مؤمن ماجد

احداث مصر

شهيد التاكسي

في منطقة أرض عزيز عزت بإمبابة.. كان محمد حمدي مختار يقود سيارته التاكسي وهو يفكر مهموما في القسط الذي يستحق بعد أيام ولم يجمع حتي نصفه.. سيارة التاكسي هي كل رأسماله وإذا فقدها فقد الأمل في الحياة.
محمد “32 سنة” لم يكن مهموما فقط بقسط التاكسي ولكن أيضا بطلبات الأسرة التي تنتظره.. العيشة غالية والرزق قل .. الناس استغنت عن التاكسي وراحت إلي الميكروباص علشان التوفير.. حتي الزبون بقي “مناكف” ومش بيسيب ولا جنيه بقشيش.
فتح محمد الراديو فجاء صوت واحد من النخبة يتحدث عن اللجنة التأسيسية الدستور والنظام الرئاسي.. أدار محمد المحطة فجاءت أغنية “مصر هي أمي”.. محمد لا يهتم كثيرا بالسياسة ولا يفهمها ولكنه يحب مصر.. كان فخورا بثورة 25 يناير وكان زعيما في اللجان الشعبية.. لكنه بعد ذلك لم يفهم لماذا كل هذه المليونيات والبلد حالها واقف.
انتبه محمد علي صراخ فتاة.. شاهد أمامه توك توك بداخله فتاة ومن خلفه 3 اشخاص علي موتوسيكل وهناك مطاردة مثيرة بين التوك توك والموتوسيكل.
تصور محمد في البداية أن الحكاية هزار ولكن صرخات الفتاة المتتالية ومنظر الشباب الثلاثة علي الموتوسيكل بعيونهم الجائعة جعلته يفهم الموقف.. هؤلاء 3 ذئاب يبحثون عن فريسة.
لم يتردد محمد.. أسرع بالتاكسي ليعترض طريق الموتوسيكل حتي يتيح الفرصة أمام سائق التوك توك للهروب.. ثوان معدودة وكان محمد يصنع حاجزا بين التوك توك والموتوسيكل وكاد ينجح في مهمته.
وركاب الموتوسيكل شعروا بالغضب من سائق التاكسي الذي سيحرمهم من الوليمة.. أخرج أحدهم مسدسا واطلق عليه النار.. الرصاصة اخترقت صدر محمد.. ترك عجلة القيادة ليوقف النزيف.
تجمع الأهالي علي صوت الرصاص.. شاهدوا الدم يخرج غزيرا من صدر محمد.. حاولوا إسعافه لكنه لفظ انفاسه الأخيرة.. مات وهو يسمع أغنية مصر هي أمي.
في سطور قليلة نشرت الصحف قصة محمد حمدي مختار يوم الأحد الماضي.. وكانت غلطته الوحيدة أنه لم يمت في التحرير وإلا لاصبح بطلا يتحدث عنه الجميع.
انتظرت أن تتسابق برامج التليفزيون لقصة شهيد التاكسي الذي دفع حياته لانقاذ شرف فتاة لا يعرفها.
توقعت أن تخرج مليونية تطالب بالقصاص له وأن تحتفل به الجماهير مثلما احتفلت بشهيد الالتراس وان يصرف له تعويض ضخم مثل الشهيد الذي مات وهو يقتحم قسم شرطة أو يسرق محلاً.. حلمت بأن المحافظ سيكرم أسرته ويمنحها شقة مثل الذي تسلق عمارة السفارة الإسرائيلية.. تمنيت أن تهب هيئة محامين لتبني قضيته مثلما تطوع الكثير من المحامين للدفاع عن الشاب الذي رقص بعد أن اشعل النيران في المجمع العلمي. تخيلت أن مرشحي الرئاسة الذين اصبحوا اكثر من الهم علي القلب سيشاركون في جنازته.
كل توقعاتي واحلامي وأمنياتي لم يتحقق منها شيء.. مات محمد حمدي مختار شهيدا وهو يستمع إلي أغنية مصر هي أمي لكن غلطته أنه لم يستشهد في ميدان التحرير ولا في شارع محمد محمود ولا أمام مجلس الوزراء.
اقرأوا الفاتحة علي روح محمد حمدي مختار الذي استشهد من أجل الواجب.. وللأسف نسينا أن نكرمه.

اقرأ ايضاً صفحات رأي متعلقة على جريدة احداث اليوم:

اضيف بتاريخ: Sunday, January 15th, 2012 في 09:26

كلمات جريدة احداث: ,

اترك تعليقاًً على هذا الرأي