فراج اسماعيل

احداث تونس

دروس تونسية للإسلاميين والعلمانيين في مصر

في الكرة يضع المدرب جزءا كبيرا من خلطته من خلال مشاهدته مباراة سابقة لمنافسه يعرف من خلالها نقاط قوته وضعفه.
في السياسة تشابه كبير مع الكرة.. كلاهما يلعب وكلاهما يفوز ويخسر من خلال اكتشاف الآخر.
تونس قدمت لمصر سابقتها في اشعال الثورة فأوقدت في الشعب الجرأة والتصميم والصبر ومنحته دروسا في مقاومة القنابل المسيلة للدموع والصمود أمام زخات الرصاص.. لدرجة ان القوم لجأوا في النهاية إلي استخدام الجمال والبغال والحمير بعد أن فقدوا صبرهم في اخماد ميدان التحرير!
وها هي تونس تقدم لمصر دروسا أخري.. هذه المرة ليست في الشارع أو الميادين وانما في صناديق الانتخابات وحملات المتنافسين السياسية.
ولأن الاسلاميين والعلمانيين المتصادمين في مصر منذ رحيل مبارك.. أحوج إلي تلك الدروس ليستفيدوا منها في معركتهم الانتخابية التي لم يبق عليها إلا أقل من شهر.. فإننا نقدم لهم هذه الدرر من انتخابات المجلس الوطني التأسيسي.
فحزب حركة النهضة استقبل فوزه بالمركز الأول بنحو 90 من 217 مقعدا متعهدا بالعمل على إقامة مجتمع تعددي وعلماني واحترام حقوق الانسان. تعهد مثير للجدل لأن “العلمانية” مصطلح سييء السمعة في عالمنا العربي بسبب صورتها النمطية عندنا.. لكنه منطقي إذا علمنا تأثر راشد الغنوشي وحزبه في المرحلة الأخيرة بحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا وبطريقته في إدارة شئون الحكم.. فالغنوشي ليس تاريخا واحدا ثابتا.. بل تطور مستمر واجتهاد حياتي لا يتوقف ولكن لا تخرج عجلته عن صحيح الاسلام.
فالعلمانية عند اردوغان وعند الغنوشي هي ما يسميه الاسلاميون والليبراليون في مصر الدولة “المدنية” تخفيفا من وطأة المصطلح السييء.. أي تساوي جميع المواطنين في الحقوق والواجبات دون تفرقة دينية أو طائفية أو سياسية أو عرقية.
سيسأل البعض: ما حاجة الغنوشي وحزب النهضة في ذروة انتصار انتخابي حصده بسبب توجهاته الاسلامية إلي التعهد بالعلمانية.. فحزبه يتهيأ لتشكيل الحكومة وسيكون مؤثرا في صياغة الدستور الجديد.. أي ان معظم أوراق اللعبة في يده؟!
الاعتماد على ذلك فقط يأتي بعواقب وخيمة على مستقبل الديمقراطية التونسية وربما تنسحب إلي المصرية أيضا.. لأنها ستعني فقد الثقة في قدرة التيار الاسلامي على الوفاء بمتطلبات المجتمعات الديمقراطية.. ويعزز المخاوف بأنه قد يرتد عن برنامجه الانتخابي الذي ربح على أساسه.
لذلك جاءت تصريحات حزب النهضة ذكية للغاية وتنم عن تمرس سياسي خصوصا ان التنظيمات العلمانية في تونس ظاهرة ومؤثرة وترتبط بسلة قوانين نافذة.. وأي تهديدات لتلك القوانين بالحذف أو التعديل ستجعل المجتمع على صفيح ساخن.. وتؤدي إلي الانقضاض على النهضة في حالة صدور تصريحات غير منضبطة.
أما الدرس البليغ من تونس للعلمانيين في مصر فعنوانه “لا تحول معركتك إلي صراع ضد الاسلام لأنك تجعل نفسك خصما للشعوب”.
وبهذا العنوان العريض حل حزب المؤتمر من أجل الجمهورية “العلماني” الذي يتزعمه منصف المرزوقي في المركز الثاني بثلاثين مقعدا.
لقد وجه منصف المرزوقي وغيره من العلمانيين في تونس رسائل غير مباشرة إلي الأحزاب الليبرالية “العلمانية” في مصر تقول بإيجاز: لن تربح إذا جعلت هدفك إلغاء الاسلام في بلد شديد التعلق بهويته الاسلامية والعربية.
لهذا السبب عاقب الناخبون التونسيون أحزابا علمانية حولت صراعها السياسي إلي صراع ضد الدين.. فيما أيدت أخرى تجنبت ما قد يبدو انه حرب ضد الاسلاميين.
ربع الأصوات ذهبت لحزبين علمانيين.. هما حزب المرزوقي.. والتكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات.. لأنهما تجنبا الدخول في أي معارك مع السلاميين.. بينما انهار فجأة الحزب الديمقراطي التقدمي لأنه اتهم حزب النهضة بدعم أجندة دينية خفية.
يقول المرزوقي “ندين بنجاحنا لحقيقة اننا لن نحارب الاسلاميين.. فنحن لا نريد حربا أيديولوجية بينهم وبين العلمانيين.. رسالتنا إلي الاسلاميين كانت نحن مع الاسلام كدين للدولة”.

اقرأ ايضاً صفحات رأي متعلقة على جريدة احداث اليوم:

اضيف بتاريخ: Monday, October 31st, 2011 في 04:14

كلمات جريدة احداث: , ,

اترك تعليقاًً على هذا الرأي