دكتور جميل جورجي

انتخابات الرئاسة

هل تتحول الانتخابات الرئاسية إلي مسرحية هزلية

إن حالة الزخم السياسي المفرط التي تعيشها مصر الآن تثير جدلاً ساخناً وحائراً حول حقيقة ما يحدث الآن بصدد اللعبة السياسية وقواعد ممارستها وكيف أنها قد فقدت الحد الأدني من الجدية. وأصبحنا أمام مسرحية هزلية بالفعل في واحدة من أهم الخطوات. وهي انتخاب واختيار “رئيس البلاد” وكيف أن ذلك المنصب الرفيع والهام قد أصبح محلاً للنكات والقفشات.. فهل ذلك يعبر بالفعل عن حالة من الحراك السياسي الكبير الذي شهدته مصر في أعقاب ثورة 25 يناير الذي جاء بعد فترة طويلة الحرمان والقهر السياسي وأن ذلك يرجع سببه إلي ممارسات النظام السياسي السابق.. قد يكون ذلك مقبولاً بالنسبة لكافة مظاهر التعبير السياسي الأخري. ولكنه بالنسبة لمنصب الرئيس فهو يصبح غير مقبول بالكلية. وهل وصل الأمر بالنسبة للشعب المصري في أعقاب هذه الثورة أن تصل به الأوضاع إلي تلك الحالة من الاستخفاف والسخرية. بحيث إنه قد أصبح يري في استحقاقات الثورة وأهدافها مجرد عامل للشهرة. كما علق علي ذلك مجموعة من المرشحين للرئاسة. الذين لا يملكون أي مؤهلات وليس لديهم مقومات الترشح بالإضافة إلي المهن الغريبة للكثيرين منهم مع احترامنا لها. ولكن ما هي علاقتها بذلك المنصب.. إن مؤهلات الكثيرين منهم قد لا تؤهلهم بالكلية لأن يحصلوا علي وظيفة إدارية في السلم الوظيفي في حدودها الدنيا. فما بالك بوظيفة الرئيس: هناك السباك وهناك الميكانيكي وهناك الطبيب البيطري وهناك من يحملون أسماء شهرة قد تنتمي إلي المهنة التي يقومون بها.. ولكن كل ما في الأمر هو: هل ذلك التكالب الغريب علي الترشح وتلك المشاجرات التي تحدث أمام اللجنة العليا للانتخابات ممن يريدون التقدم بأوراق ترشحهم هي المشهد الذي يعبر عن ثورة 25 يناير التي قيل عنها إنها تكاد تكون أقوي الثورات في تاريخ مصر وإنها تلك الثورة التي استطاعت أن تقتلع ذلك النظام السياسي الذي ظل قابعاً علي قلوب المصريين لمدة 30 عاماً. وهي تلك الثورة التي اقتلعت رءوس الفساد وزجت بهم في السجون وتجري محاكماتهم.. هل يكون نتاجها تلك الحالة من الاستخفاف وعدم الجدية بالنسبة لمنصب الرئيس. والمهام الضخمة الملقاة علي عاتقه في المرحلة القادمة. وهل لأنه لعدم قناعة الشعب المصري بعدم وجود ذلك الرئيس الذي يمكن أن يتحمل مهام المرحلة القادمة بكل ما تنطوي عليه من صعوبات وتحديات وصل الأمر إلي تلك الحالة من اللامبالاة والهزلية وراح البعض يتخذون منها مادة للسخرية والهزل في موقف لا يحتاج إلي الهزل. بل الجدية.. من المؤكد أن ما يحدث يحتاج ليس فقط إلي علماء السياسة والباحثين في ذلك المجال. ولكنه يحتاج إلي علماء النفس لكي يفسروا لنا ما يحدث. وكيف أن تلك الدفوع والمبررات التي يدفع بها الكثير من هؤلاء المرشحين تعبر عن حالة نفسية وحالة من الحرمان والقهر وتعقد الحياة الاجتماعية والسياسية لدي البعض لدرجة أن أحد هؤلاء المرشحين قد علل أسباب تقدمه للترشح بأنه يبحث عن وظيفة. أي أنه عاطل. وإذا به يجد في الترشح لرئاسة الجمهورية أحد مصادر التوظف أو الحصول علي وظيفة.. رأينا الميكانيكي والبسطاء الذين كانت مبرراتهم التي من المفترض هي برامجهم للترشح قد كانت عبارة عن نكات وقفشات مما يقلل في نظر البعض من مهابة ذلك المنصب والاستخفاف به.. فهل ذلك عن قصد وأن هناك من يقودون هذه الحملة. كما يعتقد البعض لكي لا يفقد ذلك المنصب هيبته وقيمته فقط. ولكن لكي ما تحدث حالة من التمييع والتشتت. ولكي ما يفقد الناس الثقة فيه. ولا يقبلون علي عملية الانتخاب لأن العملية قد دخلت في نطاق الهزل والتسلية وهو أمر محتمل إذ أنه في ظل هذه الحالة فإنه لابد أن يؤخذ في الاعتبار كل الاحتمالات.. من الأمور المستغربة أن هناك من يعلل تقدمه للترشح لأنه يري في نفسه صلاح الدين الذي سوف يحرر القدس. ذلك هو برنامجه السياسي الذي اختزله في إحدي المقولات أو الشعارات.. والأمر لا يقتصر علي هؤلاء المرشحين الذين يبتغون تحقيق الشهرة. ولكن أيضاً المرشحين الذين من المحتمل أن يأتي أحدهم لتبؤ ذلك المنصب بكل مهامه وتعقيداته. ولاسيما في هذه المرحلة. ما بعد الثورة ومعظمهم قد أتوا دون رؤية واضحة ودون برنامج محدد الملامح. ولكنها كلها مجرد أفكار تقترب في بعض الأحيان من الشعارات. وقد يكون قصر الوقت وطبيعة الظرف الذي تمر به البلاد وتلك الحالة من عدم الاستقرار وتدهور الأوضاع علي كافة المستويات التي تتطلب سرعة الانتهاء من اختيار رئيس للبلاد. واستكمال بناء كافة المؤسسات هي التي تقف وراء ذلك. ولكن التساؤل الآن: هل في ظل هذه الأجواء والظروف الخاصة بعملية الترشح يمكن أن تفرز للبلاد رئيساً مناسباً أو يملك مقومات إدارة البلاد في هذه المرحلة؟!.. أم أن الأمر بهذه الكيفية سوف يقودنا إلي سيناريو آخر قد لا نرجوه أو نتمناه. أو أن البلاد ليست في حاجة إليه. وذلك ما لا نرجوه. ولكن يظل في ظل ما يحدث أياً كانت الدوافع والمحركات التي تقف وراءه.. أحد الاحتمالات القوية.

اقرأ ايضاً صفحات رأي متعلقة على جريدة احداث اليوم:

اضيف بتاريخ: Saturday, April 7th, 2012 في 13:01

كلمات جريدة احداث: , ,

اترك تعليقاًً على هذا الرأي