عندما بلغت السادات الأنباء اولى عن الثغرة بعد انتصارات أكتوبر المذهلة التى أعلنها فى مجلس الشعب،قابلها بثقة كاملة،وكان تعبيره عنها “دول شوية فراخ خرجو من العشة.لكن الموقف فى يدنا تماما “0
العبور إلى السلام
عندما ألحقت إسرائيل هزيمة 1967 بنظام عبد الناصر/وجد النظام أن مسألة “الصراع” مع إسرائيل تكشفت عن عملية مفضية إلى عكس المرجو منها
Counter Productive
فالتصور الذى انبنى عليه ذلك الصراع على الجانب المصرى،والعربى بعامة،تصور تأصل فى العقول عن عملية غزو،شرسة وشريرة نعم،وماسة “الكرامة العربية” نعم،وعملية اقتطاع لجزء م الأرض “الأرض العربية ” نعم،لكنها_ فى النهاية_”حادت عن ظهرى..بسيطة “! فأولئك الصهاينة الأشرار أخذوا أرض فلسطين،مساكين أهل فلسطين وكل ذلك،وعيب وحرام أن يحدث هذا.لكنها فى النهاية أرض فلسطين وليست أرض مصر أو أرض أى أحد آخر.ثم أن عؤلاء الفلسطينيين_كما يقال فى النهاية بإصرار_”باعوا أرضهم” وتركوها للاسرائيليين،فما ذنبنا نحن حتى نظل نجر على رؤوسنا هذه الحروب والمصائب والتضحيات ؟ وبطبيعة الحال،لم “يبع الفلسطينيون” أرضهم،بل أخذت منهم وطردوا منها،ومن ركب رأسه منهم وبقى إما ذبح هو وأعله وإما طحن وفرم وكسرت عظامه فى غمار عملية متصلة وحشية لا تتوقف من العنف الدموى تطلق عليه منظمة الأمم المتحدة فى تقاريرها التى تقدم كل عام إلى جمعيتها العامة “الممارسات الاسرائيلية التى تمس (!!) حقوق الانسان” وهى ممارسات شاسعة تتعلق،تبعا لتصنيف تقارير المنظمة الدولية،بحرية التنقل،وحرية التعليم،وحرية تكوين الجمعيات،وحرية العبادة،وحرية التعبير،وكل “الحريات” التى تجعل من الكائن الانسانى آدميا،وفى قمتها “حرية” أن يبقى ذلك الكائن على قيد الحياة أصلا.وبطبيعة الحال،باتت تلك “الممارسات” محل تركيز الآن فى “الأراضى المحتلة”،أى الضفة الغربية،ومرتفعات الجولان،وغزة،وما إلى ذلك،أما “الأرض المحتلة” ذاتها،أى فلسطين،فلم يعد بوسع أحد التكلم عنها من حيث أن ذلك يكون تدخلا فى الشؤون الداخلية لدولة إسرائيل المستقلة ذات السيادة.إلا أنه بوسع من شاء أن يتبين وجه الصدق من وجه التنطع فى الادعاء بأنهم “هم أهل فلسطين الذين باعوا أرضهم وتركوها للاسرائيليين” أن يرجع،لا إلى تواريخ أمجاد أبطال إسرائيل فى دير ياسين وقبية وغيرهما،بل إلى مايجرى الآن تحت السمع والبصر فى الضفة الغربية وغيرها من “الأراضى المحتلة” على النحو الذى تنطق به التقارير المتحفظة لمنظمة الأمم المتحدة،ويمكنه أن يتوقف قليلا عند الفقرات الخاصة بنزع ملكية الأراضى العربية المتبقية،وحركات الارهاب الدموى التى تجرى تلك الاجراءات فى ظلها،حتى يقفل فمه ويسكت. ف”أولئك الفلسطينيون”،فى الواقع ليسوا هم الذين خلقوا للمصريين وغيرهم المشكلة.وكل ما فى الأمر أن “أولئك الفلسطينيون” هم الوجبة الأولى.ورغم الجولان،ولبنان،وما سوف يتبع،لا يريد أحد أن يفهم ؟ 0
ليس الفلسطينيون أس البلاء وسبب المشكلة.الفلسطينيون هم أول الضحايا فقط.فاتح الشهية فى “الأكلة الكبرى”0
La grand bouffe!
لكن أحدا لا يريد أن يفطن إلى ذلك حتى الآن،إنطلاقا من مبدأ “يموت الفلسطينيون_يروحون فى داهية هم ومشكلتهم المستعصية على الحل،وننجو نحن “!0
إلا أن المشكلة أن أحدا لن ينجو،حتى وإن دخل تحت حذاء “أيريكا”.حتى وإن عقد صلحا وسلم وباع وفتح الحدود وطبع العلاقات.لن يبقى أحد ولن ينجو أحد.هل نجا الهنود الحمر ؟ هل نجت قبائلهم التى أجرت نفسها بلا أجر للغزاة لتقتل لهم اخوتها من القبائل الأخرى؟ لم ينج أحد.وكل من بقى بقى مكسور الظهر بلا آدمية،وحشد وراء الأسوار فى الأماكن البعيدة كما تحشد السائمة المريضة.0
من كتاب شفيق مقار
قتل مصر من عبد الناصر إلى السادات
صفحة 215
طبعة سنة 1989
الناشر : رياض الريس للكتب والنشر_لندن