د.قدري حفني

احداث مصر

المتعصبون من هم

تحظى دراسات ظاهرة التعصب باهتمام كبير في علم النفس الاجتماعي، حيث يعرف التعصب بأنه الميل لإصدار حكم مسبق يتصف بالجمود حيال موضوع معين، وتشير نتائج الدراسات العلمية إلى أن أحدًا منا لا يمكن أن يخلو من قدر من التعصب، لعل أوضح أشكاله وأكثرها شيوعًا هو ما يطلق عليه تعبير “الصور أو القوالب النمطية”، والتي تتصف بعدة خصائص، لعل أهمها: 1.أنها أحكـام أو أفكـار قبليـة، بمعنى أنها لا تقوم بناء على الخبرة المباشرة الموضوعية. 2.التبسيط الزائد، ويقصد بذلك استخدام صفة واحدة أو عدد قليل من الصفات في وصف عنصر بشري بأكمله أو أمة بأكملها. 3.التعميم المبالغ فيه، ويقصد به أن ننسب الخصائص لكافة الأفراد الذين ينتمون لجماعة معينة دون استثناء، رغم حقيقة وجود اختلافات وفروق فردية بين أفراد كل جماعة بشرية. 4.الثبـات والجمود ومقاومة التغيير مهما تغيرت المعطيات الواقعية. ولكن نظرًا لأن التعصب قد اكتسب سمعة اجتماعية سيئة، فإنه يندر أن يصف أحدنا نفسه بأنه متعصب؛ ولكنا كثيرًا ما نلصقها بالآخرين. ولقد كان لي حظ إجراء عدة دراسات بهدف التعرف بشكل موضوعي على أهم الخصائص النفسية التي تميز الشخص “المتعصب”، بصرف النظر عن موضوع تعصبه، سواء كان حزبًا سياسيًّا أو زعيمًا تاريخيًّا أو مذهبًا دينيًّا، أو حتى فريقًا للعب الكرة. وأسفرت تلك الدراسات عن مجموعة محددة من الخصائص. وتستطيع أخي القارئ أن تنظر إلى أي جماعة أخرى تختلف عنك في الدين أو الجنس أو الثراء أو اللون أو المهنة أو حتى الموطن الأصلي لتتبين درجة تعصبك: 1)إن السمة الغالبة لدى أبناء الجماعة الأخرى هي ضعف القدرة على استعمال العقل. وإلا فكيف نفسر اقتناعهم بتلك الترّهات التي يقول بها قادتهم، ومن ثم فإن مجرد الاستماع إلى ما يقولونه مضيعة للوقت وتعريض البسطاء منا لتضليلهم. 2)إن الحوار مع أبناء الجماعة الأخرى بهدف إقناعهم بالحقيقة، حتى لو كانت في صالحهم، لم يعد مجديًا، لقد استنزفنا معهم كافة إمكانيات الحوار، إنهم لا يفهمون سوى لغة القوّة ولي الذراع. إنهم البادئون بالعدوان علينا واستفزازنا دائمًا، ومن ثم فإن التفاهم معهم لا يعني سوى الضعف والتخاذل. 3)إن أبناء الجماعة الأخرى في الحقيقة يخرجون على الأصول الصحيحة التي ينبغي الالتزام بها، والتي نلتزم نحن بها دائمًا: صفارة الحكم، الشرعيّة القانونيّة، الدين الصحيح، النظرة الموضوعية… إلخ. 4)إن وجهة نظرنا تمثل رأي الغالبية بكل تأكيد، وأيّة مؤشّرات تشير إلى غير ذلك فإنها -أيًّا كانت- مجرّد زيف وتضليل، خاصة أن أولئك الآخرين مهرة في عمليات الخداع والتزييف. 5)إن أبناء الجماعة الأخرى مخادعون، وقد يدعي بعضهم كذبًا أنه غير رأيه واقتنع برأينا، بل وقد ينضم إلينا فعلاً، ولكن علينا الحذر. إن هؤلاء مهما قالوا، أو حتى فعلوا، لكي يوهمونا بأنّهم قد تغيروا، فإنهم يظلون في خبيئة أنفسهم كما هم. 6)لا ينبغي أن نفرّق في مواجهتنا لأبناء الجماعة الأخرى بين “المفكّرين” و”المنفذين”، أو حتى بين “الموافقين” و”المعارضين” في صفوفهم، فكلهم نسيج واحد، يحاولون بلعبة توزيع الأدوار هذه تشتيت جهودنا وإيقاعنا في حبائلهم. إن ما يبدونه من تنوّع في المواقف ليس سوى نوع من الخديعة. 7)ينبغي أن ننقّي صفوفنا من أولئك المتخاذلين الذين يدعون إلى إقامة حوارٍ معهم. صحيح إنهم أبناؤنا، ولكنهم إمّا سُذّجٌ نجح الآخرون في تضليلهم، أو لعلهم عملاءٌ نجح الآخرون في دسهم داخل صفوفنا.

اقرأ ايضاً صفحات رأي متعلقة على جريدة احداث اليوم:

اضيف بتاريخ: Wednesday, December 26th, 2012 في 05:39

كلمات جريدة احداث: ,

اترك تعليقاًً على هذا الرأي