زياد السحار

انتخابات مجلس النوب

الاخوان المسلمين ورثة الحزب الواحد الكبير

الوضع الراهن في مصر الآن.. يفرض علينا أن نرضي ونتقبل النتائج السياسية المرتقبة خاصة بالنسبة لمجلس الشعب القادم ولكن دون أن نستسلم لهذه التوقعات على المدي القريب أو البعيد.
فكل الفروض والمقدمات السياسية تشير إلي ان خريطة مجلس الشعب الجديد ـ إذا لم يستجد طارئ وجرت الانتخابات في مواعيدها المقررة ـ سوف يغلب عليها مساحات واسعة يكسوها نواب من الحزب الوطني المنحل ونواب ينتمون إلي التيار الديني في أغلبهم من جماعة الاخوان المسلمين بذراعها السياسي حزب الحرية والعدالة.
هذا هو الواقع المنتظر مع كل الاحترام والتقدير للأحزاب الأخري خاصة الوفد وتيارات الليبراليين والسلفيين وائتلافات شباب الثورة وغيرهم من الذين لن يسعفهم الوقت لكي يحتلوا مكانة بارزة في العملية السياسية القادمة.
ولا أتصور ان هذا الأمر الواقع يجب أن يزعج أو يحبط أحدا وان كان عليه أن يستعد ويبني كوادره وينتشر بين الناس للتعريف بأحزابهم وبرامجهم بل حتى شخوصهم رغم البريق الاعلامي الذي يحاول أن يسلط عليهم الأضواء في الفترة الحالية.
وبالتأكيد.. فإن الصورة المتوقعة هي حصاد التجربة السياسية في مصر خاصة منذ قيام ثورة يوليو 52 وميراث الثوار واحتكارهم للعمل السياسي بعد الغاء الأحزاب السياسية قبل الثورة وعدم قبولهم لمشاركة جماعة الاخوان المسلمين ومحاولتهم القفز على الثورة والسيطرة على توجهاتها وقراراتها.
ثم كانت محاولات ثوار يوليو العمل من خلال الشرعية الدستورية بكيانات سياسية تمثلت في هيئة التحرير والاتحاد القومي ثم الاتحاد الاشتراكي العربي وتحالف قوي الشعب العامل باحتواء التيارات الشبابية والمناوئة حتى تأسيس الحزب الوطني الحاكم بزعم انه حزب التيار الوسطي المعتدل في إطار تعددية سياسية شكلية حكم خلالها كل من الرئيسين السادات ومبارك 40 عاما.
وانه من المؤسف ان السلطة في مصر خلال هذه الفترة اعتادت رسم الخريطة السياسية على طريقتها الخاصة بحجة ان مصر اعتادت أن يحكمها حزب واحد كبير مثل حزب الوفد مثلا قبل الثورة أو الاتحاد الاشتراكي وكان هذا الإطار المتصور انه يحقق نوعا من الاستقرار في مصر يتم تارة بالابعاد السياسي أو التزوير بل حتى بالاحتواء وتوزيع فئات الكتلة السياسية على بعض التيارات السياسية والأحزاب والأشخاص ولكن بحيث تبقي الأغلبية دائما للسلطة والحزب الحاكم.. وزين هذا الشكل السياسي البغيض إعلام حكومي اعتاد أن يزين للحكم سوء عمله.
وفي ظل هذه التقسيمة السياسية الظالمة وجدت جماعة الاخوان المسلمين نفسها خارج اللعبة السياسية وكان من الصعب عليها أن تستسلم لها.. فبدأت تحاول أن تشارك في اللعبة بشكل أو بآخر حتى ولو كان الأمر تكتيكيا للوصول إلي الهدف على المدي البعيد.. وبالفعل من يصبر ينول.. ولكنه كان صبرا محاطا بالجدية والعمل خاصة وسط الطبقات الشعبية الفقيرة واللعب على احتياجات البسطاء وحاجاتهم المعيشية والعلاج في ظل مجتمع بطبعه يميل إلي التدين والأخلاقيات الظاهرة التي لا يمكن لأحد أن ينكرها على هذه الجماعة السياسية المنضبطة المنظمة.
واستطاعت هذه الجماعة أن تفرض نفسها بقوة في انتخابات 2005 بمقاعد بلغت 88 مقعدا كان يمكن أن تتضاعف لو لم يلحق الحزب الحاكم نفسه ويقم بتزوير المرحلتين الثانية والثالثة في هذه الانتخابات.. في حين بقي إعلامه الحكومي المنافق لا يملك سوي أن يطلق المسميات الأمنية على هذه الجماعة كمسمي المحظورة دون أن يصارح هو والمنتفعون بالحكم من السياسيين والأتباع ان سياسات الحزب وحكومته الظالمة وتهميشهم لطبقات الشعب الفقيرة كانت هي السبب الأول لتنامي هذا التيار السياسي القوي المنافس.. والذي وجد فرصته بعد ذلك في ثورة يناير لأنه يبرز الآن بقوة على الساحة السياسية لأنه هو التيار السياسي الوحيد الجاهز والمؤهل لتسلم الحكم أو السلطة أو على الأقل لديه القدرة لأن يتحالف معه الآخرون من التيارات والأحزاب السياسية كما هو حادث في التحالف الانتخابي الحالي رغم انسحاب بعض القوي والأحزاب منه.
ولكن يبقي أيضا على الساحة السياسية بقايا الحزب الوطني المنحل لأنه من غير الواقعي أن ينسحبوا بعد تمرس على المشاركة السياسية دامت أكثر من 40 عاما.. لهم وسائلهم في الوصول إلي الناس وحصد أصواتهم بالمال والسلاح إذا لزم الأمر وانه من الصعب على أي إدارة حاكمة أن تجتثهم كما حدث مع البعث في العراق لأن هذا يمكن أن يتسبب في أضرار بالغة على أمن واستقرار البلاد.
***
لاشك انه كان لثورة يناير أهداف نبيلة ضحي من أجلها شباب واع مستفيد لم يكن يرضي أن تستمر تلك المأساة السياسية العبثية من سيطرة حفنة انتهازية غبية على مقدرات وثروات الشعب المصري الكادح.. وتهميش طبقاته ووأد أحلامه وتصدر رجال أعمال أعماهم الجشع والطمع على العملية السياسية والاقتصادية لمصر لدرجة جعلتهم يسعون لتوريث الحكم لمن يضمن لهم هذه السيطرة الظالمة ضاربة عرض الحائط بكفاح قرون من السنين حتى صارت مصر دولة جمهورية لا يتوارثها الأبناء والأحفاد.
ولكن ليس كل ما يبغيه الفرد يدركه خاصة في العملية السياسية والانتخابات البرلمانية.. وأتصور ان التطورات الحادثة في مصر لم يكن لتصل إلي غير هذه النتائج السياسية التي يجب أن نتقبلها ونرضي بها.. فإن عملية النضج السياسي لشباب الثورة وائتلافاته تحتاج وقتا طويلا ولا يمكن لشعب أن يدرك حاله وأحواله ويظل رهن الانتظار حتى تمام نضوج تلك الثمرة السياسية الشبابية الجديدة.
وأتصور ان المجلس العسكري بإخلاص قادته ودراساته العلمية ورؤيته الاستراتيجية أدرك مثل هذه الحقائق ووضع خارطة الطريق التي تنبثق من المشهد السياسي ومن الواقع الراهن من منطلق ان خسائر الانتظار أكثر من مكاسبه.. فلا يمكن ولا يجب تعطيل منظومة الدولة أكثر من ذلك مهما كان الحصاد قليلا أو على غير الدرجة المأمولة ومن منطلق القاعدة المنطقية الموروثة: ما لا تدركه كله لا تتركه كله.
ومن هذا المنطلق أتصور انه لا يبقي أمامنا جميعا سوي الصندوق الانتخابي.. هذا الأمل الوحيد الباقي أمام الشعب المصري المكافح الصابر المثابر الذي انتظر طويلا وقام بثورة شعبية نظيفة بيضاء يحق لنا أن نباهي بها في خضم التغييرات الجذرية في المنطقة وثورات الربيع العربي رغم كل السلبيات الحادثة من اضطرابات وتخوف طائفي ومظاهرات واضرابات واعتصامات ومطالب فئوية مشروعة ولكنها يجب أن تصبر وأن تنتظر.. فقد صبرنا جميعا طويلا.. ولابد أن نعطي الفرصة للحكومة الانتقالية دون أن نثقلها بأكثر مما في طاقتها ووسعها وكذلك المجلس العسكري الذي تحمل خلال الفترة السابقة كثيرا.. ويجب أن تتسم كل القوي السياسية بتياراتها وأحزابها المختلفة بالحصافة والمسئولية والحرص على الوطن في ظل تراجعات وخسائر اقتصادية بالغة الصعوبة لا أتصور ان الوطن يمكن أن يتحمل أكثر من ذلك.
علينا جميعا أن نرضي بالأمر الواقع وندع التجربة السياسية الجديدة تنمو وتتنامي في ظل جماعة سياسية دائما ما نصفها بالقدرة على التنظيم واختراق الطبقات الشعبية الفقيرة تقدم لهم العون والمساعدة.. وأتصور ان هذه الجماعة قدمت تطمينات كثيرة للمجتمع خاصة لشركاء الوطن وان بقيت مسألة السياسات الخارجية والتحالفات الاقليمية إلا ان قواتنا المسلحة التي حمت الثورة ووقفت ضد النظام الديكتاتوري السابق بوسعها دائما أن تحمي مصر وتضبط ايقاعها عند الحاجة.
باختصار.. ان مصر اعتاد أن يحكمها دائما حزب واحد كبير.. مررنا بذلك قبل ثورة 52 مع حزب الوفد وبعد الثورة بالاتحاد الاشتراكي والحزب الوطني.. وأتصور ان هذا سوف يستمر مع أي حزب قادر على الوصول إلي السلطة ولكن المبشر والجديد هذه المرة انه سوف يصل بإرادة الشعب عبر صندوق الانتخابات بنزاهة وشفافية.. والمهم أن نعمل جميعا على استعادة كيان ومنظومة الدولة وآلياتها السياسية بعيدا عن مصالح حزبية ومطالب فئوية ليس هذا وقتها. وذلك حتى تسير العجلة وتنضج قوي أخري قادرة على المنافسة في العملية السياسية.

اقرأ ايضاً صفحات رأي متعلقة على جريدة احداث اليوم:

اضيف بتاريخ: Tuesday, November 1st, 2011 في 07:51

كلمات جريدة احداث: , ,

اترك تعليقاًً على هذا الرأي