شنكاو هشام

اخر احداث

غايات أهداف استخدام القوة العسكرية في العلاقات الدولية

غايات أهداف استخدام القوة العسكرية في العلاقات الدولية شنكاو هشام

التغيرات الإقليمية هي تصرف أو مجموعة من التصرفات أو الأفعال تتخذها دولة أو أكثر حيال دولة أو أكثر أو حيال شعب أو أكثر من شأنها انتهاك قاعدة دولية آمرة أو ملزمة تنظم مركزا قانونيا أو تنشئ حقا دوليا معترفا به.
وتتعدى صور التغيرات الإقليمية غير المشروعة فقد تأخذ شكل حرمان شعب من الشعوب من ممارسة حقوقه المشروعة المقررة له وفق مواثيق والإعلانات الدولية كحقه في تقرير المصير أو منعه من ممارسة حقه في أن يعيش في مجتمعه دون تمييز أو تفرقة بسبب عونه أو جنسيته أو معتقده، على أن أهم صورة من صور التغيرات الإقليمية غير المشروعة هي سعي دولة ما نحو تحقيق مكاسب إقليمية أو ترابية عن طريق احتلال أراضي الغير أو الاستيلاء عليها باستخدام القوة العسكرية وبذلك أصبحت القوة العسكرية تستخدم بهدف الاستعمار ثم تستعمل بهدف التحرير . تم تستخدم أيضا من اجل حق تحقيق المصير

أولا: استخدام القوة بهدف الاستعمار
1- الاحتلال الحربي للعراق :
بدأت الحرب الأمريكية على العراق عارية من أي عطاء شرعي مقبول. خصوصا بعد سقوط المبررات التي ساقتها الولايات المتحدة الأمريكية والمتعلقة على وجه الخصوص بنزع أسلحة الدمار الشامل العراقية، الأمر الذي ضاعف من المعارضة الدولية للحرب وصار الحديث يتركز أكثر على الأهداف الحقيقية للحرب والقوى التي تقف وراء تأجج نارها، وعلى الرغم من اتسام هذه الحرب بعدم المشروعية، كونها تقررت ونفذت خارج سلطة الأمم المتحدة وتحديد مجلس الأمن، فقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية منذ البداية لحشد الدعم العسكري الدولي، قصد إظهار الطابع الجماعي للفعل غير المفوض من مجلس الأمن، وقد نجحت الولايات المتحدة عقب احتلال العراق في الحصول على هذا الدعم من دول أوروبية وغير أوروبية ساهمت بقوات أرسلتها إلى العراق تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن كان المجهود الحربي قبل احتلال العراق ينحصر في قوات الولايات المتحدة تساعدها قوات من إنجلترا.
غير أنه وبالنظر لنجاح المقاومة العراقية التي أربكت المخططين العسكريين الأمريكيين، وحجم الخسائر التي لحقت بقوات الولايات المتحدة في العراق والمتطلبات والاحتياجات الأمنية والاقتصادية والسياسية التي يصعب النهوض بها من قبل دولة واحدة عادت الولايات المتحدة من جديد تطلب الدعم الدولي ولما كانت أغلب دول العالم قد ربطت مشاركتها في القوات الدولية العاملة في العراق بضرورة تفويض هذا العمل من مجلس الأمن، فقد اتجهت الجهود الأمريكية والدولية المشاركة في الحرب للضغط على الدول خصوصا منها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن أو تلك الدول المؤثرة والتي أعلنت جهارا معارضتها للتدخل العسكري ضد العراق دون إذن مسبق من مجلس الأمن ألمانيا وذلك كله بقصد تحرير مشاريع قرارات تضفي المشروعية أو تعطي نوعان من الدعم العسكري أو المالي للمجهود الحربي الأمريكي في العراق
2- الذرائع المستخدمة لتبرير الحرب على العراق :
الحرب على العراق جاءت تتويجا للسياسة العدائية الأمريكية التي بدأها الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب وتابعها الرئيس كلينتون خلال فترة الرئاسة.
وقد بررت الولايات المتحدة حربها على العراق بأربع مبررات :
– المبرر الأول : هو منع العراق من امتلاك وتطوير أسلحة الدمار الشامل من نووية وكيمانية وجرثومية لما في ذلك من تهديد لأمن العالم ولأمن الولايات المتحدة الأمريكية سواء كان هذا التهديد بواسطة العراق لكي تستخدم ضد الولايات المتحدة أو ضد حلفائها.
– المبرر الثاني : هو الحيلولة دون أن يصبح العراق مركزا جديا إيواء المنظمات والعناصر الإرهابية، ولذلك حاولت الولايات المتحدة دون جدوى إثبات وجود علاقة بين العراق وتنظيم القاعدة.
– والمبرر الثالث : هو الإحاطة بالرئيس صدام حسين لأن الولايات المتحدة على حد تعبير بوش لا يمكنها أن تسمح لأسوأ القادة في العالم بابتزاز الولايات المتحدة وحلفائها وأصدقائها بأسلوب الأسلحة في العالم وباسم الدفاع عن الحرية أعطت لنفسها الحق في إحاطة حكومة الرئيس صدام حسين وتعويضها بحكومة ديمقراطية تلتزم بقرار الشرعية الدولية وتحسن معاملة شعبها وجيرانها.
– والمبرر الأخير : يعنى أن مشاريع دمقرطة المجتمعات والدول الإسلامية تتعدى مرحلة الضغوط السياسية والدبلوماسية لتصل إلى مرحلة شن حروب التدخل ولذلك فإن مشاريع الدمقرطة العشرية وفقا للشروط الأمريكية والغربية هي مولد آخر من مولدات الانقسام الإيديولوجي الجديد في عالم ما بعد الحرب الباردة.
ولقد قسم الدكتور عبد الواحد الناصر الذرائع لتبرير الحرب على العراق إلى ذرائع قانونية وسياسية.
أولا : الذرائع القانونية لتبرير الحرب على العراق
الذرائع القانونية هي ثلاث ذرائع : اثنتان استخدمتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ إدارة بوش الأب إلى الابن، أولهما الادعاء بحالة الدفاع الشرعي في استخدام للقوة العسكرية ضد العراق منذ 1991 وإلى الآن. وثانيهما هو الادعاء العمل باسم المجتمع الدولي من أجل تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها القرارات ومنها قرار 678 عام 1990 وقرار 687 عام 1991 و1441 وعام 2002 ولاسيما ما يتعلق بنزع الأسلحة العراقية “أسلحة الدمار الشامل”.
أما الذريعة الثالثة فهي مرتبطة بمنطق الحرب على الإرهاب وتكمن في اعتبار الحرب على العراق جزءا في الحرب على الإرهاب والهدف من هذه الحرب هو منع النظام العراقي من تسريب أسلحة إلى الإرهابيين والحيلولة دون أن يصبح العراق كأفغانستان على عهد الطالبان. وهذا ما يفسر المحاولات المتكررة الأمريكية والبريطانية لإثبات وجود علاقة بين النظام العراقي وتنظيم القاعدة.

ثانيا : الذرائع السياسية لتبرير الحرب على العراق
هذه الذرائع القانونية هي مجرد غطاء أو ستار لأنك حرب الخليج الثالثة لها ذرائع سياسية تتناقض مع الذرائع القانونية لهذه الحرب، هذه الذرائع السياسية لحرب الخليج الثالثة تشمل :
1- تحرير العراق من الحكم الديكتاتوري الدموي لصدام حسين.
2- دمقرطة العراق عن طريق إقامة حكومة ديمقراطية بديلة.
3- استخدام الموارد البترولية العراقية في إعادة إعمار العراق ورفاهية الشعب العراقي.
4- القضاء على التهديد العسكري الذي يمثله النظام العراقي بالنسبة لجيرانه وبالنسبة للأمن القومي الأمريكي الذي مجموع المصالح الحيوية الأمريكية في المنطقة بما في ذلك أمن إسرائيل بيد أن هذه الذرائع السياسية تكشف زيف الذرائع القانونية المدعى بها وتكشف من جهة أخرى عن الأسباب الحقيقية لحرب الخليج الثالثة.

ثالثا : ضعف مصداقية مبررات الحرب على العراق
قد مر الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن تقريرا إلى مجلس الأمن في سبتمبر 2002 ذكر في التقرير سبع مبررات تستند عليها الإدارة الأمريكية لشن حربها على العراق وهي عدم احترام بغداد لستة عشر قرار صادر عن الأمم المتحدة وأن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل وهو مسؤول عن انتهاكات لحقوق الإنسان من تعذيب واغتصاب وإعدامات فورية، وله ارتباط بالإرهاب ويحتجز لديه أسرى حرب من ضمنهم طيار أمريكي، وأنه لازال يحتفظ بثروات نهبها عند اجتياحه للكويت.
والولايات المتحدة استندت على ثلاث مبررات أساسية وذلك من أجل الوقوف على مصداقيتها وصحتها بعد انتهاء الحرب على العراق.
1- امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل :
من أكثر المبررات التي ركزت عليها الإدارة الأمريكية امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، هذا ما أكده بوولفووتيز نائب وزير الدفاع الأمريكي عندما قال “لقد تفاهمنا على نقطة واحدة هي أسلحة الدمار الشامل، ذلك لأنها تشكل الحجة الوحيدة التي يمكن أن يتوافق عليها الجميع”
وبالفعل فقد طرح رئيس الولايات المتحدة وإعطاء إرادته هذه الحجة وفي أكثر من مناسبة، ففي اجتماع مع أعضاء الكونجرس في 26 سبتمبر 2002 قال الرئيس الأمريكي “إن الخطر على بلدنا فادح الخطر يتعاظم فنظام الحكم في العراق يملك أسلحة بيولوجية وكيميائية ويسعى إلى امتلاك قنبلة نووية وبما لديه من مواد انشطارية يستطيع أن يصنع واحدة في غضون عام واحد”.
وفي خطابه عن حالة الاتحاد في 28 يناير 2003 قال أيضا : “فقد عملت الحكومة البريطانية أن صدام حسين سعى مؤخرا للحصول على كميات ضخمة من اليورانيوم وفي 5 فبراير قال وزير الخارجية الأمريكي كولن باول أمام مجلس الأمن الدولي بأن تقديرنا المحتفظ هو أن العراق يملك اليوم مخزونا بين 100 و500 طن من الأسلحة الكيميائية
بالرغم من كل هذه التأكيدات وبعد عام من نهاية الحرب الأمريكية على العراق لم تستطع الولايات المتحدة تأكيد هذه الحجة، كما عجز الفريق الأمريكي الذي كلف بمهمة التفتيش عن الأسلحة المحظورة بعد احتلال العراق من العثور على أي منها. بل الأكثر من ذلك قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع حليفتها بريطانيا بتلفيق بعض الأدلة عندما قالت بأن العراق سعى إلى شراء خمسمائة طن من أوكسيد اليورانيوم من نيجر يستخدم في صناعة الأسلحة الذرية، وفي مارس 2003 أعلن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البردعي أن الوثائق التي قدمت بهذا الخصوص تشتمل على تلفيقات لا أساس لها من الصحة.
2- علاقة النظام العراقي بالإرهاب تنظيم القاعدة :
سعت الإدارة الأمريكية إلى الربط بين أحداث الحادي عشر من سبتمبر والحكومة العراقية، واتهمتها بدعم الإرهاب وعلاقتها بتنظيم القاعدة يؤكد على ذلك ما كان يدور في الاجتماعات التي عقدتها الإدارة الأمريكية بعد الأحداث وتصريحات كبار المسؤولين فيها في 15 سبتمبر 2001 دعي مجلس الأمن القومي الأمريكي إلى اجتماع قدمت فيه عدة مداخلات كان من ضمنها مداخلة لنائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني قال فيها “إنني أريد أن أركز أكثر على قضية الدول التي ترعى الإرهاب وأريد أن ألفت النظر إلى التركيز على دول لها كيان واضح أسهل من التركيز على جماعات ليس لها ملامح الدول التي ترعى الإرهاب متجسدة والجماعات الإرهابية مجرد أشباح وأظن أننا سوف ننجح أكثر في العمل ضد جسد ولا ننجح بالقدر الكافي ضد أشباح”، في نفس اليوم دعا الرئيس أركان إدارته إلى اجتماع غير رسمي خاطب فيه جوش الحضور قائلا : الشعب الأمريكي يريد عملا كبيرا مهولا فرقعة عظيمة لا أريد معركة واحدة، ولكن أريد حربا ممتدة يشعر بها الشعب الأمريكي، ويتأكد أننا نواصل الدفاع عنه حتى أقاصي الأرض ضمن الردود التي جاءت على كلام الرئيس قال بولار لفويتز نائب وزير الدفاع “إن ما يطلبه الرئيس يمكن أن يتحقق في حالة واحدة، هي حالة أن نوجه ضربتنا إلى الدول الراعية للإرهاب أو الدول الإرهابية والعراق أول القائمة بوجود صدام حسين على رأسه، في مقابلة جمعت بين كارل روفي كبير مستشاري الرئيس للشؤون الداخلية مع وزير الدفاع رامسفيلد للحديث معه عن سر الفتور الذي يسيطر على الحرب الأمريكية ضد أفغانستان لابد أن نوجه ضربتنا بعد الآن إلى الدول الراعية للإرهاب، الدول الإرهابية العراق أولها، صدام حسين ليس له صديق في العالم يدافع عنه حتى في روسيا وفي الصين وهو رجل يصعب على أحد أن يقول فيه كلمة طيبة في حقه.
يتضح مما سبق أن هناك نية مبيتة لدى بعض أعضاء الإدارة الأمريكية على مهاجمة العراق من خلال ربطة الإرهاب، وكانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر فرصة مناسبة لتحقيق ذلك، لذا بدأ الحديث في العلن عن علاقة النظام العراقي بالإرهاب وبتنظيم القاعدة بالتحديد. جاء ذلك واضحا في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي عن حالة الاتحاد 28 يناير 2003 عندما قال “تخيلوا مختطفي الطائرات التسعة عشر أولئك ومعهم أسلحة أخرى وخطط أخرى هذه المرة وقد سلحهم صدام حسين لن يحتاج الأمر إلا لتسلل قارورة واحدة، علبة معدنية واحدة قفص واحد إلى داخل هذا البلد ليجلب علينا يوم دعر لم نعرف مثيلا له”، وكان الرئيس الأمريكي قد أعلن قبل ذلك أمام مجلس الشيوخ “إننا نعرف أن العراق وشبكة القاعدة الإرهابية يتشاركان في عدو واحد الولايات المتحدة الأمريكية ونحن نعرف أن العراق والقاعدة تربطهما صلات على مستوى عال ترجع إلى عقد مضى”
كما روجت الإدارة الأمريكية بأن محمد عطا الذي يعتقد بأنه الرأس المدبر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر وقائد طائرة البوينغ التي ارتطمت بالبرج الشمالي من مركز التجارة العالمي اجتمع مع أحمد خليل العاني، القنصل السابق في السفارة العراقية في براغ في يونيو 2000، وقد طرد العاني بعد ذلك من الجمهورية التشيكية بتهمة التجسس، وبالتالي يمكن اعتبار ذلك دليلا على علاقة العراق بالقاعدة.
إن من يقف وراء هذه الحجة قد نسى بأن النظام العراقي بقيادة صدام وتنظيم القاعدة بزعامة أسامة ابن لادن يمكن أن يتفقا على عدو مشترك ولكنهما من الصعب أن يتعاونا معا، حيث أن الحزب الحاكم في العراق حزب بعثي دو توجه علماني، مناهض لتنظيم القاعدة الذي يعترف بمعاداته للأنظمة العلمانية
كما أن حجة محمد عطا لم تصمد طويلا حيث أكد الرئيس فكلاف هافيل في تقرير سلمه إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش بأنه لم يحدث أي اتصال بين محمد عطا وبين عملاء المخابرات العراقية والأكثر من ذلك فمروره في براغ أمر مشكوك فيه كليا
لذا اضطرت الإدارة الأمريكية إلى التراجع عن هذه الحجة وقال الرئيس الأمريكي في سبتمبر 2003 بأن الولايات المتحدة ليست لديها براهين على مشاركة صدام في هجمات 11 سبتمبر.
3- انتهاك النظام العراقي لحقوق الإنسان :
الحجة الثالثة التي روجتها واشنطن لتبرير حربها على العراق هي انتهاك النظام العراقي لحقوق الإنسان وبأنه نظام دكتاتوري يمثل تهديدا لجيرانه وكارثة لشعبه.
هذه الحجة تعتبر من الحجج التي يسهل طرحها ويصعب تحديدها أو الحكم عليها، ولنفترض بأن النظام العراقي السابق كان بالفعل نظاما دكتاتوريا وقام بانتهاكات لحقوق الإنسان هل يمكن اعتبار الحرب هي طوق النجاة لحقوق الإنسان ؟ أليس الحرب هي التهديد الأكبر لهذه الحقوق، وأن معظم جرائم إبادة الجنس البشري والتطهير العرقي في القرن العشرين قد جرت أثناء الحروب أو بعدها مباشرة وذلك بسبب الفوضى والخراب وتفجر الأحقاد والسرية المصاحبة للحرب
ثم ماذا عن الأنظمة الأخرى الحليفة لواشنطن لما قررت الولايات المتحدة معاقبة العراق بالتحديد على انتهاكاته لحقوق الإنسان بينما تدعم إسرائيل في الوقت الذي تنتهك فيه إسرائيل قرارات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان الفلسطيني.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كيف تريد الولايات المتحدة من العالم أن يصدق أنها ذهبت للعراق لتحرير الشعب العراقي من حاكم مستبد حسبما تدعى، بينما تسارع في تطبيع علاقاتها مع ليبيا بمجرد أن وافق الرئيس الليبي معمر القذافي على فتح المنشآت العسكرية الليبية لفرق التفتيش الدولية ألم تكن الولايات المتحدة تصف النظام الليبي بأنه نظام مستبد ولا يحترم حقوق الإنسان ويدعم الإرهاب الدولي هل تغير كل شيء وأصبح الرئيس الليبي بمجرد استجابته للضغوط الأمريكية رجلا ديمقراطيا يحترم حقوق الإنسان وليس له علاقة بالإرهاب.
4- الحرب على العراق انتهاك للشرعية الدولية :
انتهينا إلى أن غزو العراق من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا كان حرب عدوانية لتحقيق مصالح وأهداف إستراتيجية في منطقة الخليج، وسوف نبرز هنا تلك القواعد التي انتهكتها الدولتان الغازيتان أمريكا وبريطانيا عندما غزت قواتهما دولة عضو في الأمم المتحدة منتهكة سيادتها الإقليمية، فقد تمثلت هذه الانتهاكات للشرعية الدولية في الآتي
أولا : انتهكت الولايات المتحدة وبريطانيا الفقرتان الثالثة والرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة اللتان أوجبتا على جميع أعضاء الهيئة الدولية بفض منازعاتهم بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر، وأن يمتنع أعضاء الهيئة جميعا في علاقاتهم الدولية عن أن يهددوا بالقوة أو يستخدمونها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة أو على وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة.
ثانيا : انتهكت الولايات المتحدة وبريطانيا المادتان الأولى والثانية من ميثاق الأمم المتحدة اللتين تنصان على عدم استخدام القوة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
ثالثا : انتهكت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا المادة 24 وأحكام الفصلين السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة في تخويل مجلس الأمن وحدة حق التدخل في أي نزاع يخشى منه قيام الحرب.
رابعا : انتهكت قوات الغزو الأمريكي والبريطاني المادة 25 من اتفاقيات لاهاي سنة 1908 بشأن العمليات الحربية التي توجب تحديد ساحة القتال ضمانا لحسن سير العمليات العسكرية، مما يعني تحييد المناطق السكنية والمنشآت المدنية عند بداية الحرب إلا أن قوات الغزو الأمريكي والبريطاني استباحت كل الأراضي العراقية وجعلتها ساحة قتال فلم تفرق بين منشآت مدنية أو عسكرية، فطال القصف الوحشي المستشفيات والمدارس ودور العبادة وأماكن التسوق وجميع مرافق الدولة والبنية التحتية لها فحولت جميع مدن العراق إلى خراب ودمرا وهي تدعوا الآن المجتمع الدولي لإعادة إعمار العراق.
خامسا : انتهكت قوات الغزو الأمريكية والبريطانية المادة 22 من اتفاقية لاهاي لسنة 1907 بشأن حظر استخدام الوسائل الهمجية في الحرب إذا كانت تلك المادة تتحدث عن أسلحة فتاكة صنعت عام 1908 وهي الرصاص المتفجر والإشعاعي فإن قوات الغزو الأمريكي والبريطاني على العراق استعملت أحدث ما توصل إليه العلم والتكنولوجيا في مجال صنع الأسلحة التدميرية والتجريبية في القرن الحادي والعشرين.
سادسا : انتهكت قوات الغزو الأمريكية اتفاقية لاهاي سنة 1908 بشأن التمييز بين المحاربين وغير المحاربين فقد طال القصف الوحش جميع أفراد الشعب العراقي من أطفال ونساء وشيوخ في مشاهد نقلتها جميع الفضائيات العربية والعالمية ولا تحتاج إلى دليل أكثر من ذلك.
سابعا : انتهكت قوات الغزو الأمريكية والبريطانية المادة 114 من اتفاقية جنيف الثانية في 12 أغسطس سنة 1949 المتعلقة بأسرى الحرب في وجوب معاملة أعضاء حركة للمقاومة العراقية، معاملة الأسرى وليس كإرهابيين كما تفعل قوات التحالف الأمريكي والبريطاني. وتسعى لحشد الجهود الدولية من خلال الأمم المتحدة لهذا الغرض وقد كانت أحداث سجن أبو غريب للمعتقلين العراقيين والتي تفجرت فيما بعد من أقوى الأدلة على هذه الانتهاكات.
ثامنا : انتهكت قوات الغزو الأمريكي والبريطاني المادة 117 من اتفاقية جنيف لسنة 1941 بشأن معاملة أسرى الحرب]
تاسعا : انتهكت قوات الغزو الأمريكية والبريطانية المواد 12 حتى 59 من اتفاقيات لاهاي سنة 1908 بشأن تحديد الأطر القانونية للسلطة العسكرية على أراضي الدولة المحتلة.
والتي تقتضي بأن الاحتلال لا يؤدي إلى تعديل الهيكل السياسي للدولة الواقعة تحت الاحتلال ويظل رئيس الدولة الشرعي محتفظا بممارسة اختصاصاته.
عاشرا : انتهكت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا مبادئ الأمم المتحدة ومختلف القرارات الصادرة عن المنظمة الدولية بشان نظام الأمن الجماعي حيث جاء الغزو كعمل انفرادي متخطيا لمجلس الأمن المختص أصلا بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين الأمر الذي دفع بالأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان إلى سرعة تقديم تقرير إلى الجمعية العامة تحت رقم 323 في 22 سبتمبر 2003 يتساءل فيه عن شرعية استخدام القوة في العلاقات الدولية بمناسبة غزو العراق بدون تفويض من مجلس الأمن كما طرح سؤال آخر عن شرعية الحروب الوقائية لمنع اعتداء وشيك وهي النظرية التي أطلقها الرئيس الأمريكي كذريعة لغزو العراق. ومما لاشك فيه أن غزو العراق أصبح يشكل كابوسا للإدارة الأمريكية ولم تعد تملك سوى الاستمرار في هذا الكابوس إلى أن تستيقظ، وقد وجدت نفسها خارج البيت الأبيض بعد أن تكون قد سجلت نفسها على أكثر صفحات التاريخ دموية وعطشا للنفط.

تانيا: استعمال القوة بهدف التحرير
1- الحرب العراقية الكويتية :
بعد انتهاء حرب الخليج الأولى عام 1988 بدأت بوادر خلافات بين النظام العراقي البعثي والسلطات الكويتية، وكانت الذرائع للرئيس العراقي الأسبق وهو وجود خلافات حول بعض أبار النفط في المناطق الحدودية، أما بشكل غير مباشر فكان صدام يعيد إحياء أفكار حول كون الكويت أحد المحافظات التاريخية التابعة للعراق في 2 غشت 1990 بحيث اجتاحت القوات العراقية الكويت وأحاطت بحكم أن الصباح لحين عودتهم بعد انهيار الجيش العراقي على يد قوات التحالف في حرب الخليج الثانية وتبدأ الأزمة في 23 سبتمبر 1989 حينما زار العاصمة العراقية أمير الكويت الشيخ جابر الصباح وقلده الرئيس العراقي صدام حسين أعلى وسام عراقي، لم يثير موضوع الحدود بينهما حتى يتجنبا إفساد جو الزيارة ولكن أحد الوزراء الكويتيين هو الذي أثار هذه النقطة مع الدكتور أحمد سعدون نائب رئيس الوزراء العراقي في الشؤون الخارجية إذ سأله عما إذا كان يرى الفرصة ملائمة لعقد معاهدة عدم الاعتداء بين العراق والكويت على غرار المعاهدة العراقية السعودية وكان رأي الوزير الكويتي أن عقد مثل هذه المعاهدات يؤدي إلى اطمئنان الخواطر وكان تعليق الدكتور سعدون حمادي أولا التفاوض في ترسيم الحدود ثم مسألة معاهدة عدم الاعتداء ومنذ سبتمبر 1989 احتدمت الخلافات في موضوع أسعار النفط وحصص منظمة الأوبك وتزايدت درجة الحرارة بين البلدين ففي يناير 1990 زار الدكتور سعدون الكويت حيث التقى نظيره الكويتي، ثم تبين أن مهمة الزائر العراقي هي طلب قرض قيمته عشرة مليار من الدولار لتمكين العراق من مواجهة أزمته الاقتصادية بعد الحرب وتداخلت القضايا واختلطت قضايا المساعدات بقضايا الحدود وقضية أسعار النفط وتعقدت الأمور، وفي فبراير 1990 زار الشيخ صباح الأحمد الصباح العراق لمتابعة القضايا المتداخلة وقد ألمح الزائر الكويتي إلى الديون السابقة على العراق للكويت وأشار إلى أن الكويت تستطيع تقديم 500 مليون دولار تضاف إلى الدين القديم وكان طرفان كلاهما على موقف متعارض وحسب طرفان بأنهما اتفقا فقط طلب العراق تسهيلات بحرية مثيلة للتسهيلات التي حصل عليها أثناء الحرب ضد إيران وطلب كذلك تطبيق معاهدة الدفاع مشترك بين البندين وظن الدكتور حمادي أن نظيره الكويتي موافق وطلب الشيخ الصباح من سعدون حمادي تشكيل لجنة لترسيم الحدود وظن أن نظيره العراقي موافق ومحاولة دول الخريج عقد اتفاق بين المملكة العربية السعودية والكويت والعراق لمعالجة الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها العراق إلى أن المفاوضات فإنها قد وصلت إلى طريق مسدود.
وفي 3 مايو 1990 عاد العراق إلى شكواه المزمنة من الكويت بسبب إنتاجها الزائد على حصتها في اتفاقات الأوبك فتقدم طارق عزيز ووزير الخارجية العراقي، بشكوى حول ارتفاع معدل إنتاج النفط في دول الأوبك بما يشكل خطر متصاعد على العراق منذ أوائل يوليو 1990 بحيث بدأت تظهر علنا بوادر تفجر الأزمة وظهر ذلك بعد استقبال الرئيس العراقي وزير نفط المملكة السعودية هشام الناظر في بغداد في 8 يوليو الذي نقل إليه رسالة شفاهية نخص أسعار النفط وأوضاع السوق النفطية إضافة إلى العلاقات السعودية العراقية، كما عرض المبعوث السعودي على الرئيس صدام نتائج زيارته كلا من الكويت ودول الإمارات العربية المتحدة ولم تكن هذه الخلافات بدايتها الحدود بل كانت هناك خلافات على الحدود بعد استقلال الكويت عام 1961 واعتداءات العراق على الكويت في الصامتة عام 1973.
ففي الثاني من أغسطس 1910 احتل أزيد من 120000 من الجنود العراقيين الكويت، ورغم أن الرئيس العراقي أنه لبى دعوى من طرف المنشقين الكويتيين لكن هذا الاجتياح بدا واضحا أنه يهدف إلى حل الخلافات الجارية بين العراق والكويت بالقوة، ثم تطور إلى ضم تام للقطر، وقد وجه مجلس الأمن بالغزو العراقي للكويت انضم المدعى في ظروف دولية متغيرة فمع نهاية الحرب الباردة ساد اعتقاد بأنه يصعب على الدول الكبرى توفير حماية دولية لدول معتدية كما هو الحال إبان الحرب الباردة حيث تسرع الدول الكبرى لحماية احد قائدها خصوصا في مجلس الأمن حيث حق الفيتو، كما أن موجة التفاؤل شملت الأمل في تفعيل دور الأمم المتحدة وخصوصا مجلس الأمن الأمر الذي دعا البعض إلى الاعتقاد بأن الأزمة في الخليج الفارسي تعتبر أول اختبار حقيقي لنظام الميثاق للأمن الجماعي.
2- إدانة مجلس الأمن للعدوان العراقي على الكويت :
فور وقوع العدوان العراقي على دولة الكويت اجتمع مجلس الأمن بناء على طلب من الكويت والولايات المتحدة الأمريكية واتخذ أول قرار فيما يتعلق بالحالة بين الكويت والعراق وهو قرار 660-1990 في 2 غشت 1990 وقد اتخذ ذلك القرار بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة أي في إطار آلية الضمان الجماعي حيث قرر المجلس أنه يوجد خرق للسلم والأمن الدوليين فيما يتعلق بالغزو العراقي للكويت وبناء عليه يدين المجلس ذلك الغزو ويطالب بإنهاء احتلال الكويت دون قيد أو شرط وقد صدر القرار بأغلبية 14 صوتا مقابل لا شيء ولم يشترك مندوب اليمن في التصويت على أنها اعتراف غير مباشر بالضم كما طالب العراق بإلغاء إجراءاته التي ادعى بها ضم الكويت وقد صد القرار بالإجماع.
أيدت هذا القرار 13دولة وامتنعت عن التصويت دولتان هما كوبا واليمن وتبنته كل من كندا وكولومبيا وساحل العاج وفلندا وأثيوبيا وفرنسا وماليزيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وزائير، وقال مندوب كندا مستر فورينز “إنه مما لاشك فيه أن العدوان العراقي على الكويت غير مقبول على الإطلاق وهو يمثل انتهاكا صارخا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وأن حكومة كندا توافق على مشروع القرار، وقال بلانك مندوب فرنسا : إننا ندين وبدون أي تحفظ الغزو العراقي للكويت ونطلب من القوات العراقية الانسحاب الكامل من الكويت حالا، وقال تاديس : مندوب أتيوبيا إننا ندين العدوان العراقي على الكويت وإننا مستعدون للتعاون بكل طاقاتنا لمواجهة هذا الموقف المحزن الذي يتعدى الحفاظ على السلام والأمن الدوليين ونطالب العراق بالانصياع للقرار 660-1990 ونعلن تضامننا الكامل مع الكويت حتى تستعيد حريتها وسيادتها ووحدتها الترابية وكل أراضيها.
3- نتائج الغزو العسكري للكويت :
أحدث الغزو العراقي للكويت شرطا عميقا في التضامن والوفاق العربي، ولكن لن تقتصر تداعياته على مدى التطور بل تستمر حتى المدى البعيد الآن، ذلك أن هذا الفعل قد عمق الخلاف ويعيد أجواء انعدام الثقة بين أقطار النظام العربي كما أنه قد خلق سابقة خطيرة في إدارة العلاقات العربية –العربية وهي استخدام الأداة العشرية في إدارة هذه العلاقات يمكن أن تشكل إرهاصات لحروب عربية- عربية قادمة ولا نهاية لها ولقد اتسمت هذه المرحلة بعد انتهائها ظهور التحركات السياسية العراقية وهذه التحركات اتفقت بنوعين من السلوك أولهما سلوك خارجي يتمثل في المساعي السياسية والدبلوماسية لدى الأطراف الدولية والقوى الكبرى لدعم الموقف العراقي من غزو الكويت، وثانيهما المبادرات والأطروحات السياسية التي أعلنها صدام حسين بشأن قضايا الصراع والأزمات.
4- توقيع العقوبات ضد العراق :
كان إنفاق العراق في الانصياع لدعوة الأمم المتحدة للانسحاب من الكويت سيؤدي بالضرورة إلى النظر في احتمال استخدام القوة فإنه يمكن التساؤل مع روزلين هيجنز
في إمكان استخدام قدر من القوة لدعم فعالية العقوبات الاقتصادية وبألفاظ أخرى حتى وإن لم يذهب مجلس الأمن لإجراءات عسكرية معينة تحت المادة 42 كوسيلة مختارة لفرض السلام وهل يمكن استخدام إجراءات عسكرية محدودة لضمان فعالية الوسائل البديلة المختارة وتحديد العقوبات الاقتصادية، وفي حالة العراق هل يهيئ القرار السلطة اللازمة لفرض العقوبات الاقتصادية وإن كان بالقوة إن لزم الأمر.
وبالرجوع للممارسة السابقة لمجلس الأمن نجده مرة واحدة فقط خلال الحرب الباردة فوضت قوات عسكرية باستخدام القوة لفرض عقوبات اقتصادية، ففي عام 1965 وقع مجلس الأمن عقوبات اقتصادية ودبلوماسية ضد روديسيا الجنوبية.[26]
وفي عام 1966 مهتما باحتمال تسليم النفط إلى ميناء Beria في موزمبيق التي تخضع للحكم البرتغالي تسليم من بعد إلى روديسيا الجنوبية.
5- توقيع الجزاءات على العراق :
في أول القرارات التي أصدرها مجلس الأمن في حالة الكويت والعراق القرار 660-1990 بحيث وجه مجلس الأمن إنذار بأنه إذا لم يسحب قواته من دون قيد شرط من الكويت فغنه سوف ينظر في اتخاذ خطوات أخرى لضمان الامتثال لهذا القرار.
وحيث أن العراق لم يمتثل لقرار الانسحاب رأى المجلس بمقتضى قرار 660-1990 في 2 أغسطس 1990 ضرورة توقيع الجزاءات ولا تتطلب استخدام القوات المسلحة على تلك الدولة المدانة بالعدوان وذلك عملا بنص المادة 4 من الميثاق وتتلخص هذه الجزاءات في مطالبة جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بوقف العلاقات التجارية والمالية والعسكرية مع العراق باستثناء الإمدادات المخصصة بالتحديد للأغراض الطبيعية والمواد الغذائية المقدمة في ظروف إنسانية وقد أنشأ المجلس لجنة خاصة لمتابعة تنفيذ عقوبات ولاشك في أن توقيع جزاء المقاطعة الاقتصادية والعسكرية على العراق هو التزام قانوني يقع على عاتق جميع الدول الأعضاء في المنظمة وذلك عملا بنص المادة 3/5 من الميثاق والتي تقضي بأن يقدم جميع الأعضاء في كل ما في وسعهم من عون إلى الأمم المتحدة في أي عمل تتخذه وفق هذا السياق، كما يمتنعون عن مساعدة أية دولة تتخذ الأمم المتحدة إزاءها عملا من أعمال المنع أو القمع.
6- معركة تحرير الكويت :
بعد خمسة أشهر من اندلاع الأزمة في 02/08/1990 كان الوضع يسير إلى مواجهة حتمية فقد صدر قرار المجلس الأمن طالبت العراق بالانسحاب من الكويت، وبعد أن فرضت عليه حصارا بريا وجويا وبحريا وقد أغلق هذا الحصار كل منافذ العراق وقد أعطى مهلة 10 يناير للانسحاب أو الحرب واستعد الطرفان للقتال واحتشدت الألف الدبابات في منطقة الخليج على استعداد للقتال، مع إصرار عراقي على عدم الانسحاب من الكويت والتصميم على اعتبار الكويت هي المحافظة التاسعة عشرة من محافظات العراق.
وفي نفس الوقت كان قد تم استبعاد جميع الوسائل السلمية من باقي الدول التي لا تريد للعراق التورط في حرب لن يخرج منها إلا مدمرا، وكانت هذه المحاولات تتمثل في الدول العربية والأسيوية للوصول إلى حل سلمي قبل انقضاء مهلة الإنذار الدولي الموجهة للعراق.
وفي البيت الأبيض أخذ الرئيس الأمريكي بوش يعيد مراجعة بعد التفاصيل العسكرية لعملية عاصفة الصحراء مع بعض أعوانه وبالذات في تفاصيل الضربة الجوية والتي ستسبق الهجوم البري الكبير وكان الجنرال ميريل ماكييك قائد الجوية الأمريكية هو الذي أخذ يجيب الرئيس الأمريكي ويوضح له التفاصيل التي يسأل عنها، وكان ذلك من الساعة السادسة مساء بتوقيت واشنطن والواحدة صباحا بتوقيت الخليج وقد اتخذ بوش مكانة في أحد صالونات البيت الأبيض ومعه غائبة دار كويل ومعه برنت مكركروفت مستشارة لشؤون الأمن القومي وجون سنوفر مسؤول البيت الأبيض والتليفونات بجانبه تدق دون انقطاع، وفي السادسة دقيقة قطعت شبكة التليفزيون A.B.C برامجها وأعطت الكلمة لمراسلها في بغداد الذي أعلن عن بدء الغارات الجوية على العاصمة العراقية وكان تعليق بوش على ذلك الخبر أن قال ذلك بكل هدوء أن المعركة قد بدأت في وقتها المحدد لها.
ولقد استعملت في هذه الحملة مجموعة من القنابل ما يسمى بالقنابل الذكية والعنقودية وصواريخ كروز بحيث قام العراق بالرد على هذه الحملات الجوية بتوجيه 8 صواريخ سكود أرض أرض إلى أهداف داخل إسرائيل في 18 يناير 1991 بالإضافة إلى إطلاق صواريخ سكود على كل من مدينتي ظهران والرياض والسعودية، ومن ضمن الأهداف التي أصابتها الصواريخ العراقية داخل الأرض العسكرية الأمريكية في الظهران في السعودية أدى الهجوم إلى مقتل 28 جندي أمريكي مما أدى إلى عملية انتقامية بعد انسحاب القوات العراقية وقصف القوات المنسحبة في عملية سميت بطريق الموت، وفي الرياض أصابت الصواريخ العراقية مبنى الأحوال المدنية ومبنى مدارس تحد الأهلية الذي كان خاليا وقتها. كان الهدف الأول لقوات الائتلاف هو تدمير قوات الدفاع الجوي العراقي لتتمكن بعد ذلك من القيام بغاراتها بسهولة وقد تم تحقيق هذا الهدف بسرعة وبسهولة حيث تم إسقاط طائرات عراقية وإسقاط طائرة من قوات الائتلاف في الأيام الأولى من الحملة الجوية بحيث كان معظم الطائرات تنطلق من الأراضي السعودية وحاملات الطائرات الستة المتمركزة في الخليج العربي.
وبعد تدمير معظم قوات الدفاع الجوية العراقي أصبحت مراكز الاتصال القيادية الهدف الثاني للغارات الجوية، وتم إلحاق أضرار كبيرة بمراكز الاتصال مما جعل الاتصال يكاد يكون معدوما بين القيادة العسكرية العراقية وقطاعات الجيش، وقامت الطائرات العراقية بطلعات جوية متفرقة أدت إلى إسقاط 38 طائرة ميج عراقية من قبل الدفاعات الجوية لقوات الائتلاف وأدرك العراق أن طائراتها السوفيتية الصنع ليست بإمكانها اختراق الدفاعات الجوية لقوات الائتلاف فقامت بإرسال المتبقى من طائراتها إلى إيران، وبدأ العراق في 23 يناير 1991 بعملية سكب متعمد لما يقارب مليون طن من النفط الخام إلى مياه الخليج العربي.
وبعد تدمير الدفاعات الجوية ومراكز الاتصال العراقية بدأت الغارات تستهدف قواعد إطلاق صواريخ سكود العراقية ومراكز الأبحاث العسكرية العراقية والسفن الحربية العراقية والقطعات العسكرية العراقية المتواجدة في الكويت ومراكز توليد الطاقة الكهربائية ومراكز الاتصال الهاتفي ومراكز تكرير النفط والموانئ العراقية والجسور وسكك الحديد ومراكز تصفية المياه، وقد أدى هذا الاستهداف الشامل إلى تدمير البنية التحتية العراقية إلى عواقب لا تزال أثارها شاخصة إلى حد هذا اليوم.
7- نتائج عملية تحرير الكويت :
خسر العراق معظم القوات العسكرية، كما خسر المعركة السياسية وفقد ما يزيد على ثلثي قواته المسلحة وما بين 80 و100 ألف قتيل ورضخ في النهاية للإرادة الدولية وتم تحرير الكويت بالقوة المسلحة.
كما تكبدت قوات التحالف مبالغ مالية ضخمة كما دمرت قوات التحالف البنية التحتية للعراق ووصل عدد هذه الغارات إلى ما يقارب 97 ألف غارة، وبالتالي فإن العراق سوف يحتاج إلى مبالغ مالية لإعادة ما دمرته الحرب.
كما تعرضت الكويت لعملية دمار نسبي سواء على أيدي القوات العراقية التي أحرقت ودمرت البنية التحتية وحرقت أبار البترول وسربت النفط إلى مياه الخليج وتم تقدير تكاليف إعمار الكويت بمبالغ طائلة تصل إلى حوالي 40 مليار دولار في الوقت الذي فقدت فيه نسبة لم تقدر بعد من إمكانيات إنتاج النفط مستقبلا.بد

تالتا استخدام القوة بهدف حق تقرير المصير

حق تقرير المصير مبدأ أساس للنظام العالمي، ينبثق عن بزوغ الديمقراطية والفكرة الوطنية، ولكنه لم يصبح معيارا فعالا يتم تطبيقه على قدم المساواة على النطاق العالمي إلا عند تأسيس منظمة الأمم المتحدة. فقد ظهر حق تقرير المصير على أيدي زعماء الثورة الفرنسية الذين أعلنوا استعدادهم لمساندة الشعوب المتطلعة للحصول على حقها في تقرير مصيرها، كما تقرر هذا الحق منذ المحاولات الأولى لتدوين قوانين الحرب في مؤتمر بروكسيل عام 1874، ومؤتمر لاهاي 1899، ثم اتفاقية لاهاي سنة 1907، ولم يشهد ميثاق عصبة الأمم تفصيلا لهدا الحق بل إغفالا له على حساب تدعيم وضع القوى الاستعمارية في البلاد والأقاليم التي استولت عليها، ثم عاد هذا الحق إلى الظهور في بروتوكول جنيف 1945، وأشار إليه ميثاق الأمم المتحدة في الفصول الحادي عشر إلى الثالث عشر الخاصة بإدارة الأقاليم الموضوعة تحت الوصاية، وأشار إليه كذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، ثم أكدته اتفاقية جنيف عام 1949، وإعلان استقلال البلدان والشعوب المستعمرة سنة 1960، ويظهر من ذلك أن القوانين والأعراف التي وضعت لتحكم الحروب الدولية هي ذاتها التي نظمت حركات المقاومة الوطنية وحروب التحرير كما اعتبرت محكمة نورنبرغ لمحاكمة مجرمي الحرب في مبادئها
أولا – حق تقرير المصير، صوره ومدلوله:
1تعريف حق تقرير المصير
تعددت تعريفات حق تقرير المصير وتدور جميعها حول حق الشعوب المقهورة في أن يكون بيدها زمام أمرها وتقرر لحاضرها ومستقبلها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي ومركزه الدولي وهذا هو المفهوم الواسع لحق تقرير المصير، وأما مفهومه الضيق فيعني الاستقلال؛ لأن الاستقلال هو الهدف النهائي الذي ترجو الشعوب تحقيقه وهي تمارس هذا الحق.
2صور تقرير المصير
حق تقرير المصير له صورتان أساسيتان؛ إحداهما على المستوى الداخلي، والأخرى على المستوى الخارجي أو الدولي، فعلى المستوى الداخلي يعني حق الشعوب في اختيار شكل الحكم الذي يلائمها وتنظيم شؤونها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأما على المستوى الدولي فإن حق تقرير المصير له بعدان، أحدهما سلبي، ويعني حق الشعب في الانفصال عن الدولة.
وممارسة حق تقرير المصير يكون غالبا بالطرق السلمية من خلال الاستفتاء، وقد تكون من خلال الوسائل العنيفة التي تقوم بها حركات التحرير الوطني، وإذا كان ميثاق الأمم المتحدة قد تضمن النص على حق الشعوب في تقرير مصيرها، إلا أنه لم يبين الوسائل التي من خلالها يمكن الحصول على هذا الحق، الأمر الذي تكفلت به الجمعية العامة بما أصدرته من قرارات أكدت فيها شرعية استخدام القوة للوصول إلى تقرير المصير.
ثانيا – استخدام القوة العسكرية وحق تقرير المصير
ا الحق في الكفاح المسلح
يعتبر الكفاح المسلح أو المقاومة المسلحة، الصورة الأكثر استخداما لممارسة حق تقرير المصير، حيث لا تجدي الوسائل السلمية مع الممارسات التعسفية للقوى الاستعمارية والعنصرية، ومن ثم ثار النقاش حول مدلول الكفاح المسلح المشروع، وحول مدى شرعيته، وتمييزه عن الإرهاب الدولي، فالكفاح المسلح يعني استخدام القوة من أجل الوصول إلى تقرير المصير، فالكفاح يعني مقاومة الأمر الذي يستلزم المقاومة، ويكون ذلك عن طريق السلاح، فهو الاستخدام المشروع للقوة المسلحة من أجل الاستقلال، فهو عمل عسكري شعبي مشروع لمقاومة محتل أجنبي، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية كانت الدول الاستعمارية على موعد مع مقاومة شرسة، فحصلت دول إفريقية عديدة على استقلالها من فرنسا بعد مقاومة عسكرية عنيفة قادتها حركات التحرير الوطني في هذه البلدان،
كما خرجت بريطانيا بأسلوب مماثل من الأراضي التي كانت خاضعة لاستعمارها وسيطرتها. وعندما تدخلت الهند عام 1961 في إقليم غوا، وهو أحد المستعمرات البرتغالية ، وقامت بضمه لأراضيها بصفته جزءا مستعمرا من إقليمها، ظهرت خلافات حادة حول الحق في استخدام القوة العسكرية ضد القوة الاستعمارية أثناء مناقشة ضم هذا الإقليم إلى الهند.
لقد انقسمت الدول حينذاك إلى موقفين؛ هما دول اعتبرت استمرار الاستعمار البرتغالي من أعمال العدوان، وخرق المادة 2/4 من ميثاق الأمم المتحدة؛ لأنه يشكل جزءا من الهند بينما ذهبت دول أخرى إلى وصف الإجراء الهندي بأنه يشكل بذاته خرقا لأحكام المادة 2/4 من الميثاق.
دافعت دول المستعمر الاشتراكي ودول العالم الثالث عن وجهة نظرها وفحواها أن القانون الدولي أصبح يعترف بحق حركات التحرر الوطني باستخدام القوة ضد المستعمر أو المحتل. وأن هذه القاعدة القانونية الدولية عامة التطبيق تنطوي على استثناء من الحكم الوارد في المادة 2/4 من ميثاق الأمم المتحدة، رغم أن الجمعية العامة للأمم المتحدة أقرت عام 1960 بموجب التوصية رقم 1014 الخاصة بإعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة بحق تقرير المصير لهذه الشعوب. إلا أن الإعلان لم يتضمن أي إشارة لحق حركات التحرير الوطني باستخدام القوة لنيل حقها في تقرير المصير، ولعل الموقف الغربي المعارض لمواجهة النظرية التي دافع عنها المعسكر الاشتراكي ودول العالم الثالث هي التي كانت وراء عدم تكريس هذا الحق في الصكوك الدولية الأخرى، خاصة المتعلقة بتصفية الاستعمار وتحرير الشعوب المستعمرة بهذا الحق، فكان أول اعتراف على يد الجمعية العامة للأمم المتحدة من خلال التوصية رقم 2109 الصادرة عام 1964. وإذا كان الأمر كذلك يكون للشعب الخاضع للاستعمار أو الاحتلال حق طبيعي وأصيل في الدفاع عن النفس، يمتد ليشمل إخراج المعتدي من أرضه وبلده.
تجنب إعلان الجمعية العامة الخاص بمبادئ القانون الدولي المتصلة بالعلاقات الدولية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة لعام 1970 البحث مباشرة في حق الشعوب في استخدام القوة، وبحق الدول في تقديم العون والمساعدة لها، ويظهر أن هذا الموقف جاء لتحقيق نوع من التراضي أو التوافق بين استخدام القوة ضد الشعوب بصورة تحرمها من حقها في تقرير المصير وفي الحرية والاستقلال.
فاستخدام القوة العسكرية من جانب “إسرائيل” ضد الشعب الفلسطيني الذي يمارس كفاحا مسلحا ضد واحد من أشد القوى الاستعمارية والعنصرية في التاريخ، يعد خرقا لمبدأ ثابت في القانون الدولي، وهو حق الشعوب في تقرير مصيرها، فالالتزام الدولي واقع على عاتقها بعدم زجر الشعب الفلسطيني أو منعه بسبب كفاحه للحصول على حريته واستقلاله.
ويتضمن إعلان مبادئ العلاقات الودية لعام 1970 إشارة صريحة للشعوب التي تعارض أو تقاوم أي تدبير زجري بسبب ممارستها لحق تقرير المصير، دون أن يحدد الإعلان المقصود بهذين المصطلحين أو دلالتهما، والملاحظة ذاتها تنطبق بالنسبة لتوصية الجمعية العامة رقم لسنة 1974 والتي صيغت بألفاظ وعبارات غامضة بغية إقرارها بالتوافق والتراضي من قبل الدول الأعضاء.
فهذه التوصية الخاصة بتعريف العدوان تقضي في مادتها السابعة بأنه ليس من هذا التعريف ما يمكن أن يمس علي أي نحو ما هو مستقى من الميثاق ومن حق تقرير المصير والحرية واستقلال الشعوب المحرومة من هذا الحق بالقوة، والمشار إليها في إعلان مبادئ القانون الدولي المتصلة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة، وبحق الشعوب في الكفاح من أجل الهدف الذي تريد أن تحققه، وذلك من أجل التماس الدعم وفقا لمبادئ الميثاق.
تقر التوصية رقم 3314 لسنة 1974 من خلال هذا النص بحق الشعوب في الكفاح ممارسة لحقها في تقرير المصير دون أن توضح الأشكال المقبولة لهذا الكفاح، أو الصيغة التي بجب أن يتخذها كي يكون مشروعا، ويذكر في هذا المجال أن الدول الاشتراكية والدول النامية سعت قبل إقرار هذه الصكوك وبعد إقرارها إلى التأكيد أن النصوص المذكورة أعلاه تعني بالضرورة تمتع حركات التحرير الوطني بحق استخدام القوة للحصول على حقها في تقرير المصير في مواجهة الدول المستعمرة أو المحتلة .
وقد نجحت هذه الدول بالفعل في تجاوز غموض الصكوك الدولية المشار إليها أعلاه إزاء مسألة طبيعة الكفاح الذي تتمتع به الشعوب المستعمرة، وشكله الناجم عن أسباب إجرائية تمثلت الرغبة في الحصول على توافق دولي بشأنها. وذلك من خلال إقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عددا من التوصيات التي أوضحت فيها بجلاء أن حركات التحرير الوطني تتمتع بحق الكفاح المسلح ضد الاستعمار أو الاحتلال أو أنظمة الفصل العنصري في ممارسة حقها في تقرير المصير.
من الملاحظ أن الجمعية العامة استخدمت في توصياتها التي أقرت فيها بحق حركات التحرير الوطني بالكفاح المسلح لفظ المشروعية وليس لفظ القانونية.
لم تحظ توصيات الجمعية العامة سواء العامة منها أم المخصصة لمعالجة حالات بعينها. والتي تضمنت صراحة النص على حق الشعوب بالكفاح المسلح ضد سلطات الاستعمار، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
لقد درجت الجمعية العامة مند سنة 1973 على تخصيص الفقرة الثانية من توصيتها السنوية التي تصدرها بخصوص أهمية التحقيق العالمي لحق الشعوب في تقرير المصير، والتشريع في احترام الإنسان للتأكيد على الكفاح المسلح كوسيلة مشروعة لنيل الاستقلال والحرية، واستبدلت هذه الصيغة نهائيا عام 1911 بعبارة أخرى هي استخدام كافة الوسائل المتاحة لنيل الاستقلال والحرية، كما أقر إعلان الجمعية العامة الخاص بعدم جواز التدخل الصادر بمقتضى توصية الجمعية العامة رقم 132 و103 سنة 1981 بحق الدول وبواجبها في دعم حق الشعوب في تقرير المصير.
الحق في الحصول على مساعدة عسكرية من دولة ثالثة من أجل حصول الشعوب المستعمرة على حقها في تقرير المصير:
أثيرت مجموعة من علامات الاستفهام حول إمكانية تلقي الشعوب المستعمرة أو المحتلة أو الخاضعة لنظام فصل عنصري معونة عسكرية من قبل الغير لتسهيل مهمتها في بلوغ ما تسعي إليه. وقد انقسمت الدول حول هذه المسألة شأنها في ذلك شأن موقفها بالنسبة لتمتع الشعوب المستعمرة أو المحتلة بالكفاح المسلح. أما فيما يتعلق بمقررات الأمم المتحدة، فيمكن القول إن التوصيات الصادرة عن الجمعية العامة بالتوافق والتراضي أكدت حق تقديم المعونة العسكرية، فانبرت دول عديدة أغلبها من الدول الغربية إلى تفسير هذه التوصيات تفسيرا ضيقا بالقول إن المعونة المقصودة هنا هي المعونة الإنسانية وليست العسكرية.
ومن الناحية العملية لا تكون الدول المحاذية أو المجاورة لشعوب تحت الاحتلال أو الاستعمار راغبة في التمسك بحق استخدام القوة لمساعدة حركات التحرير الوطنية الممثلة لهذه الشعوب.
ثمة سوابق عديدة تدعم هذه الفكرة، ولم تكن الدول المحايدة لجنوب إفريقيا أو المجاورة للمستعمرات البرتغالية أو لـ”إسرائيل” على سبيل المثال راغبة بالتمسك بحق كهذا لمساعدة حركات تحرير وطني تعمل فوق أقاليمها، فهذه الدول أنكرت أنها تمد حركات التحرير الوطني الناشئة فوق أراضيها بالمعونة خشية من تعرضها لأعمال عسكرية من جنوب إفريقيا والبرتغال أو “إسرائيل”؛ لأن هذه الأخيرة سبق أن استخدمت القوة العسكرية ضد الدول المجاورة لها.
كانت حركات التحرير تنشط فوق أقاليمها، وادعت هذه الدول الثلات أنها تستخدم القوة دفاعا عن النفس ضد هجوم عسكري من الدول المجاورة، وعلى أساس أن امتناع الدول المجاورة عن اتخاذ التدابير اللازمة لإيقاف نشاط هذه الحركات أو لإخراجها من أراضيها فرض عليها شن هجمات عليها، لم يقر المجتمع الدولي بحجة هذه الدول؛ وذلك لأنها استخدمت القوة العسكرية ضد شعب مستعمر ومحتل يكافح لممارسة حق تقرير المصير. جاء رفض الحجة من دول المعسكر الاشتراكي ودول عدم الانحياز، أما الدول الاستعمارية فلم ترفض هذه الحجة بشكل مطلق.
إن القانون الدولي يتسم وفقا لتعبير البروفيسور كاسيز بالحيادية تجاه مسألة تقديم دولة ثالثة معونة عسكرية لحركات التحرير الوطني، فالدولة الثالثة لا تملك الحق قانونا بمنح مساعدة كهذه لحركات التحرير، كما أنها لا تخرق أحكام القانون الدولي إن أقدمت على تقديم مساعدتها العسكرية، ويجب ألا ترقى بأي حال من الأحوال إلي إرسال قوات عسكرية، فالتدخل العسكري المباشر دعما لحركات التحرير الوطني يخرج من نطاق المعونة العسكرية التي قد تقدم لحركات التحرير وفقا لأهداف ومبادئ الميثاق، وكما هو معلوم فإن أهم من هذا هو تهديد السلم من جراء التدخلات العسكرية المباشرة الداعمة لحركات التحرير الوطني، وخلافا لهذا فإن تدخلا عسكريا ضيقا ومحدودا له الأثر غير المباشر، وقد لا يهدد السلم الدولي تهديدا كبيرا أو واسعا.
وختاما، لا بد من التأكيد على أن استخدام القوة في إطار الحق في تقرير المصير في النظام القانوني الدولي المعاصر يقتصر على الشعوب الخاضعة لسيطرة أجنبية، أو لنظام فصل عنصري، فثمة تلازم عضوي بين تصفية الاستعمار وهذا الحق، ولا يجوز بتاتا الإقرار بحق مماثل خارج نطاق تصفية الاستعمار أو الاحتلال، وهذا ما أيده سلوك الدول عقب انهيار الاتحاد السوفياتي ويوغوسلافيا السابقة، فلم تعترف الدول بأي محاولة هادفة لتوسيع ممارسة حق في تقرير المصير خارج نطاق تصفية الاستعمار، والحكم ذاته ينطبق في الانفصال، فالقانون الدولي لا يعترف بهذا الحق أو باستخدام القوة للانفصال عن دولة قائمة وعندما تقترن المقارنة بالانفصال.
بالرغم من أن حق تقرير المصير من الحقائق المعترف بها على مستوى المواثيق الدولية التي تمت الموافقة عليها من طرف الدول، فإن هذا لم يتم ترسيخه، ولم يستطع أن يدرك وجوده إلا عندما استشعرت الشعوب المستعمرة أن لها حقا في التحرر وتقرير مصيرها دون وجود هيمنة استعمارية تحد من وجودها ومن ممارسة سيادتها على مقدراتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. وبهذا فإن اللجوء إلى القوة العسكرية من تقرير حق المصير سوف يظل من صميم التوجهات الخاصة لحركات المقاومة والتحرير، التي ترى في القوة العسكرية أداة لتحقيق حق تقرير المصير وجعله أمرا واقعيا
تتعدد وتختلف الأهداف من استخدام القوة العسكرية في العلاقات الدولية فهي تظل رهينة السياسات العامة للدول ودلك بحسب مصلحتها وأهدافها المتوخاة من هده القوة لدلك فالواقع الدولي يظل تحت وطأة هده القوة ومن يمتلكها كما انها أصبحت المحرك الأساسي لواقع العلاقات الدولية

شنكاو هشام بحت في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية

اقرأ ايضاً صفحات رأي متعلقة على جريدة احداث اليوم:

اضيف بتاريخ: Wednesday, June 15th, 2011 في 23:15

كلمات جريدة احداث:

اترك تعليقاًً على هذا الرأي