عدنان

احداث فلسطين

عربٌ مذنبون

كم ظلت تمتلئ الأكوان باستغاثات الفزع من أرض فلسطين وهي تنتزع قطعة قطعة من عيون وقلوب أهلها ويتناثر ويتمزق في ذلك لحمٌ ودمٌ وتراب ..وتبقى دموع الاطفال وآلام أم ثكلى تحفر في قواعد بيوت عربية قريبة وبعيدة.. عددها بالمليار .. مليار جبان مئات المستوطنات الإسرائيلية ليس لها من تاريخ أو راية أو حكاية سوى أنها كانت يوماً قرًى ومدن فلسطينية بأسماءً عربية وبعبق دخان شهي يتفاخر بخير أرضٍ مباركة ..يتصاعد من مطابخ بيوتٍ دافئة ويزخر بأطفالٍ صغار يلتفون حول المائدة يتدافعون ويتمازحون آمنين وسط وطنٍ عربي فسيح .. آمنين في أحياء تاريخية قلوبها نابضة بالأشجار والأطفال بهيةً مثل الشمس ترتدي الزيتون .. ظلوا يستغيثون ويستغيثون أكثر من ستين عام .. لكن قلوبنا كانت أضيق وأصغر بكثير من أن تشعر بهم .. ستون عام تحولت فيه الدموع إلى طوفان لم نراه .. طوفان من عدالة الجزاء أغرق الأمة اليوم بما تستحق من الصراخ والأكفان كم ألحت السنين والأيام ..تنهال فيها غزيرةً حبات الدموع الصغيرة وتلك الصرخات على آذاننا وعيوننا وعلى جدران بيوتنا وعلى نقودنا وعلى مياه ذكورنا تنساب في الأرحام وعلى حسناتنا وكرامتنا وحرياتنا … وكان الرجال قد أدمنوا الجدال والمرأة العربية تتيه شغفاً بحريتها.. وتلهث خلف بقية مهمتها فراحت تسَمن الأطفال بدروس الابتدائية والثانوية وبالأنانية لينجبوا الوظائف والبيوت والصغار ثم أطلقوا عليهم الأجيال الصاعدة .. ولم تعد نكبات فلسطين والمسجد الأقصى سوى اسم قضية وجزء صغير من نشرة أخبار نطفئها حتى لا تزعجنا لنشاهد فيلماً أو مسرحية بينما نتناول العشاء ، ثم نأوي إلى السرير فنحب في النساء … قبل عدة سنين يقال أنه في ذات مساء وبعد مغادرة الاحتلال لمجزرة ما في إحدى القرى الفلسطينية بقي ثلاثة أطفال ملتصقين بأجساد بعضهم الصغيرة وشبه العارية ..يتنفسون وكأن الروح تتنازع في صدورهم الرقيقة تكاد تمزقها.. يكتمون البكاء ملطخين بالدماء عند جثة أبيهم وأمهم حيث اختلطت الدموع الخائفة بالعرق وبالدم وباليتم والحرمان ..وكانت مازالت بعض العروق تنبض في الجسدين الدافئين والظلام يلف المكان ..ولم يزعج السكون سوى صوت دقات قلوب ثلاثة أطفال كانت تدق وتدق وتدق بجنون .. كانت دقاتٌ غريبة في تلك الليلة المخيفة .. وكنا الشعب العربي كالعادة في تلك الساعة نيام .. وخافت وحوش الأرض فاختبأت وفزعت ملائكة السماء وصرخت في النائمين ما بال كل العرب هؤلاء ؟!! … بل وقيل أن في تلك اللحظات المظلمة استحى الليل وناشد الله وودَ لو أنه أنار .. و أنها تمنت الطيور والحشرات والصخور أن تغدو رجال فتبدأ القتال كم تمنيت أن أحيا في زمن الرجال ، فقد كان يقال في الأساطير القديمة أنه كان يحيا في الأرض رجال .. وقالوا أن للرجال الصادقين كانت أجنحةٌ كبيرة مصنوعة من نار تدمر الأشرار وباطنها النور تختبئ تحته النساء والأطفال يلعبون ويضحكون ويتحولون زهورا وأشجارا ويثمرون أطيب الثمار ولا يحترقون .. وكم مرَ من عمري الكثير حتى شعرت أنها قد مرت مئات السنين بينما أنا أنتظر وأراقب وأسأل الله أن ألمح واحداً منهم ولو من بعيد … لكنهم لا يظهرون .. .. ستون عام توالت خلالها الامتحانات امتحانٌ يتلوه امتحان .. وبلد يسقط تلو بلد ونحن كتلميذٍ بليد لا نجيب على أي سؤال إلا بمزيد من الخيانة .. .. فتحولت إسرائيل إلينا بما جنينا تماماً كما دعت علينا الأرامل واليتامى في أرض الزيتون ..إذن فلتكن إسرائيل من نصيب شعبي ومن نصيب كل شعبٍ عربي.. لكنها بوجوهٍ مختلفة تناسب الظروف والذنوب والكنوز .. ولتبتلع النيران دورنا ولتمضغ الأمراض أجساد أطفالنا الصغيرة ولنراهم يبكون ويتألمون فنبكي قهراً وعوضاً عن ضحكاتٍ كنا نصكها كالدراهم في الآذان ونحن نسمع الوجع وجرَافات البيوت وهامات المستوطنات تنهض من تحت ترابٍ عربي كانت يوما تدب فيه حياة كريمة.. تنهض سفيهةً بلا حياء رافعةً رأسها إلى السماء لا تجد من ينهرها بنظرة خجولةٍ يتيمة .. أما اليوم فالآلام آلامنا .. إنه ثمن دموعك يافلسطين ثمن ملايين من الشهداء والأسرى ودعوات المظلومين .. هكذا قال رجل عربي قديم نعتوه بالخائن والمجنون أخذ يدق الطبول ويطوف فرحا في الشوارع والطرقات .. يصرخ : اليوم أذن لكم فتتطهرون لأن العدالة إذا شرعت بالنزول فبعدها بسنين تسكن الرحمة والكرامة والحرية والنعيم فلتسرعي إذن ولتزحفي يا كل إسرائيل من كل شكلٍ ولون ومن كل الكون يا ايها الجزاء وياعدالة السماء ولتسقينا الكؤوس بأقنعة كثيرة من فقر ومرض ودمار ولتبيضي بيوضاً عفنة ملء أفواهنا بقدر الخيانة نحتضن أولادك يأكلون قلوبنا ونقودنا ونفطنا مادمنا مازلنا نرضع الصداقة والعهود من الغرب واليهود .. حتى تنبت لنا قلوب جديدة تطهرها الدموع ووجع الوقوع .. وتتحرر أراضٍ عربية نحن فيها كنوز .. أصابعنا معاولنا نحفر فيها الصخر فتتفجر الارض بالمياه وبغابات النخيل .. نخيل سعفه يزاحم السحاب يداعب المطر يسقط الطائرات ويبني سقوف أقوى من الحجر.. نخيل نفقأ بحبات طلعه عيون الفقر وأعين الخائن و الطامع الدخيل

اقرأ ايضاً صفحات رأي متعلقة على جريدة احداث اليوم:

اضيف بتاريخ: Wednesday, April 25th, 2012 في 08:25

كلمات جريدة احداث: , ,

اترك تعليقاًً على هذا الرأي