أنقل هنا مقالة للدكتور طارق على حسن نظرا لأهميتها البالغة: محطات ضرورية في طريق تفعيل ثورة الحرية و الديمقراطية والعدل25يناير أمل الشعب المصري
محطات طبيعية و بديهية في طريق تفعيل الثورة من أجل الحرية و الديمقراطية و العدل
في الطريق إلي الاستقرار والاطمئنان والنهضة إهمالها يمثل مخاطرة كبري
إعترف الجميع أن ما حدث في مصر ثورة بكل المقاييس بل ثورة فريدة في تاريخ الثورات و تمثل نموذجا معلما للعالم كله في القرن الواحد و العشرين عن آليات التغيير السلمي و تفعيل قوة الشعوب و قد طورها المصريون في عبقرية لتواكب معطيات وإمكانات ثورة المعلومات و الوسائط المتعددة و شبكات التواصل وكان الناتج درسا و إنجازا مذهلا لنا و للعالم.
المجلس الأعلي للقوات المسلحة اعترف بأنها ثورة و أن الشعب المصري صاحبها و أنه أمين علي الثورة في طريق تسليم السلطة لأصحابها الشرعيين أي للشعب. و كل من عاصر الأحداث المذهلة يدرك تماما أن المصريين كسروا حاجز الخوف والعجز والتفرقة والتغييب و اللامبالاة واكتشفوا وكشفوا أن مصر خلال عقود طويلة من النظام الشمولي كانت متردية في غياهب فساد ضخم وأجهزة انحرفت عن غاياتها المشروعة و الأصلية إلي قمع هائل ظاهر و مخفي كفيل بتعقيم المجتمعات و مؤسساتها وإفسادها نهائيا ولكن الروح انبثقت رغم كل الفساد ينخر في الجذور، بتراكم وتصميم حقق معجزة الرفض والثورة في كل ربوع مصر وعبر كل أطياف ومستويات المجتمع وتأكد للجميع أن مصر بعد 25 يناير لن تعود أبدا مثلما كانت قبل 25 يناير، ومع هذا الاتفاق و التأكيد العام والمطمئن و المفعم بالأمل نري واجب جميع القوي المؤمنة بمصر وبالثورة و الحريصة علي نجاحها في تحقيق تغيير جذري للمجتمع واجتثاث لجذور الديكتاتورية و الفساد، المضي معا في تحقيق مقتضيات التغيير بكل الحكمة والإخلاص الضروريين للنجاح في رحلة بالغة الصعوبة في مواجهة القوي المضادة للتغيير.
من السذاجة أن نعتقد أن ثورة بهذه العظمة و هذا العمق لن تواجه بقوي مضادة من بقايا أجهزة النظام الذي حمي ودعم بل و خلق جبال الفساد و الانحراف و الاعتداء الممنهج عل إنسانية الإنسان المصري و ها نحن نشاهد جهاز “أمن الدولة” الذي أظهر أنه لعقود طويلة كان و لا يزال أكبر خطر علي أمن الدولة و أمن المواطنين تشاركه بقايا الحزب الحاكم المتحكم المستحوذ علي كل شئ، يرتكبون الكبائر المروعة ولا يتورعوا عن تحريك عمليات إحراق و فرم و طمس لكافة معالم و دلائل أعمالهم الممنهجة المزمنة في كبت و إرهاب المواطنين بلا حدود و بلا ضمير وفي الاحتواء والاستحواذ علي كل و أي من يسمح له بالصعود الاجتماعي و الإداري و المادي في كل المجالات من الجامعة إلي الصحافة إلي الإعلام إلي القضاء إلي رجال الأعمال، لضمان القبضة الأمنية إلي الأبد!. و الخطير أن سطوة و سلطة هذه الأجهزة الأمنية والضوء الأخضر الذي حصلت علية من رؤوس السلطة التنفيذية المتغولة، أعطاها من السلطة و السطوة والميزانية بلا حدود ما شجعها علي أن تبني دولة داخل الدولة وأن يكون لها معاقل و مراكز رهيبة مصممة و مبنية علي غرار قلاع الحكم الإرهابي في العصور المظلمة وهي أماكن مغلقة لا يدخلها ولا يعرفها إلا أصحابها أو قل شياطينها وضحاياها، والضحايا في العادة لا يدخلونها إلا و قد فرض عليهم التغميم والتعمية والتجهيل ثم ينتهون منهم، دون أن يعرف الضحايا من يتعاملون معه، إما إلي إطلاق سراح مشروط لا يدري معه المواطن شيئا إلا أنه كان في قبضة سلطة جبارة رهيبة أو ربما ينتهي المواطن إلي السجون و المعتقلات بلا محاكمة أو دفاع أو قد ينتهي المواطن إلي العالم الآخر، إن كان محظوظا دون أن يعرف أحد عنه شيئا، أو –كما تكشف مؤخرا- ينتهون إلي زنازين تحت أرضية وتتابعات يخرج منها الإنسان السوي المخلص لبلاده و مبادئه، يخرج معتوها مختل الذاكرة و الوعي إلي نهاية عمره ولا توجد جهة تجرؤ علي سؤال أو حساب مراكز القوي هذه، وأهل الضحايا قد يقضون العمر كله يبحثون عن الابن أو الزوج أو الأخ أو الأب دون طائل، أو يجدوه بعد سنوات مسجونا مكسورالنفس مشوها في مكان سحيق مع عدة قرارات من المحكمة بالإفراج الفوري لم تلتفت لها أجهزة القمع و لماذا تحترم هذه الأجهزة التي لا يسائلها أحد و لا يحاسبها أحد، أحكام القضاء و قد جعلها الحكم المطلق أقوي من القضاء.
إن 25 يناير إذا ثورة تأخرت كثيرا و شرعية جديدة طال انتظارها و عليها أن تطهر المجتمع من النظام الفاسد و جذوره و آلياته و أجهزته و تقتضي دستور جديد تماما كتطورضروري وواجب أكيد، يشفينا من الدستور الشمولي المتناقض والمهلهل الذي سمح لأبشع الممارسات بالانفلات و سمح بتحطيم و تشويه ممنهج للإنسان المصري، وإنها توبة و أي توبة تحميها الأجيال المصرية التي استنارت في ميدان التحرير.
عهد ما بعد 25 يناير:
“إن الشعب بكل طوائفه و أطيافه يتوب مدي الدهر عن الغفلة و التغييب الذي سمح ويسمح بقيام و تمكين أفراد وأجهزة، أيا كانت مسمياتها، فوق القانون وغير ملتزمة بالشفافية و المساءلة أمام الشعب وممثليه الشرعيين” .
أصحاب المصلحة في بقاء أوضاع ما قبل 25 يناير، و قوي الإحباط و الإجهاض، يهللون و يكبرون ويقولون بفرح مصطنع “مبروك الثورة نجحت نجاحا باهرا .. لم يكن أحد يحلم به .. ألف مبروك خلاص حققتم المستحيل.. اتفضلوا بقي ناموا!!!” أما المؤمنون بالثورة حقا العارفون بعمق الفساد وتغلغله في كل أركان المجتمع فيقولون: لقد تحركنا خطوة حيوية بديعة نعم، و لكنها خطوة أولي في طريق الألف ميل، و نحتاج إي كل الوعي و اليقظة و الحذر الثوري، لنمضي في الطريق و نحول أحلام الثورة إلي حقائق و إلا فقد نجد نفسنا في غمرة السعادة بما حققناه، أساري لخطوات مظهرية تخديرية تؤدي لانتكاس يعيد الأوضاع في الجوهر إلي ما كانت عليه، مع مجرد تغيير بعض الوجوه و الديناميات غير الأساسية.
إذا من الواجب إلقاء الضوء مرات و مرات بلا ملل أو كلل علي المحطات الضرورية لتفعيل الثورة كثورة و ليس كحركة احتجاج حققت مرادها و انتهي أمرها.
“الريس تنحي و رئيس الوزراء استقال و مرشح الشباب عين رئيسا للوزراء عايزين إيه تاني؟؟؟”
و هؤلاء لا يزالون في حالة رفض وإنكار للاعتراف بأنها ثورة بكل المعايير، فإن كانت ثورة فكل ما تم علي ضخامته و انجازه ما هو إلا بداية بسيطة ولا زلنا في أول الطريق و أمام الثوارو نحن وراءهم طريق طويل طويل به الكثير من المخاطر و الخدع و كل الانجاز الكبير مجرد بذرة تحولت إلي نبتة واعدة و صالحة و نقية و هي لكي تتطور في حاجة إلي تطهير الأرض وإيجاد مصادر و آليات التغذية من أجل أن تمد النبته جذورها و تنمو شجرة الحرية و العدالة لتعطي ثمارها في نهضة انسانية واقتصادية وسياسية و علمية معرفية و فنية غير مسبوقة ودخول مصر القرن الواحد و العشرين بقوة و جدارة. و نمو النبتة الثمينة التي لا يجب أن نفرط فيها بأي حال، يقتضي كما يقول الثوار في حكمة تلقائية تغيير النظام كله في محطات ستراتيجية مخططة و ذكية”الشعب يريد تغيير النظام” . و النظام الفاسد المكشوف تغلغل وتجذر، كما رأينا بعدة آليات و مفاهيم أفرزت كيانات و مؤسسات منحرفة وقيادات و أفراد مستفيدين من النظام الفاسد و هدفهم المعلن أو المخفي –والأغلب المخفي– إنكارالثورة، هذه النبتة الفريدة أو الكنز الذي انبثق في مصرو يزيد بمراحل عن كل آبار البترول بالمنطقة. أمل و تخطيط هؤلاء الحطرين “احتواء الموقف بالدهاء و الزمن” حتي تذوي النبتة وتنسي وتضيع و ينشغل الناس بأعباء الحياة و مسئولياتها، وتبقي لهم مزاياهم الغير مشروعة و يعودوا بالحال إلي ما كان عليه بحيث يبقي النظام مع بعض التجميلات الظاهرية.
ونرصد بكل ذهول تتابع تشجيع أجهزة الأمن للتخلخل الأمني و تغذيته و استمراره و الموقف الغريب العجيب للشرطة بل والموقف الفاضح الحالي باندفاع أجهزة أمن الدولة منذ تكليف رئيس وزراء لم يتم احتوائه بواسطة الأجهزة، إلي حرق و فرم المستندات بالآلاف. و يعرف أولوا الألباب أن هذه الخلخلة الأمنية غريبة تماما عن الثوار الذين تخطوا غاندي و سعد زغلول و نلسون مانديلا و مارتن لوثر كينج في ثورة 25يناير، وهم الذين وضعوا بصمات فن الاحتجاج و التغيير السلمي المتحضر علي تاريخ العالم كله وثوار مصر أثبتوا أنهم أهل تعمير و مسئولية و ليسوا مخربين و مشاغبين و معطلين بل كانوا و لا يزالوا حماة الاقتصاد القومي و الأمن القومي.
ومن تتابعات حلزون الانحطاط في الخطوات المضادة للثورة، التي رأيناها و نراها هي عمل بعض الجهات علي تصعيد إختلال أمني بتحريك فئات عانت كثيرا من غياب العدالة في الأجور والوظائف والسكن، مستغلين انتشار الشعور بالظلم لدي الكثييرين مع الغضب مما ظهر من ثروات و دخول فاحشة لرموز النظام بعد كشف الفساد واهتزاز الثقة الذي ولده السلوك العجيب للشرطة و لأجهزة الداخلية مع نهاية يوم 28 يناير وكذلك مع أعمال متعمدة من بلطجية ومأجورين من الحزب أو غيره. و كل هذه التتابعات، من الآليات الأمنية المعروفة و المسماة في الدراسات و داخل الأجهزة بالعمليات “القذرة” ومنها إحداث اختلال أمني أو رعب عام متعمد ومخطط، حتي يهرع الشعب الذي جري تخويفه إلي أحضان السلطة القائمة تائبا مستغفرا متغاضيا عن أي طلبات للتغيير ومتغاضيا عن دورة جديدة من البطش بالمعارضين و الثوارالذي تنجح أعمال البلطجة و اختلال الأمن إلي إثارة الشعب علي الثوارالذين يلصق بهم بدهاء ماكيافللي سبب اختلال الأمن ووقف الحال!!! .
كنت و لا أزال أري أن علي كل محب لمصر معترف بشرعية الثورة أن يمد يده و قلمه قلبه و لسانه مع الثوار في مطالبهم المشروعة بلا ابطاء وهو الطريق الطبيعي لعودة الاستقرار و دوران عجلة الإنتاج التي يخوفونا بها.و ليذكر الجميع أن مطالب الثوار المشروعة لتحقيق و تأمين الحرية والديمقراطية و العدالة هي أكثر الطرق فعالية لتحقيق الاستقرار مع نهضة اقتصادية غير مسبوقة.
و نري مطالب الثوار كانت و لا تزال بطريقة تلقائية جماعية مدهشة تقودنا و تعلمنا و تفتح للفقهاء والعلماء أبواب بصر و بصيرة وإمكانات و طموحات لم نكن لنحلم بها لولا هؤلاء الثوار الشجعان.
محطات تعلمناها من الثوار و أخشي إن لم تفعل بالتتابع السليم أن تؤدي إلي مخاطرالإجهاض و تفاقم الاحتقان و عدم الاستقرار:
-محاسبة المسئولين عن قتل المتظاهرين العزل و فقأ أعينهم و دهسهم بالسيارات بتحقيقات ومحاكمات قانونية و لكن بحسم و عزم و سرعة تخفف آلام اليتامي و الأرامل و الثكالي و تعطي الدرس للجميع أن حياة المواطن و سلامته قيمة مقدسة لا يجوز العبث و الاستهتار بها تحت أي عذر ناهيك عن أن يصبح هذا الاستهتار نمط تعامل مزمن لأجهزة الأمن مع المواطن.
-إعادة هيكلة كاملة لوزارة الداخلية ولأجهزة أمن الدولة مع تصحيح جذري للاختصاصات و الحدود وتعيين وزير مدني من السلك الحقوقي القضائي من مستوي المستشار هشام البسطاويسي مثلا وزيرا للداخلية و كل ذلك طبيعي و منتظر من وزارة عصام شرف المدنية المؤمنة بالثورة و مطالبها المشروعة.
-الدستور الحديث بالكامل و ليس بعض الترقيعات الاضافية مع تأجيل الاستفتاء علي تعديلات الترقيع إلي أجل غير مسمي.
-الانتخابات الأولي تكون إذا لجمعية تأسيسية تضع الدستور الحديث المواكب للعصر و مفاهيمه.
-الانتخابات الرئاسية تلي الدستور الحديث الذي يحدد صلاحيات الرئيس و مدته و نائبه المنتخب و آليات عزله ومحاسبته.
– الفترة الانتقالية في ظل ضمانات “اعلان مبادئ دستورية” و مجلس رئاسي من ثلاثة. ممثل للجيش وإثنان من المدنيين .
– الانتخابات بالرقم القومي دون أي حواجز أو اشتراطات أخري. و نحن في عصر الكومبيوتر و قواعد البيانات الالكترونية و الشبكات يمكن بكل الضمانات فتح حق الانتخاب لكل المصريين و المصريات بمصر و في الخارج أيضا مع ضمان كامل ضد التلاعب و التزوير فلا عذر.
– الانتخابات التشريعية تقتضي علاج حرمان الشعب بأكمله من الديناميات الثقافية و السياسية والحوارية والمعرفية الطبيعية منذ 1954 و ذلك يقتضي ستراتيجيات بالغة الذكاء للوصول إلي انتخابات تمثل أطياف الشعب بصدق وعدالة كما تأمرنا بذلك الثورة و مبادئها، والتعجيل بالانتخابات التشريعية دون علاج الاختلال المجتمعي و الثقافي الذي و لدته عقود من الفساد و القمع و سيطرة الحزب الواحد، اجهاض مؤكد لثورة الحرية و الديمقراطية و العدالة ، لكن التنفيذ يحتاج محطات لا يلتف عليها إلا سيئ النية تجاه الثورة:
تحرير الاعلام والصحافة و يشمل استقالة أو إقالة القيادات التي تعينت في ظل إعلام خدمة النظام وتزوير الحقائق و المعلومات و عموما استقالة كل القيادات الجامعية و التعليمية و النقابية التي عينت وعملت مع الفساد الهائل الذي كا ن قد أصبح طبيعة النظام و قد أظهرت فضائح جهاز أمن الدولة و الوثائق التي حاولوا تدميرها تداخل جهاز أمن الدولة في كل مجال حتي الجامعة و القضاء و الاعلام وعمله خلال سنوات طويلة مدمرة علي مقاومة و عرقلة العناصر الشريفة التي لا تسلم نفسها إلا للضمير والقانون والعلم والأمانة والحق وهذه العناصر تعتبر “مشبوهة”!!!
وكذلك في ظل ما تكشف و يتكشف يتوجب استقالة القيادات في الحكم المحلي والمحافظات و إحلال الكفاءات الطبيعية و لست أشك أن الدستور الحديث سينص علي أن تولي المناصب القيادية بالانتخاب وأن كل مسئولية و صلاحية يصاحبها شروط الشفافية و الحساب من ممثلي الشعب. و لا يتعلل أحد بعدم وجود الكفاءات فلا شك أن الملايين في ميدان التحرير وأجيال الشباب في مصر وفي ميادين مصر كلها و أولاد مصر الهاربين من القمع و الظلم في الخارج والجامعات –رغم إفسادها- بها كفاءات لحمل المسئولية في كل الأماكن التي يزاح عنها أهل الفساد.
-حرية تكوين الأحزاب و النقابات و مؤسسات العمل المدني و التجمعات و الاجتماعات و كل أنواع التعبير و التواصل السلمي الملتزم بالسلم و اللاعنف لفترة كافية ضرورة طبيعية و بديهية سابقة للانتخابات التشريعية.
-إستقلال القضاء ومنع أذرع السلطة التنفيذية من صلاحيات التدخل في شئونه بحيث يقوم التفتيش القضائي من داخل السلطة القضائية نفسها، وليس من السلطة التنفيذية، ويتوقف فورا تداخل الشرطة مع القضاء و النيابة وكانت آلية ماكيافيلية في النظام السابق لإختراق القضاء و تطويعه كمرفق من مرافق الدولة تابع للسلطة التنفيذية.
-إعادة النظر جذريا في المنظومة التثقيفية والتدريبية لكلية الشرطة وإلغاء ممارسة تداخل الشرطة مع سلك القضاء و سلك النيابة العامة في طريق العودة للدولة المدنية كما يستفاد بكل خريجي الحقوق العاطلين عن العمل في العمل في أجهزة أمن المواطن و ملء الفراغات في العمل الشرطي بعد تدريب مكثف قصير.
-إعمال كل بنود ميثاق الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي وقعت عليه مصر، و يشمل ذلك تحرير كل قنوات التعبير الانساني و الابداع الفني من الرقابة والتخويف الأمني علي أن يكون القانون المدني والقضاء المستقل الحر هو الفيصل
-و في سبيل تفعيل الحريات في الفترة الانتقالية يضمنها إعلان دستوري مؤقت كما أشرنا يرسخ ويحمي مبادئ الحريات الأساسية الواجبة لضمان حوار قومي عام و حر و حي و مدعم بإعلام صادق مخلص وحيادي في الطريق لانتخاب جمعية تأسيسية من أجل دستور جديد لا تتوقف طموحاته علي مواكبة العصر و الحداثة فقط ولكن علي أن يسبق العصر للتأسيس للدولة المدنية المتفاعلة مع العصر وتحدياته، الدولة الحرة الآمنة لا يخشي فيها بعدها من ظهور الفرعون و الديكتاتور والنظام القمعي، ولتكن بعدها انتخابات رئيس الجمهورية المحددة سلطاته و المرتبطة كل صلاحية بمقتضيات الشفافية و المسئولية والمساءلة من الشعب مصدر السلطات و لتكن بعد الفترة الكافية من اطلاق الحريات و إبداع دستور الحداثة و الديمقراطية و الحرية انتخابات برلمانية حسب أحدث النظم الأمينة التي يبدعها أساطين القانون و الخبراء من أجل التمثيل الحقيقي لكل أطياف الشعب مصدر السلطات.
إن التلويح بانتخابات تشريعية عاجلة قبل إكمال محطات تفعيل آليات الديناميات الحرة لوقت كاف من أجل جمعية تأسيسية تضع الدستور الحديث، ثم انتخاب رئيس و نائب رئيس يختاره الشعب بلا تزوير وبناءا علي برنامج انتخابي يناقش في استفاضة وفي ظل دستور يحدد صلاحيات و سلطة الرئيس و آليات محاسبته و عزله ثم مجالس نيابية تمثل الشعب حقا و عدلا. إهمال هذه التتابعات البديهية يمثل مزيد من المخاطر و البعد عن السير في طريق تفعيل مبادئ ثورة 25 يناير، ويواكب هذا القلق التحفظ الشديد علي انتخاب رئيس جمهورية جديد قبل تصنيف دستور الدولة المدنية الحديثة الذي يحدد من صلاحيات الرئيس و مدة الرئاسة و الذي يحدد آليات المحاسبة والعزل وكذلك يحدد وجود نائب للرئيس بالانتخاب أيضا. و يعتقد البعض ان الدستورالجيد شئ بالغ الصعوبة و التعجيز ولا بد أن يكون مطولا معقدا بعج بالتفاصيل والعكس هو الصحيح فالدستور و بكل الإيجاز يضع المبادئ العليا العامة الرفيعة و السامية و التي تعلي من قيمة الانسان و الانسانية و المواطنة و الحرية و العدل و الحقوق الأساسية و نظام الحكم الذي يخدم و يحقق هذه المبادئ الرفيعة و تأتي تحت هذه المظلة السامية السامقة القوانين المكملة و اللوائح و النظم التفصيلية التي يعني بها الدستور فقط من حيث لا تتعارض مع مبدأمن مبادئه أو معني من معانيه الانسانية السامية.
هذه محطات ومعادلات بسيطة جدا و بديهية جدا و لكنها لأسباب ما تبدو صعبة جدا و بعيدة المنال جدا وأملي وإيماني أن كل القوي المحركة لجمال و إبداع ثورة 25 يناير قادرة علي تسهيل الصعب و تحقيق المسار الصعب في التتابع المؤمن للثورة من الاجهاض بإذن الله.
من الواضح أن الثورة تفجرت معها إبداعات ووعى وشجاعة وإرادة وسلوكيات تشرف أي شعب وأي جماعة إلي آخر الزمن، و في نفس الوقت حمل رد فعل النظام و أجهزة الأمن و استغلال البلطجية والمسجلين خطر و بعض عديمي الانتماء للموقف للمزيد من الإخلال بالأمن و ترويع المواطنين و لكن يبقي سلوك أجهزة الأمن المسئولة هو الأسوأ علي الاطلاق حيث يجب أن يسأل عن سلسلة من الفظائع والكبائر مما لا يتصور أن يذهب بلا حساب و توعية و علاج، من إطلاق النار علي المتظاهرين السلميين العزل واستعمال القناصة من الشرطة و الأمن لإطلاق النار علي الرؤوس مباشرة ولدهس أفراد الشعب بالسيارات المصفحة مما أدي إلي فقد و قتل وجرح الآلاف من أفضل و أشجع وأحلي أبناء و بنات مصر بالإضافة إلي فقأ أعين المئات من الأبرياء مما ترك جرحا غائرا و غضبا عميقا في نفوس الملايين لن يندمل إلا بالحساب و المساءلة القانونية العادلة والصارمة معا ، وهي محطة مطلوبة وطبيعية و بديهية والتأجيل والتسويف في شأنها يحمل خطر استمرار بل تزايد الاحتقان و تأخر الاستقرار.
يتناسى الكثيرون في فورة النجاح الجزئي الذي تم أن الخطر الحقيقي علي الوطن و علي الأمن جاء من أجهزة الأمن وعناصر حزب النظام وقد لا يتصور أي إنسان “دوغري” أمين في كل المواقع وأي المواقع بما فيها أعلي المواقع، إلي أي مدي ملتوي هابط وغير مباشر يمكن أن ينحدر إليه أصحاب المصالح وأجهزة الأمن التي أفسدتها السلطة وأفسدها إيمانها الخاطئ بأنها سيدة الشعب و فوقه و ليست خادمتة المسئولة أمامه. وواضح أن تلك الأجهزة و فلول الحزب والفكر المريض الذي تغلغل لعقود لا تزال تسعي إلي محاولة انكار وتقزيم الثورة واختزالها إلي مجرد “حركة إحتجاج” قد تم الاستجابة لمطالبها فانتهي أمرها، و لم يعد لها بالتالي داع أو مبرر خصوصا مع بعض الشكليات والتنازلات غير الجوهرية التي تقدم هنا و هناك شريطة استمرار أسس الفساد في أمان و تمكين.
فلنذكر إذا من أجل احتواء المخاطر التي تحيق بالثورة المحطات الضرورية التي ذكرناها، و الالتزام بهذه المحطات،أن أقل ما ندين به بالنسبة لثورة 25 يناير و شهدائها الخالدين في وجدان الشعب المصري المتحرك يقينا نحو النهضة في كل المجالات، هو استكمال المسيرة بتفعيل حلم أجيال ثورة 25 يناير بالدولة المدنية دولة الحرية و الديمقراطية و العدالة والشعب مصدر السلطات. وأذكر في الختام أول الشهداء في الحراك الأخير نحو الحرية و العدل، خالد سعيد الذي تتبلور في تتابعات مقتله الظالم البشع و ما تبعه من اجراءات شرطية و قانونية و طبية، خلاصة الفساد والعفونة والانحراف الذي انحدر إليه النظام و دولة النظام بكل فروعها التي امتدت سمياتها و فيروساتها إلي كل ركن في البلاد. كما أذكر محمد البرادعي الذي نطق بما كنا كلنا نريد أن نقوله دون أن نجرؤ فحرك بشجاعته و صدقه المياه الراكدة التي كناقد اعتقدنا باستحالة تحريكها فالتقت موجات المياة التي حركها البرادعي مع الغضب التراكمي من الظلم و القمع مع أحلام النهضة المحبطة و الأجيال الضائعة و تلاقت مع أحلام و ذكاء شباب الثورة الالكترونية لتشتعل شرارة الثورة السلمية العظيمة الفريدة التي أسقطت الشرعية المزمنة الفاسدة و تشرع وبكل الحكمة و الاصرار و الاستمرارية و الذكاء في بناء مصر الجديد مصر النهضة مصر المبدعة بأولادها و بناتها الأحرار مصرالرائدة بين الأمم و الشعوب
د/ طارق علي حسن
أستاذ الأمراض الباطنة و الغدد بطب الأزهر(بنات)
الرئيس المنشئ للمركز الثقافي القومي –الأوبرا الجديدة
رئيس مجلس إدارة مؤسسة زينب كامل حسن للتنمية البشرية