صلاح الحفناوي

احداث مصر

اكذوبة محاكمة مبارك

فخامة رئيس محتمل.. باعتبار أن كل مرشح محتمل هو رئيس محتمل.. أعلن في تصريحات انتخابية أنه إذا أصبح رئيسا للمحروسة سوف يعيد محاكمة الرئيس السابق إن حصل علي البراءة.
التصريح علي ما فيه من تشكيك ضمني في جدية محاكمة مبارك التي أطلقنا عليها عبثا وصف محاكمة القرن.. واستباقاً لنتائجها.. يقودنا إلي السؤال المكسوت عنه: ماذا لو استقر في ضمير هيئة المحكمة أن مبارك بريء من التهم المنسوبة إليه.. أو علي أقل تقدير من التهمة المحورية الرئيسية الأكثر أهمية بالنسبة لنا جميعا.. تهمة الاشتراك في قتل المتظاهرين السلميين سواء بإصدار أوامر مباشرة بالتعامل بالذخيرة الحية معهم أو بالامتناع عن إصدار أوامره بعدم استخدام القوة المفرطة التي توقع ضحايا وتهدر دماءا بريئة؟.. ماذا لو تيقنت المحكمة.. فحكمت ببراءته؟.
وقبل أن تنالني شطايا التخوين وتحاصرني دعاوي الاتهام بالفلولية والذنبية.. أكرر أنني أتحدث عن محاكمة الرئيس السابق علي التهم الموجهة إليه في عريضة الاتهام ولا أتحدث عن مجمل جرائم النظام السابق والتي لم تدخل ساحة القضاء بل سكتنا عنها واكفتينا منها بالفتات الذي يصعب إن لم يكن يستحيل إثباته.
قبل أسابيع تحدثت إلي أحد المحامين المتميزين في القانون الجنائي حول محاكمة مبارك.. سألته عن رأيه في المحاكمة وتوقعاته لنتائجها فأجاب بلا تردد أن القضاء الجنائي لا يقبل بغير الأدلة الواضحة والبراهين المؤكدة التي لا يتسرب إليها أدني قدر من الشك.. خصوصا عندما يتعلق الأمر باتهامات تصل عقوبتها إلي الإعدام.. لا مجال في هذا النوع من المحاكمات للأخذ بالشبهات أو بأدلة ضعيفة.. وكل شك في معطيات القضية يفسر لصالح المتهم.. القاضي هنا يتحمل عبئا هائلا لأن حياة إنسان معلقة علي يقينه وضميره وهو في كل الأحوال يكون محكوما بنصوص القانون.. فإذا لم تتوفر الأدلة اليقينية التي تدين المتهمين فلن يكون أمامه سوي إصدار حكم بالبراءة حتي ولو أدي ذلك إلي صدمة مجتمعية أو إلي غضب شعبي.
قال محدثي: السؤال الذي يجب علينا أن نطرحه علي أنفسنا هو هل نحترم القانون ونرضي بحكم القضاء أيا كان.. أم نطالب بمحاكمة رمزية نصدر نحن الحكم فيها.. ونطالب بتنفيذ ما حكمنا به.. تصريحات المرشح المحتمل أو الرئيس المحتمل تحمل إجابة ضمنية علي هذا السؤال.. إجابة لا نرضاها علي أنفسنا ولا نقبلها علي ثورتنا ولا نحتمل وزر تسجيلها في صفحة من أنصع صفحات تاريخنا صفحة الثورة الشبابية الشعبية البيضاء التي توحدت فيها الأفئدة والمشاعر لتصنع حدثا ألهم العالم وأذهله.
لقد وصفنا المحاكمة بمحاكمة القرن.. وامتلأت نفوسنا فرحة وبهجة ونحن نري الزعيم الذي ظن نفسه الملهم المتفرد الأوحد وصاحب القرار الوحيد الذي يتحكم في العباد والبلاد.. نائما علي سرير وراء القضبان في ساحة العدالة المقدسة.. فضحكنا علي أنفسنا قبل أن نضحك علي مشهد الزعيم وهو ينتقل من قمة السلطة والمجد إلي موقع المساءلة والمحاسبة والقصاص.. من موقف الآمر الناهي إلي موقف المأمور الخاضع.. ضحكنا علي أنفسنا عندما اختصرنا خطايا النظام السابق في المسئولية الفعلية أو الضمنية أو حتي الافتراضية عن قتل شهداء والحصول علي ثلاث فيلات بسعر رمزي وتصدير الغاز لإسرائيل بأقل من سعره.. وهي تهم يستطيع أي محام مبتدئ أن يفندها في ظل غيبة الأدلة الدامغة والبراهين التي لا تقبل الشك أو حتي في وجودها.. وتركنا ما هو أهم: تدمير مصر وافقار شعبها علي مدي ثلاثة عقود.
في عهد مبارك ونظامه انتقلت مصر من موقع الريادة إلي مؤخرة قائمة الدول النامية أو حتي النائمة.. هذا ما كان يجب أن يحاكم عليه محاكمة سياسية تعري خطاياه وتكشفها وتضع حقبته في مكانها الصحيح ضمن اسوأ الحقب في تاريخ الشعوب.. كان يجب أن يحاكم علي قتل أحلام وآمال شعب والوصول به إلي أقصي درجات الفقر والمعاناة.. كان يجب أن يحاكم علي انهيار الصناعة والتفريط فيما كنا نملكه منها.. علي انهيار التعليم لتصبح بلادنا بلا فخر ضمن الدول صاحبة امتياز اسوأ النظم التعليمية.. حيث المدارس تفتقر إلي الحد الأدني من متطلبات التعليم.. والمناهج العشوائية تقصم الظهر وتصيب الطالب بالانهيار وأسرته بالاكتئاب وتحول العام الدراسي إلي كابوس مرعب.
في عهد مبارك وصلت الخدمات الصحية إلي أقصي درجات التدني وأصبح علي المرضي أن يتسولوا حقهم المشروع في العلاج.. ليكابدوا مع آلام المرض مهانة الاستجداء في عهده اختصرت أحلامنا من الحياة بكرامة وإنسانية والتطلع إلي مستقبل مشرق.. إلي الحصول علي الحد الأدني من متطلبات البقاء علي قيد الحياة.. في عهده أصبح الحصول علي رغيف العيش غاية المني ومنتهي الأمل في حياة الملايين من شعب مصر العظيم الذي أهدي العالم عبر آلاف السنين أروع منجزاته الحضارية.. في عهده فقدت مصر ريادتها وتفوقها في أي شيء.. تراجعت في كل شيء.. وباختصار كان عهده افقاراً وانهياراً.. هذا ما كان يجب أن يحاكم عليه مبارك وكل من ساعده وعاونه.. وهذا بالتحديد ما لا يستطيع أن ينكره أو يفلت من القصاص العادل عليه وهذا ما كان يجب أن يسجل باسمه في صفحات التاريخ.

اقرأ ايضاً صفحات رأي متعلقة على جريدة احداث اليوم:

اضيف بتاريخ: Sunday, February 19th, 2012 في 06:51

كلمات جريدة احداث: ,

3 رد to “اكذوبة محاكمة مبارك”

  1. سيف المصرى
    20/02/2012 at 08:12

    بسم الله ارجو من شباب مصر مسلم اومسيحى التكاتف من اجل نهضة بلدنا الحبيب ننظر الى الامام دائما والافضل لنا واولادنا البلطجى ده مين مصرى ولا ايه افتكر ربنا امك ابوك اختك ابنك بنتك اه اه اه بحبك يا مصر مصر مصر ببكى على اخونى المصرين و احمد زويل ومشرفه الله الله الله

  2. سيف المصرى
    20/02/2012 at 08:00

    بسم الله ان كل ما رايته وسمعته وقراته فى عهده للاسف هو الظلم بعينه وانا الان فى العقد الثالث 32 وحسبي الله ونعم الوكيل@بسم الله الرحمن الرحيم @اللهم اتمم علينا نورا واغفر لنا انك على كل شئ قدير@صدق الله العظيم والله انا ما تابع الى اى حد ضد بلدى مصر لكن بحبه اوى ونفسى اكون من الشهداء 73 اويناير انا عندى كلام كتير لكن الشكوى لغير الله مازله الحمد لله فى السراء والضراء والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

  3. gyme
    19/02/2012 at 22:32

    الله اكبر ان كل كلمه تمت كتابتها في هذا المقال لا يستطيع اي فرد ان ينكرها ولكننا للاسف وصلنا لمرحله التخوين واعتقد ان المستشار احمد رفعت الان يقع تحت ضغط نفسي شديد لا اعتقد بانه لايوجد انسان في مصر تحت هذا الضغط حتي المشير طنطاوي ليس تحت هذا الضغط ولو تمت محاكمه مبارك علي ذل شعب مصر في لقمه العيش والدائره المغلقه التي نصبها هو واتباعه حتي لايكون هناك شخص يفكر في اي شئ غير الجري خلف لقمه العيش وكيفيه ايجادها لابنائه فهذا هو مايمكن محاكمته عليه لانه لن يتبرئ من هذا وذاك وارجو ان يتفهم كل شخص ثوري هذا الكلام وايضا كل كلمه في هذا المقال مع خالص تحياتي لكاتبه .

اترك تعليقاًً على هذا الرأي