د. صلاح هاشم

احداث مصر

الدين و الثورة المصرية

تعلمنا في دراستنا للتاريخ أن المجتمعات كائنات تتطور كالأفراد.. فتنهض أحياناً وتتعثر في أحايين كثيرة. وفي كل الأحوال كانت الثقافة هي مؤشر النهضة والتحضر. فمن خلالها نتكهن بالمرفأ الأخير لقطار النهضة. وأن المجتمعات عندما تتجاهل الدين ربما تتقدم ولكنها تموت فجائياً ودون مقدمات وأن مآلها الاستعمار والتآكل.. وإذا كانت دولة رهبانية وقطيعة للعلم» تأخرت وتوقفت تروس التقدم فيها.. وتعلمنا أن الدول إذا تجاهلت العلم تخلفت حتي وان طبقت الأديان نصاً فيها.. ولكن عندما وافق العلم الدين فصار العلم منهاجاً والدين ثقافة حرة بات العمل والتقدم ابنا شرعياً باراً لتزاوج الدين مع العلم وأصبح التقدم سمة لهذه الشعوب. ولعل اليابان خير شاهد علي تقدم الدولة التي جعلت للعمل أخلاقا تدرس في المناهج التعليمية. أخلاقا مصدرها الدين ومحركها العلم.. وكذلك تعلمنا أن المجتمعات تقدمت عندما سَيَّدَت العلم وجعلته معياراً لاتخاذ القرار وموجهاً لكافة خططها وفي كل المجالات. وبذلك تقدمت أوروبا بعد ثورتها الكَنَسِيَة بزعامة مارتن لوثر الذي دعا إلي إحلال سلطة العلم كبديل للسلطة الكنسية في أوروبا. ومنذ ذلك الوقت تخلصت أوروبا من التخلف وعاشت عصور النهضة والتقدم والهيمنة العالمية.. وعندها استشعر المواطن في أوروبا بقيمة ثورته وحصد نتائج تضحياته. استشعرها عندما ذهب إلي المدرسة ووجد فيها مناهج تعليمية ونهضوية متزنة. تلمس واقعه وترسم باتقان مستقبله. استشعر بنتائج الثورة عندما ذهب إلي المستشفيات العامة ولم يجد ثمة فارقاً يُذكر بينها وبين مستشفيات القطاع الخاص. استشعرها عندما تراجعت معدلات الإصابة بالأمراض المتوطنة وفي انخفاض حوادث الطرق وفي علاقة رجل الأمن برجل الشارع. استشعرها عندما وجد الدين سلوكاً يمارس وليس قانونا يُفرض.. استشعرها عندما وجد تحت قبة البرلمان رجالاً قد انتخبهم عن جدارة واستحقاق وليس لمعيار ديني فقط.. رجالا يتكلمون بلسانه ويعملون علي مصالحه» من ثم فلا حاجة للمواطن بالحديث في السياسة العامة. فهناك شخوص قد انتخبهم لهذا الشأن يفكرون لصالحه ويسهرون علي أمنه وراحته. وليس علي المواطن سوي الالتزام بواجباته فقد كفل له الدستور حقوقه وأشرف البرلمان علي إنفاذها وحمايتها. وأصبحت المجتمعات عبارة عن أروقة وقباب لممارسة السياسة وشعوب تعمل وماكينات تنتج ونهضة تتحقق علي الأرض يلمسها الداني ويشهدها القاصي. والآن أتساءل أين نحن من هذه الثورات وما إرهاصات نجاح ثورتنا. وهل تقييمنا للثورة كان عن موضوعية أم خوف من الهزيمة وشماتة الفلول؟ فقد لاحظت بشوارعنا أن الناس متعطشون للدين أكثر من تعطشهم للتنمية والتقدم وكأن ثورتنا لم تكن ثورة ضد الفساد والعدل المغيب بل ثورة من أجل الدين. فلا ضير أن يكون الامتثال للشرع هدفا» فالأديان هي روح المجتمع ومصدر استقامته. ولكن لماذا ارتفعت معدلات الجريمة بعد الثورة للدرجة التي تهدد مستقبلها برمته رغم موقف الدين منها؟ لقد ثُرنا من أجل القضاء علي الفساد وإعلاء قيمة العلم واستعادة كرامة الوطن ومكانته بين الشعوب.. فلماذا زج بالدين في كل حواراتنا؟ ولماذا نضع العلم دائماً مقابل الدين؟ وإذا كان الإسلام في كنهه عقيدة علم وعمل. فلماذا لا يكون العلم والدين في قاطرة واحدة تجرنا نحو مستقبل أفضل؟ فمن المُلفِت للنظر أن معظم المعارك السياسية الآن ليست لخلافات حول سبل الاصلاح وآليات النهضة وإنما معارك فكرية كان الدين معقلها.. وكأن مشكلة نظام مبارك فقط كانت في بعده عن الدين وليس في فساده ولا في الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي عاشه المواطن المصري في كل مجالات الحياة.. فويل لأمة تنطلق من الدين إلي المذهب ومن الحكمة إلي المنطق ومن الحقل إلي الزقاق.. ويل لأمة تأكل مما لا تزرع وتشرب مما تعصر وتلبس مما لا تنسج.. ويل لأمة تحسب الزركشة في غالبيتها كمالاً والقبح فيها جمالاً..

اقرأ ايضاً صفحات رأي متعلقة على جريدة احداث اليوم:

اضيف بتاريخ: Monday, March 5th, 2012 في 02:03

كلمات جريدة احداث: ,

اترك تعليقاًً على هذا الرأي