرة. وصرخت بأعلي الصوت في هذا المكان “سيناء في خطر يا ناس”.. وتتضح خطورة هذه الكارثة إذا وضعناها في سياقها الأشمل. حيث تواجه البلاد انقساماً سياسياً. أفقياً ورأسياً حول كل شيء.. بدءاً من مهمة صياغة الدستور وتشكيل الجمعية التأسيسية ومروراً بكل كبيرة وصغيرة في كيفية إدارة شئون الدولة والإعلام والثقافة وحقوق الإنسان دون تمييز بين شئون “الجماعة” واستحقاقات “الوطن”.
وليس هذا التخبط متعلقاً بأجندات محلية فقط. لكنه امتد حتي إلي أمور إقليمية ودولية يمكن أن تصل في إعلان الحرب والزج بمصر إلي حروب لا ناقة لنا فيها ولا جمل. كالساحة السورية علي سبيل المثال.
كل هذا العبث يجري باستخفاف أحياناً. وبعناد يذكرنا بعناد حسني مبارك في أواخر أيامه حيناً آخر. ومثل هذه السياسات العشوائية والارتجالية والإقصائية. يمكن أن تصلح لإدارة شئون “جماعة” تحت الأرض. لكنها بالتأكيد لا تصلح لتولي مسئولية دولة كبيرة.. شكلت حضارتها العريقة فجر تاريخ البشرية بأسرها. وأصبحت اليوم في مهب الريح.
ومع ذلك فإن أمل الإنقاذ مازال قائماً. والتحركات السياسية الأخيرة علي أكثر من جبهة تضع أساساً لا بأس به لوقف هذا التدهور.. وللحديث بقية

اقرأ ايضاً صفحات رأي متعلقة على جريدة احداث اليوم:

اضيف بتاريخ: Thursday, October 4th, 2012 في 00:13

كلمات جريدة احداث: ,

اترك تعليقاًً على هذا الرأي