على جمجوم

احداث مصر

عصرنا يعانى من عمى لا مثيل له

يميل الكائن الإنسانى إلى تناسى الحقيقة الماثلة فى أن ما كان يصلح لزمان مضى لا يظل بالضرورة صالحا لكل زمان إلى الأبد.وتحت تأثير ذلك الميل،يتشبث الإنسان بالطرق القديمة التى كانت ذات صلاحية فى زمانها،بعد أن تكون قد فقدت صلاحيتها،ولا يتوصل إلى التحرر مما يجعله يفعل ذلك إلا بأفدح التضحيات وبتحمل آلام لا توصف.وذلك يصدق على أجل الأمور مثلما يصدق على أهونها شأنا.فأساليب الطفولة وعاداتها،التى كانت أصلح ما تكون لمرحلة الطفولة،لا يكاد يمكن التخلى عنها وتنحيتها جانبا حتى بعد أن تكون الآثار الضارة الناجمة عن التعلق بها قد قام البرهان على أنها ضارة منذ وقت طويل.ونفس الشىء يصدق،بشكل أفدح وأخطر،فيما يتعلق بتغيير المواقف.فالموقف الجمعى الذى يتخذه البشر تجاه أى موضوع من موضوعات حياتهم شىء أشبه بدين يعتنقونه.ونحن نعرف أن التغيرات الدينية شكلت دائما أحد أفظع الفصول إيلاما فى تاريخ العالم

وفيما يتعلق بذلك،نجد أن عصرنا يعانى من ضرب من العمى لا مثيل أو قرين له يجعلنا نتصور أننا بمجرد أن نسلم بأن هذا البند أو ذاك من بنود الإيمان قد فقدت صلاحيته إذ تبين لنا أنه غير صائب،نكون قد بتنا بمأمن من فعل الآثار التقليدية لمثل تلك البنود التى تقادمت فى المسيحية واليهودية والإسلام ( وهذا وهم كبير ومخيف ) متناسين تماما أن الدين إنما هو موقف سيكولوجى وأسلوب محدد من أساليب التكيف للعالم ظاهرا وباطنا وأنه يصنع لنا نمطا ثقافيا محددا نعيش فى إطاره،ويخلق لنا جوا عاما يظل غير قابل للتأثر بأى نفى أو تكذيب عقلانى ( أى أن طرد فكرة صحة الدين عقليا لا يستتبع طردها نفسيا وبنفس القوة ).حقيقة أن تغيير الواجهة الخارجية له أهميته كمؤشر على إمكانات مستقبلة،غير أن الذات تظل _ على مستوى أعمق _ شغالة،لوقت طويل،على هدى الموقف القديم بفعل قوانين العطالة النفسية

قرب أواخر النصف الأول من القرن التاسع عشر،انفتح مجال دراسة جديد وغير متوقع أما علم الأساطير المقارن.فحوالى ذلك الوقت أمكن فك شفرة الكتابة الهيروغليفية المصرية والكتابة المسمارية البابلية،وبذا أمكن الكشف عن_واخراج الكثير_من المادة الأسطورية من الظلام الذى كان يحتويها

ومما أضفى على ذلك المجال من مجالات البحث إثارة وأعطاه زخما مضافا أنه أتاح استخدام نهج أكثر علمية فى دراسة العهد القديم ( الذى يعتبر حجر الزاوية لكل من الديانات الإبراهيمية الثلاث : اليهودية والمسيحية والاسلام ).لأنه_بالوقوف على المادة الميثولوجية المصرية والبابلية التى أخذت تتكشف تدريجيا _ بات من الواضح أن بعض مادة العهد القديم ذات طبيعة أسطورية,وذلك من خلال ما تبين من تشابه وتواز بينها وبين الأساطير التى اكتشفت من المصادر المصرية والبابلية

تم نقل هذا المقال بتصرف

من مقدمة كتاب الجنس فى التوراة وسائر العهد القديم

لشفيق مقار

اقرأ ايضاً صفحات رأي متعلقة على جريدة احداث اليوم:

اضيف بتاريخ: Sunday, May 20th, 2012 في 13:47

كلمات جريدة احداث: , ,

اترك تعليقاًً على هذا الرأي