عندما ذهبنا الى النمسا وعاصمتها فيينا، دخلنا للراحه فى الفندق ،وانتظرنا بقية اليوم قبل أن نخرج لزيارة المدينه ، وكان كل من يقابلنا من رفقاء الرحله يحدثنا عن الهدوء والجمال الذى يعم المدينه ، وكنت أندهش لأن معظم زملاء زوجى زارو معظم مدن أوربا وأمريكا ، فلماذا الإنبهار الذى أراه فى وجوههم وفى كلامهم؟؟؟ وعندما خرجت من الفندق للنزهه والتعرف على البلد ، عرفت ماذا يقصدون بالهدوء والجمال
فالهدوء له معنى آخر فى فيينا ، والمعنى هو راحة الأذن والعين وراحة الحواس ، والهدوء هنا ليس الهدوء المميت الذى يُشعرك بالغربه أو الخوف أو الإكتئاب ، ولكنه هدوء راقى مستمد من سلوك الناس الراقى فى الشارع والمحلات ووسائل المواصلات التى لاتجد فيها أعداد كبيره فالعدد بسيط لكن مع أناقه فى الملبس ورقى وأناقه فى التعامل
يقولون أنها بلد جميله، وأقول أنها عباره عن متحف مفتوح ، فيينا كلها متحف
وعندما ركبنا لنتجول فى المدينه ، راحت المرشده تشرح لنا من خلال السماعات مانراه أمامنا من جمال
توقفت العربه أمام قصر شونبرون وهو القصر الصيفى لحاكم النمسا سابقا ويتوقف الشاتل لننزل ونشاهد القصر وهو من أشهر المبانى التاريخيه فى أوروبا
وفى ساحة القصر استوقفنا رجل راح يرقص باحتراف وسعاده ، وخطواته تنم عن احتراف ودراسه لما يفعله ، التف حوله مجموعه من الشباب ليشاهدوا رقصه ، واحد من الزملاء قال أنه يرقص ليجذب اهتمام الفتيات الصغيرات اللاتى وقفن ليتفرجن عليه ، رددت : ربما !!! ولكنه حتى اذا كان يريد جذب اهتمامهم فهو لم يتعرض لهم بقول أو فعل ولكنه راح بكل أناقه يعرض فنه وحركاته المتقنه وهو يقدمها بمنتهى السعاده
لحظات اتحدت فيها مشاعر السعاده عند الرجل وهو يؤدى رقصته بمنتهى الإتقان والفرحه وبين فرحة الشباب الصغير الذى وقف يتفرج عليه ويصفق وبيننا نحن ، لحظات اتحد فيها جمال المكان والزمان مع التعبير عن الفرحه برقى وأناقه
قصر هوفبورج خلف هيلدن بلاتز وهو مجموعه من المبانى تشمل شقق الدوله ، متحف البرتا – متحف التاريخ الطبيعى -فيينا مملوءة بالمتاحف والقصور ، تمر بنا العربه ويستوقفنا صوت المرشدة فى السماعات لتشرح لنا هذه المتاحف ومايوجد بها ، ثم ننزل فى حديقة شتاد بارك والحديقه يوجد فيها ملعب تنس وملعب كرة قدم وقصر صغير يسمى الكورسالون عباره عن مطعم وفيه فرقه تعزف موسيقى شتراوس، والموسيقى تنبعث من كل اتجاه فى المطعم ، وفى العربه وفى السماعات ، وبعد أن انتهينا من الزياره أسرعت لألحق بالشاتل ووجدتنى أمر على الحشائش وفوجئت بزوجين كبيرين فى السن يستنكران هذا التصرف مع انها حشائش عاديه لكن انزعاجهم واحترامهم لهذه الحشائش جعلنى أعتذر والتزم بالصعود الى الممشى
تقف بنا العربه أمام بيت موتسارت مع كل الفخر فى صوت المرشدة أننا أمام بيت هذا الموسيقى الرائع ، وانظر للبيت وأجده كما هو فى أحسن حال ومفتوح كمتحف للجمهور ، وهم يفتخرون بالبيت والشارع الذى احتوى هذا البيت
ثم نصل الى دار الأوبرا فى وسط المدينه ويعود تاريخها الى القرن التاسع عشر ونجد أمامها مندوبين يلبسون ثياب القرن التاسع عشر ويعرضون اعلانات الأوبرا بطريقه جميله وراقيه تتفق مع شكل المبنى وتاريخه
مالفت نظرى فى كل هذا أن هذه المدينه عباره عن متحف جميل ، المبانى قديمه وكل عماره مكتوب عليها تاريخ بنائها ومعظمها يرجع الى القرن التاسع عشر
وبعد أن تعدينا منطقة القصور الملكيه والمتاحف ، مررنا على منطقه من المبانى الحديثه وكان تعليق المرشده عليها أن هذه المبانى بنيت بعد الحرب العالميه الثانيه ولذلك بُنيت (بسرعه وبرخص ) أى أن هذه المبانى لاتحوز على اعجابهم لأنها بنيت رخيصه وسريعه
أى أنهم يعشقون المبانى القديمه التى بنيت ببطئ وبعنايه وبتكلفه كبيره ، يحترمون المبانى وجمالها لأنها جزء منهم وشاهد على حضارتهم ولذلك كل مبنى كنت أمر به ، كان يبهرنى جمال البناء أتفقد الأعمده ، والفرونتونات ،والبلكونات وطراز المبنى ، والنمنمات الصغيره التى تعكس الإهتمام بكل صغيره وكبيره
معمار صُنع فى زمن جميل يهتم بكل تفاصيل الجمال دون تسرع أو استرخاص
وجدتنى أشعر بالغيره على مصر وأحزن على المبانى القديمه العريقه التى تُهدم دون مراعاة لجمالها الذى لن يتكرر فلا يستطيع أحد الآن أن يجد العمال المهره الذين بنوها ، ولا المصمم الذى صممها ، ولايستطيع أحد مهما كان غناه وصبره أن يُكلف مبنى واحد كلفه تعادل كلفة 5مبانى أو أكثر
أصبحت المبانى على رأى المرشده النمساويه تُبنى سريعا وبرخص
سرح فكرى فى مدينتى المنصوره وهناك فيلا تقبع فى أجمل الأماكن على النيل ارتبطت بها منذ الصغر ولاأعرف الى الآن من كان مالكها ولكنى كنت أحب النظر اليها والى معمارها ويعجبنى طريقة بناؤها وامتداد واجهتها بالعرض على النيل وكأنها تأبى ألا تضيع منها فرصة النظر اليه وكان هناك رسم على الزجاج لراقصه أسبانيه كان دائما يشد نظرى اليها ويلفت انتباهى
ومنذ سنوات قليله حزنت عليها كأنها انسان مات عندما اشتراها شخص أظن أنه مقاول وقد عرفت ذلك من اليافطه التى وضعها عليها وكأنها محل بيع فول ثم بدأ فى هدمها
حزنت!!!! هذا الجمال القابع على النيل يُهدم بهذه الوحشيه ، مع إن المبانى المتبقيه منها الى الآن تشهد بقوتها ، ومازال جمالها يظهر من الأماكن التى لم تصلها يد التخريب ، ومازال المبنى ينادى هل يُوجد من يحمى هذا الجمال من الهدم ؟
وأتذكر أيضا القصر الذى أخذته ادارة الجامعه على شارع الجمهوريه دون أن يجد من يدافع عنه لتزحف يد الإهمال واللامبالاه للقصر الذى يعكس حقبه من الزمن الجميل الذى كان من الممكن الحفاظ عليه ليصبح واجهه جميله للمدينه
وربما القصر الوحيد الذى فلت من أيدى الهدم هو قصر الشناوى فى شارع الجمهوريه الذى أدرجته الأثار ضمن المبانى الأثريه لتعيد ترميمه ويُفتتح كمتحف ،ولكن الى الآن لم يتم ترميم هذه التحفه كل ماعملوه أنهم هدموا الحديقه ووضعوا أفراد أمن على البوابه والظاهر من سير العمل أن الإفتتاح سوف يتأخر كثيرا وربما لايُفتح أبدا
هذه بعض الأمثله التى تبادرت الى ذهنى وأنا أشاهد عاصمه من عواصم أوروبا عباره عن متحف مفتوح ، قصور ترجع الى القرن التاسع عشر ،وعمارات ترجع الى نفس الزمن وكاتدرائيات وساحات كلها من هذا الزمن وهم يعتزون ويفخرون بها وكأنها ماسات تزين صدر المدينه ، وتجعلها تزخر بهذا الجمال المعمارى الرائع ، ولذلك مازالت فيينا تزخر بهذا الهدوء الراقى المستمد من شموخ الماضى وجماله ، ومن افتخار الحاضر به ومحافظته عليه
ياليتنا نحافظ على كل ماهو قديم وراقى وجميل و لانُفرط فى تاريخنا فالتاريخ ليس أشخاص وحكايات فقط ، ولكن التاريخ معمار وأماكن يجب أن نحافظ عليها ونحبها ونحترمها ولا نتركها تارة للإهمال وتارة للتخريب وتارة للهدم بيد أناس كل مايهمهم هو هدم كل ماهو جميل من أجل كل مكسب سريع دون نظر الى جمال أوقيمه
مصر أشرقت
amal abdalla