حروب غيرت مجريات العلاقات الدولية بقلم شنكاو هشام
1الحرب العراقية الكويتية :
بعد انتهاء حرب الخليج الأولى عام 1988 بدأت بوادر خلافات بين النظام العراقي البعثي والسلطات الكويتية، وكانت الذرائع للرئيس العراقي الأسبق وهو وجود خلافات حول بعض أبار النفط في المناطق الحدودية، أما بشكل غير مباشر فكان صدام يعيد إحياء أفكار حول كون الكويت أحد المحافظات التاريخية التابعة للعراق في 2 غشت 1990 بحيث اجتاحت القوات العراقية الكويت وأحاطت بحكم أن الصباح لحين عودتهم بعد انهيار الجيش العراقي على يد قوات التحالف في حرب الخليج الثانية وتبدأ الأزمة في 23 سبتمبر 1989 حينما زار العاصمة العراقية أمير الكويت الشيخ جابر الصباح وقلده الرئيس العراقي صدام حسين أعلى وسام عراقي، لم يثير موضوع الحدود بينهما حتى يتجنبا إفساد جو الزيارة ولكن أحد الوزراء الكويتيين هو الذي أثار هذه النقطة مع الدكتور أحمد سعدون نائب رئيس الوزراء العراقي في الشؤون الخارجية إذ سأله عما إذا كان يرى الفرصة ملائمة لعقد معاهدة عدم الاعتداء بين العراق والكويت على غرار المعاهدة العراقية السعودية وكان رأي الوزير الكويتي أن عقد مثل هذه المعاهدات يؤدي إلى اطمئنان الخواطر وكان تعليق الدكتور سعدون حمادي أولا التفاوض في ترسيم الحدود ثم مسألة معاهدة عدم الاعتداء ومنذ سبتمبر 1989 احتدمت الخلافات في موضوع أسعار النفط وحصص منظمة الأوبك وتزايدت درجة الحرارة بين البلدين ففي يناير 1990 زار الدكتور سعدون الكويت حيث التقى نظيره الكويتي، ثم تبين أن مهمة الزائر العراقي هي طلب قرض قيمته عشرة مليار من الدولار لتمكين العراق من مواجهة أزمته الاقتصادية بعد الحرب وتداخلت القضايا واختلطت قضايا المساعدات بقضايا الحدود وقضية أسعار النفط وتعقدت الأمور، وفي فبراير 1990 زار الشيخ صباح الأحمد الصباح العراق لمتابعة القضايا المتداخلة وقد ألمح الزائر الكويتي إلى الديون السابقة على العراق للكويت وأشار إلى أن الكويت تستطيع تقديم 500 مليون دولار تضاف إلى الدين القديم وكان طرفان كلاهما على موقف متعارض وحسب طرفان بأنهما اتفقا فقط طلب العراق تسهيلات بحرية مثيلة للتسهيلات التي حصل عليها أثناء الحرب ضد إيران وطلب كذلك تطبيق معاهدة الدفاع مشترك بين البندين وظن الدكتور حمادي أن نظيره الكويتي موافق وطلب الشيخ الصباح من سعدون حمادي تشكيل لجنة لترسيم الحدود وظن أن نظيره العراقي موافق ومحاولة دول الخريج عقد اتفاق بين المملكة العربية السعودية والكويت والعراق لمعالجة الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها العراق إلى أن المفاوضات فإنها قد وصلت إلى طريق مسدود.
وفي 3 مايو 1990 عاد العراق إلى شكواه المزمنة من الكويت بسبب إنتاجها الزائد على حصتها في اتفاقات الأوبك فتقدم طارق عزيز ووزير الخارجية العراقي، بشكوى حول ارتفاع معدل إنتاج النفط في دول الأوبك بما يشكل خطر متصاعد على العراق منذ أوائل يوليو 1990 بحيث بدأت تظهر علنا بوادر تفجر الأزمة وظهر ذلك بعد استقبال الرئيس العراقي وزير نفط المملكة السعودية هشام الناظر في بغداد في 8 يوليو الذي نقل إليه رسالة شفاهية نخص أسعار النفط وأوضاع السوق النفطية إضافة إلى العلاقات السعودية العراقية، كما عرض المبعوث السعودي على الرئيس صدام نتائج زيارته كلا من الكويت ودول الإمارات العربية المتحدة ولم تكن هذه الخلافات بدايتها الحدود بل كانت هناك خلافات على الحدود بعد استقلال الكويت عام 1961 واعتداءات العراق على الكويت في الصامتة عام 1973.
ففي الثاني من أغسطس 1910 احتل أزيد من 120000 من الجنود العراقيين الكويت، ورغم أن الرئيس العراقي أنه لبى دعوى من طرف المنشقين الكويتيين لكن هذا الاجتياح بدا واضحا أنه يهدف إلى حل الخلافات الجارية بين العراق والكويت بالقوة، ثم تطور إلى ضم تام للقطر، وقد وجه مجلس الأمن بالغزو العراقي للكويت انضم المدعى في ظروف دولية متغيرة فمع نهاية الحرب الباردة ساد اعتقاد بأنه يصعب على الدول الكبرى توفير حماية دولية لدول معتدية كما هو الحال إبان الحرب الباردة حيث تسرع الدول الكبرى لحماية احد قائدها خصوصا في مجلس الأمن حيث حق الفيتو، كما أن موجة التفاؤل شملت الأمل في تفعيل دور الأمم المتحدة وخصوصا مجلس الأمن الأمر الذي دعا البعض إلى الاعتقاد بأن الأزمة في الخليج الفارسي تعتبر أول اختبار حقيقي لنظام الميثاق للأمن الجماعي.
2- إدانة مجلس الأمن للعدوان العراقي على الكويت :
فور وقوع العدوان العراقي على دولة الكويت اجتمع مجلس الأمن بناء على طلب من الكويت والولايات المتحدة الأمريكية واتخذ أول قرار فيما يتعلق بالحالة بين الكويت والعراق وهو قرار 660-1990 في 2 غشت 1990 وقد اتخذ ذلك القرار بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة أي في إطار آلية الضمان الجماعي حيث قرر المجلس أنه يوجد خرق للسلم والأمن الدوليين فيما يتعلق بالغزو العراقي للكويت وبناء عليه يدين المجلس ذلك الغزو ويطالب بإنهاء احتلال الكويت دون قيد أو شرط وقد صدر القرار بأغلبية 14 صوتا مقابل لا شيء ولم يشترك مندوب اليمن في التصويت على أنها اعتراف غير مباشر بالضم كما طالب العراق بإلغاء إجراءاته التي ادعى بها ضم الكويت وقد صد القرار بالإجماع
أيدت هذا القرار 13دولة وامتنعت عن التصويت دولتان هما كوبا واليمن وتبنته كل من كندا وكولومبيا وساحل العاج وفلندا وأثيوبيا وفرنسا وماليزيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة وزائير، وقال مندوب كندا مستر فورينز “إنه مما لاشك فيه أن العدوان العراقي على الكويت غير مقبول على الإطلاق وهو يمثل انتهاكا صارخا لميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي وأن حكومة كندا توافق على مشروع القرار، وقال بلانك مندوب فرنسا : إننا ندين وبدون أي تحفظ الغزو العراقي للكويت ونطلب من القوات العراقية الانسحاب الكامل من الكويت حالا، وقال تاديس : مندوب أتيوبيا إننا ندين العدوان العراقي على الكويت وإننا مستعدون للتعاون بكل طاقاتنا لمواجهة هذا الموقف المحزن الذي يتعدى الحفاظ على السلام والأمن الدوليين ونطالب العراق بالانصياع للقرار 660-1990 ونعلن تضامننا الكامل مع الكويت حتى تستعيد حريتها وسيادتها ووحدتها الترابية وكل أراضيها.
3- نتائج الغزو العسكري للكويت :
أحدث الغزو العراقي للكويت شرطا عميقا في التضامن والوفاق العربي، ولكن لن تقتصر تداعياته على مدى التطور بل تستمر حتى المدى البعيد الآن، ذلك أن هذا الفعل قد عمق الخلاف ويعيد أجواء انعدام الثقة بين أقطار النظام العربي كما أنه قد خلق سابقة خطيرة في إدارة العلاقات العربية –العربية وهي استخدام الأداة العشرية في إدارة هذه العلاقات يمكن أن تشكل إرهاصات لحروب عربية- عربية قادمة ولا نهاية لها ولقد اتسمت هذه المرحلة بعد انتهائها ظهور التحركات السياسية العراقية وهذه التحركات اتفقت بنوعين من السلوك أولهما سلوك خارجي يتمثل في المساعي السياسية والدبلوماسية لدى الأطراف الدولية والقوى الكبرى لدعم الموقف العراقي من غزو الكويت، وثانيهما المبادرات والأطروحات السياسية التي أعلنها صدام حسين بشأن قضايا الصراع والأزمات.
4- توقيع العقوبات ضد العراق :
كان إنفاق العراق في الانصياع لدعوة الأمم المتحدة للانسحاب من الكويت سيؤدي بالضرورة إلى النظر في احتمال استخدام القوة فإنه يمكن التساؤل مع روزلين هيجنز.
في إمكان استخدام قدر من القوة لدعم فعالية العقوبات الاقتصادية وبألفاظ أخرى حتى وإن لم يذهب مجلس الأمن لإجراءات عسكرية معينة تحت المادة 42 كوسيلة مختارة لفرض السلام وهل يمكن استخدام إجراءات عسكرية محدودة لضمان فعالية الوسائل البديلة المختارة وتحديد العقوبات الاقتصادية، وفي حالة العراق هل يهيئ القرار السلطة اللازمة لفرض العقوبات الاقتصادية وإن كان بالقوة إن لزم الأمر.
وبالرجوع للممارسة السابقة لمجلس الأمن نجده مرة واحدة فقط خلال الحرب الباردة فوضت قوات عسكرية باستخدام القوة لفرض عقوبات اقتصادية، ففي عام 1965 وقع مجلس الأمن عقوبات اقتصادية ودبلوماسية ضد روديسيا الجنوبية
وفي عام 1966 مهتما باحتمال تسليم النفط إلى ميناء Beria في موزمبيق التي تخضع للحكم البرتغالي تسليم من بعد إلى روديسيا الجنوبية.
5- توقيع الجزاءات على العراق :
في أول القرارات التي أصدرها مجلس الأمن في حالة الكويت والعراق القرار 660-1990 بحيث وجه مجلس الأمن إنذار بأنه إذا لم يسحب قواته من دون قيد شرط من الكويت فغنه سوف ينظر في اتخاذ خطوات أخرى لضمان الامتثال لهذا القرار.
وحيث أن العراق لم يمتثل لقرار الانسحاب رأى المجلس بمقتضى قرار 660-1990 في 2 أغسطس 1990 ضرورة توقيع الجزاءات ولا تتطلب استخدام القوات المسلحة على تلك الدولة المدانة بالعدوان وذلك عملا بنص المادة 4 من الميثاق وتتلخص هذه الجزاءات في مطالبة جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بوقف العلاقات التجارية والمالية والعسكرية مع العراق باستثناء الإمدادات المخصصة بالتحديد للأغراض الطبيعية والمواد الغذائية المقدمة في ظروف إنسانية وقد أنشأ المجلس لجنة خاصة لمتابعة تنفيذ عقوبات ولاشك في أن توقيع جزاء المقاطعة الاقتصادية والعسكرية على العراق هو التزام قانوني يقع على عاتق جميع الدول الأعضاء في المنظمة وذلك عملا بنص المادة 3/5 من الميثاق والتي تقضي بأن يقدم جميع الأعضاء في كل ما في وسعهم من عون إلى الأمم المتحدة في أي عمل تتخذه وفق هذا السياق، كما يمتنعون عن مساعدة أية دولة تتخذ الأمم المتحدة إزاءها عملا من أعمال المنع أو القمع.
6- معركة تحرير الكويت :
بعد خمسة أشهر من اندلاع الأزمة في 02/08/1990 كان الوضع يسير إلى مواجهة حتمية فقد صدر قرار المجلس الأمن طالبت العراق بالانسحاب من الكويت، وبعد أن فرضت عليه حصارا بريا وجويا وبحريا وقد أغلق هذا الحصار كل منافذ العراق وقد أعطى مهلة 10 يناير للانسحاب أو الحرب واستعد الطرفان للقتال واحتشدت الألف الدبابات في منطقة الخليج على استعداد للقتال، مع إصرار عراقي على عدم الانسحاب من الكويت والتصميم على اعتبار الكويت هي المحافظة التاسعة عشرة من محافظات العراق.
وفي نفس الوقت كان قد تم استبعاد جميع الوسائل السلمية من باقي الدول التي لا تريد للعراق التورط في حرب لن يخرج منها إلا مدمرا، وكانت هذه المحاولات تتمثل في الدول العربية والأسيوية للوصول إلى حل سلمي قبل انقضاء مهلة الإنذار الدولي الموجهة للعراق.
وفي البيت الأبيض أخذ الرئيس الأمريكي بوش يعيد مراجعة بعد التفاصيل العسكرية لعملية عاصفة الصحراء مع بعض أعوانه وبالذات في تفاصيل الضربة الجوية والتي ستسبق الهجوم البري الكبير وكان الجنرال ميريل ماكييك قائد الجوية الأمريكية هو الذي أخذ يجيب الرئيس الأمريكي ويوضح له التفاصيل التي يسأل عنها، وكان ذلك من الساعة السادسة مساء بتوقيت واشنطن والواحدة صباحا بتوقيت الخليج وقد اتخذ بوش مكانة في أحد صالونات البيت الأبيض ومعه غائبة دار كويل ومعه برنت مكركروفت مستشارة لشؤون الأمن القومي وجون سنوفر مسؤول البيت الأبيض والتليفونات بجانبه تدق دون انقطاع، وفي السادسة دقيقة قطعت شبكة التليفزيون A.B.C برامجها وأعطت الكلمة لمراسلها في بغداد الذي أعلن عن بدء الغارات الجوية على العاصمة العراقية وكان تعليق بوش على ذلك الخبر أن قال ذلك بكل هدوء أن المعركة قد بدأت في وقتها المحدد لها.
ولقد استعملت في هذه الحملة مجموعة من القنابل ما يسمى بالقنابل الذكية والعنقودية وصواريخ كروز بحيث قام العراق بالرد على هذه الحملات الجوية بتوجيه 8 صواريخ سكود أرض أرض إلى أهداف داخل إسرائيل في 18 يناير 1991 بالإضافة إلى إطلاق صواريخ سكود على كل من مدينتي ظهران والرياض والسعودية، ومن ضمن الأهداف التي أصابتها الصواريخ العراقية داخل الأرض العسكرية الأمريكية في الظهران في السعودية أدى الهجوم إلى مقتل 28 جندي أمريكي مما أدى إلى عملية انتقامية بعد انسحاب القوات العراقية وقصف القوات المنسحبة في عملية سميت بطريق الموت، وفي الرياض أصابت الصواريخ العراقية مبنى الأحوال المدنية ومبنى مدارس تحد الأهلية الذي كان خاليا وقتها. كان الهدف الأول لقوات الائتلاف هو تدمير قوات الدفاع الجوي العراقي لتتمكن بعد ذلك من القيام بغاراتها بسهولة وقد تم تحقيق هذا الهدف بسرعة وبسهولة حيث تم إسقاط طائرات عراقية وإسقاط طائرة من قوات الائتلاف في الأيام الأولى من الحملة الجوية بحيث كان معظم الطائرات تنطلق من الأراضي السعودية وحاملات الطائرات الستة المتمركزة في الخليج العربي.
وبعد تدمير معظم قوات الدفاع الجوية العراقي أصبحت مراكز الاتصال القيادية الهدف الثاني للغارات الجوية، وتم إلحاق أضرار كبيرة بمراكز الاتصال مما جعل الاتصال يكاد يكون معدوما بين القيادة العسكرية العراقية وقطاعات الجيش، وقامت الطائرات العراقية بطلعات جوية متفرقة أدت إلى إسقاط 38 طائرة ميج عراقية من قبل الدفاعات الجوية لقوات الائتلاف وأدرك العراق أن طائراتها السوفيتية الصنع ليست بإمكانها اختراق الدفاعات الجوية لقوات الائتلاف فقامت بإرسال المتبقى من طائراتها إلى إيران، وبدأ العراق في 23 يناير 1991 بعملية سكب متعمد لما يقارب مليون طن من النفط الخام إلى مياه الخليج العربي.
وبعد تدمير الدفاعات الجوية ومراكز الاتصال العراقية بدأت الغارات تستهدف قواعد إطلاق صواريخ سكود العراقية ومراكز الأبحاث العسكرية العراقية والسفن الحربية العراقية والقطعات العسكرية العراقية المتواجدة في الكويت ومراكز توليد الطاقة الكهربائية ومراكز الاتصال الهاتفي ومراكز تكرير النفط والموانئ العراقية والجسور وسكك الحديد ومراكز تصفية المياه، وقد أدى هذا الاستهداف الشامل إلى تدمير البنية التحتية العراقية إلى عواقب لا تزال أثارها شاخصة إلى حد هذا اليوم.
7- نتائج عملية تحرير الكويت :
خسر العراق معظم القوات العسكرية، كما خسر المعركة السياسية وفقد ما يزيد على ثلثي قواته المسلحة وما بين 80 و100 ألف قتيل ورضخ في النهاية للإرادة الدولية وتم تحرير الكويت بالقوة المسلحة.
كما تكبدت قوات التحالف مبالغ مالية ضخمة كما دمرت قوات التحالف البنية التحتية للعراق ووصل عدد هذه الغارات إلى ما يقارب 97 ألف غارة، وبالتالي فإن العراق سوف يحتاج إلى مبالغ مالية لإعادة ما دمرته الحرب.
كما تعرضت الكويت لعملية دمار نسبي سواء على أيدي القوات العراقية التي أحرقت ودمرت البنية التحتية وحرقت أبار البترول وسربت النفط إلى مياه الخليج وتم تقدير تكاليف إعمار الكويت بمبالغ طائلة تصل إلى حوالي 40 مليار دولار في الوقت الذي فقدت فيه نسبة لم تقدر بعد من إمكانيات إنتاج النفط مستقبلا
1الحرب الأمريكية الافغانية
جاءت الحرب على أفغانستان نتيجة لتدابير الإستراتيجية والأمنية التي اتخذتها الولايات المتحدة الأمريكية سواء على المستوى الداخلي والخارجي، واتجاه مختلف حلفائها التقليديين والجدد نحو تهميش صلاحيات منظمة الأمم المتحدة والتي أحكمت السيطرة عليه وبدأت في تطبيق السيناريوهات المتعددة لمواجهة تبعات 11 من شتنبر ومحاربة الإرهاب الدولي
ذلك أن الولايات المتحدة رأت لنفسها الحق في أن تدافع عن نفسها في مواجهة الأنظمة المراقة التي تهدد أمنها القومي.
ويعتبر البعض أن غزو أفغانستان هو أول جولة عسكرية في الحرب على الإرهاب والقوات المشاركة في الغزو هي قوات التحالف الدولية وقوات التحالف الشمالي الأفغاني ضد حركة الطالبان، وأعطت هذه الحرب نسبة كبيرة من التأييد لسياسات بوش الخارجية إذ حصل وبالإجماع من الكنغرس ومجلس الشيوخ على 40 مليار دولار لحملة على الإرهاب و20 مليار دولار لتعويض الخسارة التي طال قطاع الطيران عقب أحداث 11 سبتمبر 2001.
لكن تبعث هذه الحرب على الساحة الأفغانية أضحت واضحة للعيان، بحيث تضاعف الإنفاق العسكري الأمريكي بمعدل خمسين مليار دولار وأكدت الدراسات أن مصاريف بلغت 437 مليار دولار أضف إلى ذلك واقع حال الجنود والتحالف في هذا البلد المستضعف إذ يوميا يتم الإعلان عن سقوط المروحيات وموت العشرات القتلى من هذه القوة الغازية الشيء الذي أصبحت معه مقولة الفوز محطة خيال. وبالتالي يمكن القول بأن غزو أفغانستان كان خطأ كبيرا وكان ذلك سوء تقدير من الإدارة الأمريكية التي قضت على نفسها في العراق.
2 الموقف من الحرب على أفغانستان :
لم تكن المواقف من الحرب الأمريكية على أفغانستان شديدة التباين فالموقف العالمي بدأ مساندا للولايات المتحدة في حربها على ما أسمته بالإرهاب، أما الدول العربية فالأغلب أيد هذه الحرب بل إن بعض منها عرض المساعدة والعون على القوات الأمريكية الغازية ولكن القليل رفض هذه الحرب على استحياء.
ولقد تضاربت مواقف الدول العربية حول الحرب بين مؤيد ومستحي من هذه الحرب.
– 3 الموقف العربي من الحرب على أفغانستان :
1- الجامعة العربية :
دعت جامعة الدول العربية إلى ضبط النفس وعدم توسيع المواجهة وذلك غداة عمليات القصف الأمريكي والبريطاني على أفغانستان، وقال أمينها العام عمرو موسى في تصريحات للصحفيين في اليوم الثاني من بدء الضربات العسكرية نرجو ونطالب حالا بتطور الاستخدام العسكري إلى المساس بأي دولة عربية.
– الموقف الدولي من الحرب على أفغانستان :
1- مجلس الأمن :
تم إبلاغ مجلس الأمن الدولي بالهجمات بعد وقوعها واستجابت الولايات المتحدة وبريطانيا لطلب الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان بتقديم بيان تفصيلي مكتوب حول العمليات العسكرية إلى مجلس الأمن وتم تقديم البيان في اليوم التالي لوقوع الهجمات.
2- الناتو :
بدأ حلف شمال الأطلس بالاستعداد للمشاركة في العمليات العسكرية ضد أفغانستان في اليوم التالي لوقوع الهجمات، وقالت مصادر مسؤولة بالحلف إن طائرات الاستطلاع من طراز أواكس التابعة للناتو والموجودة في قاعدة جايلنكيرش الألمانية بدأت الاستعداد بالانتشار في قواعد أميريكية وأضافت المصادر أن نشر الطائرات سيتم في إطار العمليات العسكرية التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية ضد ما يسمى بالإرهاب وأعلن الأمين العام لحلف الأطلس جورج روبرتسون تأييد الحلف المطلق للولايات المتحدة في ضرباتها على أفغانستان.
1 الحرب الأمريكية العراقية
لقد بدأت بوادر الصراع الجديد مع حلول الذكرى السنوية الأولى لتفجيرات المركز التجارة العالمي بنيويورك والبنتاغون سنة 2001، وبذلك بدأت الولايات المتحدة الأمريكية إحياء الملف العراقي، بدعوى توقيف أنشطة المفتشين الدوليين بدعوى أن العراق قد استأنف أنشطة التسليح بما فيها مساعيه لإنتاج وامتلاك أسلحة الدمار الشامل مما يمثل حسب الإدارة الأمريكية انتهاكا فعليا من جانب العراق للقرارات الأممية الصادرة ضده والتي تلزمه بضرورة التوقف على الأنشطة التسلحية والتخلص منها.
وبالرغم من هذا التبرير فإن الولايات المتحدة الأمريكية كانت قد قررت منذ عقد من الزمن احتلال العراق، ولكن حين وصول المحافظين الجدد إلى السلطة كان عليها أن تختلف أسباب لشن الحرب فوجدت ضالتها في بث الرعب في نفوس سكانها من امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل لتحصل على تأييد ممثلي شعبها في شن الحرب على العراق واستغلت أحداث شتنبر المأسواوية لتقول لمواطنيها إن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل وأن لصدام حسين تعاونا مع تنظيم القاعدة فتمة احتمال أن تتسرب هذه الأسلحة إلى أيدي عناصر القاعدة ليستخدموها ضد أهداف أمريكية أو غربية، وبالتالي وجدت الولايات المتحدة في قرار مجلس الأمن خير مرتكز لفبركة حملة الافتراءات حول أسلحة الدمار الشامل العراقية ولاسيما بالسلاح النووي.
ومن الأسباب الحقيقية للعدوان الأمريكي على العراق تعود إلى أهداف إيديولوجية اقتصادية رأسمالية وصهيونية وحضارية بالدرجة الأولى، فالغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية يدركون جيدا على أن قوة العراق الحضارية كمهد للثقافات وكأرض للدائرة العربية والإسلامية هو شيء يهدد سيادة ثقافته وقيمه الديمقراطية.
إن الحرب على العراق ليست لها علاقة بجلب الديمقراطية إليه ولا باحتلاله أسلحة الدمار الشامل ولا بمكافحة الإرهاب، والحقيقة أن أمريكا استذلت المناخ الذي هيأت هجوم 11 شتنبر لتعزيز إستراتيجيتها في الهيمنة، فهذه الحرب كما الحرب على أفغانستان مرتبطة بحاجة الولايات المتحدة لضمان السيطرة على إمدادات النفط في المنقطة الممتدة من وسط آسيا وحتى البحر الأبيض المتوسط، ولضمان أمن إسرائيل على مدى السنوات القادمة.
إن الحرب على العراق لا يمكنها أن تندرج في الحملة المزعومة ضد الإرهاب، إلا من خلال باب الافتعال السياسي فهي جزء لا يتجزأ من النظام الرأسمالي المؤسس على الطموح الغير المحدود للأرباح، والحقيقة هي أن الطبقة الحاكمة داخل الولايات المتحدة الأمريكية تسعى إلى إحلال أنظمة تابعة ومطلقة الولاء محل أي نظم لديها أدنى هامش من الاختلاف وذلك ضمانا لمصالحها الإستراتجية وعلى رأسها تأمين النفط.
وفي السياق ذاته فإن السعي لإقامة نظام من هذا القبيل في بلد منتج للطاقة بحجم العراق، ويعتبر التجسيد الأول لهذا التوجه، فهذا البلد توجد فيه أكبر محطات الغاز في العالم وتحوي أراضيه على محيطات من النفط وذلك سيكون في خدمة الاستهلاك الكبير للولايات المتحدة للنفط حيث تبلغ احتياطات النفط في العراق المؤكدة في 115 مليار برميل أي نحو 1.11 من الاحتياطات العالمية.
وبالإضافة إلى تلك المميزات المطلقة للنفط العراقي، هناك الربحية الهائلة في الاستثمار في هذا القطاع. خاصة وأن حقول النفط العراقية تعتبر من أغزر الحقول في العالم وأكثرها قربا من سطح الأرض مما يوفر نفقات ضخمة في عمليات التنقيب والاستخراج، وتفيد الدراسات الدولية أن معدل إنتاج البئر في العراق يتراوح ما بين 10 إلى 11 ألف برميل سنويا بينما متوسط إنتاج أبار النفط في دول أوبك الأخرى لا يزيد عن 84 ألف برميل يوميا.
لذلك قررت الامبريالية الأمريكية الانتقال من سياسة الاحتواء إلى طور الإجهاز على النظام القائم في بغداد واحتلال العراق عسكريا لسنوات طويلة.
ومن الأسباب الأخرى للتدخل الأمريكي في العراق يمكن اعتبار الحرب كمخرج للأزمة الاقتصادية حيث يمكن الحديث عن بوادر الأزمة الاقتصادية في الولايات المتحدة الأمريكية وهي كدافع إضافي وحالي لنزوع الطبقة الحاكمة الأمريكية نحو الحرب.
وما يساهم في زعزعة مكانة الولايات المتحدة ليس أسلحة الدمار الشامل بل التدهور الاقتصادي الناتج عن طبيعة النظام الرأسمالي من فساده واستبداده ومن الهبوط في أرباح الشركات نتيجة ظاهرة الإنتاج الفائض الذي لا تنجح السوق الرأسمالية في استيعابه. والمخرج من هذه الأزمة هو إقرار سياسة بربرية تبيح قلب أنظمة واحتلال الولايات المتحدة للدول.
وليس هناك شك في أن الأزمة الاقتصادية الأخيرة تنضاف إلى الأوجاع الطويلة المدى، فعلى الرغم من استمرار احتفاظها بمكانة الدولة ذات الاقتصاد الأكبر في العالم إلا أن الولايات المتحدة تعاني من تراجع متواصل وتاريخي في حصتها من إجمالي الناتج العالمي، وبالتالي انعكست الأزمة الاقتصادية الأمريكية على توجهات الرأي العام داخليا، خاصة بين أوساط الطبقة العاملة.
كما أن هذه الحرب أصبح لها تأثير وتداعيات على القانون الذي اصطبغ دائما بالطبع الخاص ومزدوج الرؤية والتطبيق بالقدر الذي تجد فيه الولايات المتحدة الأمريكية أو تمنع من تدوينه وتطوره المضطر عبر إحجامها أو امتناعها عن التصديق على كثير من الاتفاقيات الدولية والجماعية التي تهم تدوين القانون الدولي في بعض المجالات الدولية التي تعرف فراغا تشريعيا دوليا، بالقدر الذي تنظر فيه إلى القانون الدولي كجزء من القانون الأمريكي الذي يسمح لها بالعمل على تنفيذ أحكامه وجبر مطالب فيه على الخضوع له.
ولعل هذه الرؤية المزدوجة والسلوك الدولي المتناقض للولايات المتحدة الأمريكية وعبر كثير من ممارستها الدولية هو ما يفسر لناشر فرقها لقواعد القانون الدولي كما هو متعارف عليه عالميا وفي نفس الوقت تبرير خروقاتها المتعددة لهذا القانون كونه تصويب لهذا القانون ودفاعا عن حرمته وعدم انتهاكه من طرف المجتمع الدولي.
ولعل هذه الصورة تتوضح أكثر وبجلاء من خلال توسيع قرار بحرب العراق كونه قرار ينسجم مع القانون الدولي في حدود اعتباره جزء من القانون الأمريكي الذي يسمح لها بالدفاع الشرعي الوقائي والاستباقي ضد خطر كامن ومرتقب تمثله العراق من خلال حيازته لأسلحة الدمار الشامل.
وفي السياق ذاته عبر كل من جورش بوش وتوني بلير عن احتقارهما شديد للقانون الدولي والمؤسسات الدولية في قمة جزر الأزور عشية الغزو الأمريكي للعراق وأصدر إنذار للعراق ولمجلس الأمن “عليك أن تدعن وإلا فإننا سنقوم بعملية الغزو دون أن تبصم موافقتك التافهة وإننا سنفعل ذلك سواء غادر صدام وعائلته البلاد أم لا”، إن عصب المسألة هو أن الولايات المتحدة مصرة على أن تحكم العراق لقد أعلن جورج بوش بأن الولايات المتحدة لها تخويل مطلق باستخدام القوة العسكرية للدفاع عن أمنها القومي المهدد بالعراق مع صدام أو بدونه.
وبذلك فإن بوش يرسخ وجود القوة الأمريكية في المنطقة ولا بأس بالديمقراطية شكلية واستلامية المقبولة في الكواليس الأمريكية هذا على الأقل ما يقول التاريخ والممارسات الدولية
لقد بدأت الحرب الأمريكية على العراق عارية من أي عطاء شرعي مقبول. خصوصا بعد سقوط المبررات التي ساقتها الولايات المتحدة الأمريكية والمتعلقة على وجه الخصوص بنزع أسلحة الدمار الشامل العراقية، الأمر الذي ضاعف من المعارضة الدولية للحرب وصار الحديث يتركز أكثر على الأهداف الحقيقية للحرب والقوى التي تقف وراء تأجج نارها، وعلى الرغم من اتسام هذه الحرب بعدم المشروعية، كونها تقررت ونفذت خارج سلطة الأمم المتحدة وتحديد مجلس الأمن، فقد سعت الولايات المتحدة الأمريكية منذ البداية لحشد الدعم العسكري الدولي، قصد إظهار الطابع الجماعي للفعل غير المفوض من مجلس الأمن، وقد نجحت الولايات المتحدة عقب احتلال العراق في الحصول على هذا الدعم من دول أوروبية وغير أوروبية ساهمت بقوات أرسلتها إلى العراق تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية بعد أن كان المجهود الحربي قبل احتلال العراق ينحصر في قوات الولايات المتحدة تساعدها قوات من إنجلترا.
غير أنه وبالنظر لنجاح المقاومة العراقية التي أربكت المخططين العسكريين الأمريكيين، وحجم الخسائر التي لحقت بقوات الولايات المتحدة في العراق والمتطلبات والاحتياجات الأمنية والاقتصادية والسياسية التي يصعب النهوض بها من قبل دولة واحدة عادت الولايات المتحدة من جديد تطلب الدعم الدولي ولما كانت أغلب دول العالم قد ربطت مشاركتها في القوات الدولية العاملة في العراق بضرورة تفويض هذا العمل من مجلس الأمن، فقد اتجهت الجهود الأمريكية والدولية المشاركة في الحرب للضغط على الدول خصوصا منها الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن أو تلك الدول المؤثرة والتي أعلنت جهارا معارضتها للتدخل العسكري ضد العراق دون إذن مسبق من مجلس الأمن ألمانيا وذلك كله بقصد تحرير مشاريع قرارات تضفي المشروعية أو تعطي نوعان من الدعم العسكري أو المالي للمجهود الحربي الأمريكي في العراق
2- الذرائع المستخدمة لتبرير الحرب على العراق :
الحرب على العراق جاءت تتويجا للسياسة العدائية الأمريكية التي بدأها الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب وتابعها الرئيس كلينتون خلال فترة الرئاسة.
وقد بررت الولايات المتحدة حربها على العراق بأربع مبررات :
– المبرر الأول : هو منع العراق من امتلاك وتطوير أسلحة الدمار الشامل من نووية وكيمانية وجرثومية لما في ذلك من تهديد لأمن العالم ولأمن الولايات المتحدة الأمريكية سواء كان هذا التهديد بواسطة العراق لكي تستخدم ضد الولايات المتحدة أو ضد حلفائها.
– المبرر الثاني : هو الحيلولة دون أن يصبح العراق مركزا جديا إيواء المنظمات والعناصر الإرهابية، ولذلك حاولت الولايات المتحدة دون جدوى إثبات وجود علاقة بين العراق وتنظيم القاعدة.
– والمبرر الثالث : هو الإحاطة بالرئيس صدام حسين لأن الولايات المتحدة على حد تعبير بوش لا يمكنها أن تسمح لأسوأ القادة في العالم بابتزاز الولايات المتحدة وحلفائها وأصدقائها بأسلوب الأسلحة في العالم وباسم الدفاع عن الحرية أعطت لنفسها الحق في إحاطة حكومة الرئيس صدام حسين وتعويضها بحكومة ديمقراطية تلتزم بقرار الشرعية الدولية وتحسن معاملة شعبها وجيرانها.
– والمبرر الأخير : يعنى أن مشاريع دمقرطة المجتمعات والدول الإسلامية تتعدى مرحلة الضغوط السياسية والدبلوماسية لتصل إلى مرحلة شن حروب التدخل ولذلك فإن مشاريع الدمقرطة العشرية وفقا للشروط الأمريكية والغربية هي مولد آخر من مولدات الانقسام الإيديولوجي الجديد في عالم ما بعد الحرب الباردة.
ولقد قسم الدكتور عبد الواحد الناصر الذرائع لتبرير الحرب على العراق إلى ذرائع قانونية وسياسية.
أولا : الذرائع القانونية لتبرير الحرب على العراق
الذرائع القانونية هي ثلاث ذرائع : اثنتان استخدمتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ إدارة بوش الأب إلى الابن، أولهما الادعاء بحالة الدفاع الشرعي في استخدام للقوة العسكرية ضد العراق منذ 1991 وإلى الآن. وثانيهما هو الادعاء العمل باسم المجتمع الدولي من أجل تنفيذ قرارات الشرعية الدولية وفي مقدمتها القرارات ومنها قرار 678 عام 1990 وقرار 687 عام 1991 و1441 وعام 2002 ولاسيما ما يتعلق بنزع الأسلحة العراقية “أسلحة الدمار الشامل”.
أما الذريعة الثالثة فهي مرتبطة بمنطق الحرب على الإرهاب وتكمن في اعتبار الحرب على العراق جزءا في الحرب على الإرهاب والهدف من هذه الحرب هو منع النظام العراقي من تسريب أسلحة إلى الإرهابيين والحيلولة دون أن يصبح العراق كأفغانستان على عهد الطالبان. وهذا ما يفسر المحاولات المتكررة الأمريكية والبريطانية لإثبات وجود علاقة بين النظام العراقي وتنظيم القاعدة.
ثانيا : الذرائع السياسية لتبرير الحرب على العراق
هذه الذرائع القانونية هي مجرد غطاء أو ستار لأنك حرب الخليج الثالثة لها ذرائع سياسية تتناقض مع الذرائع القانونية لهذه الحرب، هذه الذرائع السياسية لحرب الخليج الثالثة تشمل :
1- تحرير العراق من الحكم الديكتاتوري الدموي لصدام حسين.
2- دمقرطة العراق عن طريق إقامة حكومة ديمقراطية بديلة.
3- استخدام الموارد البترولية العراقية في إعادة إعمار العراق ورفاهية الشعب العراقي.
4- القضاء على التهديد العسكري الذي يمثله النظام العراقي بالنسبة لجيرانه وبالنسبة للأمن القومي الأمريكي الذي مجموع المصالح الحيوية الأمريكية في المنطقة بما في ذلك أمن إسرائيل بيد أن هذه الذرائع السياسية تكشف زيف الذرائع القانونية المدعى بها وتكشف من جهة أخرى عن الأسباب الحقيقية لحرب الخليج الثالثة.
ثالثا : ضعف مصداقية مبررات الحرب على العراق
قد مر الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن تقريرا إلى مجلس الأمن في سبتمبر 2002 ذكر في التقرير سبع مبررات تستند عليها الإدارة الأمريكية لشن حربها على العراق وهي عدم احترام بغداد لستة عشر قرار صادر عن الأمم المتحدة وأن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل وهو مسؤول عن انتهاكات لحقوق الإنسان من تعذيب واغتصاب وإعدامات فورية، وله ارتباط بالإرهاب ويحتجز لديه أسرى حرب من ضمنهم طيار أمريكي، وأنه لازال يحتفظ بثروات نهبها عند اجتياحه للكويت.
والولايات المتحدة استندت على ثلاث مبررات أساسية وذلك من أجل الوقوف على مصداقيتها وصحتها بعد انتهاء الحرب على العراق.
1- امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل :
من أكثر المبررات التي ركزت عليها الإدارة الأمريكية امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل، هذا ما أكده بوولفووتيز نائب وزير الدفاع الأمريكي عندما قال “لقد تفاهمنا على نقطة واحدة هي أسلحة الدمار الشامل، ذلك لأنها تشكل الحجة الوحيدة التي يمكن أن يتوافق عليها الجميع”.
وبالفعل فقد طرح رئيس الولايات المتحدة وإعطاء إرادته هذه الحجة وفي أكثر من مناسبة، ففي اجتماع مع أعضاء الكونجرس في 26 سبتمبر 2002 قال الرئيس الأمريكي “إن الخطر على بلدنا فادح الخطر يتعاظم فنظام الحكم في العراق يملك أسلحة بيولوجية وكيميائية ويسعى إلى امتلاك قنبلة نووية وبما لديه من مواد انشطارية يستطيع أن يصنع واحدة في غضون عام واحد”.
وفي خطابه عن حالة الاتحاد في 28 يناير 2003 قال أيضا : “فقد عملت الحكومة البريطانية أن صدام حسين سعى مؤخرا للحصول على كميات ضخمة من اليورانيوم وفي 5 فبراير قال وزير الخارجية الأمريكي كولن باول أمام مجلس الأمن الدولي بأن تقديرنا المحتفظ هو أن العراق يملك اليوم مخزونا بين 100 و500 طن من الأسلحة الكيميائية.
بالرغم من كل هذه التأكيدات وبعد عام من نهاية الحرب الأمريكية على العراق لم تستطع الولايات المتحدة تأكيد هذه الحجة، كما عجز الفريق الأمريكي الذي كلف بمهمة التفتيش عن الأسلحة المحظورة بعد احتلال العراق من العثور على أي منها. بل الأكثر من ذلك قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالتعاون مع حليفتها بريطانيا بتلفيق بعض الأدلة عندما قالت بأن العراق سعى إلى شراء خمسمائة طن من أوكسيد اليورانيوم من نيجر يستخدم في صناعة الأسلحة الذرية، وفي مارس 2003 أعلن المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البردعي أن الوثائق التي قدمت بهذا الخصوص تشتمل على تلفيقات لا أساس لها من الصحة.
2- علاقة النظام العراقي بالإرهاب تنظيم القاعدة :
سعت الإدارة الأمريكية إلى الربط بين أحداث الحادي عشر من سبتمبر والحكومة العراقية، واتهمتها بدعم الإرهاب وعلاقتها بتنظيم القاعدة يؤكد على ذلك ما كان يدور في الاجتماعات التي عقدتها الإدارة الأمريكية بعد الأحداث وتصريحات كبار المسؤولين فيها في 15 سبتمبر 2001 دعي مجلس الأمن القومي الأمريكي إلى اجتماع قدمت فيه عدة مداخلات كان من ضمنها مداخلة لنائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني قال فيها “إنني أريد أن أركز أكثر على قضية الدول التي ترعى الإرهاب وأريد أن ألفت النظر إلى التركيز على دول لها كيان واضح أسهل من التركيز على جماعات ليس لها ملامح الدول التي ترعى الإرهاب متجسدة والجماعات الإرهابية مجرد أشباح وأظن أننا سوف ننجح أكثر في العمل ضد جسد ولا ننجح بالقدر الكافي ضد أشباح”، في نفس اليوم دعا الرئيس أركان إدارته إلى اجتماع غير رسمي خاطب فيه جوش الحضور قائلا : الشعب الأمريكي يريد عملا كبيرا مهولا فرقعة عظيمة لا أريد معركة واحدة، ولكن أريد حربا ممتدة يشعر بها الشعب الأمريكي، ويتأكد أننا نواصل الدفاع عنه حتى أقاصي الأرض ضمن الردود التي جاءت على كلام الرئيس قال بولار لفويتز نائب وزير الدفاع “إن ما يطلبه الرئيس يمكن أن يتحقق في حالة واحدة، هي حالة أن نوجه ضربتنا إلى الدول الراعية للإرهاب أو الدول الإرهابية والعراق أول القائمة بوجود صدام حسين على رأسه، في مقابلة جمعت بين كارل روفي كبير مستشاري الرئيس للشؤون الداخلية مع وزير الدفاع رامسفيلد للحديث معه عن سر الفتور الذي يسيطر على الحرب الأمريكية ضد أفغانستان لابد أن نوجه ضربتنا بعد الآن إلى الدول الراعية للإرهاب، الدول الإرهابية العراق أولها، صدام حسين ليس له صديق في العالم يدافع عنه حتى في روسيا وفي الصين وهو رجل يصعب على أحد أن يقول فيه كلمة طيبة في حقه
يتضح مما سبق أن هناك نية مبيتة لدى بعض أعضاء الإدارة الأمريكية على مهاجمة العراق من خلال ربطة الإرهاب، وكانت أحداث الحادي عشر من سبتمبر فرصة مناسبة لتحقيق ذلك، لذا بدأ الحديث في العلن عن علاقة النظام العراقي بالإرهاب وبتنظيم القاعدة بالتحديد. جاء ذلك واضحا في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي عن حالة الاتحاد 28 يناير 2003 عندما قال “تخيلوا مختطفي الطائرات التسعة عشر أولئك ومعهم أسلحة أخرى وخطط أخرى هذه المرة وقد سلحهم صدام حسين لن يحتاج الأمر إلا لتسلل قارورة واحدة، علبة معدنية واحدة قفص واحد إلى داخل هذا البلد ليجلب علينا يوم دعر لم نعرف مثيلا له”، وكان الرئيس الأمريكي قد أعلن قبل ذلك أمام مجلس الشيوخ “إننا نعرف أن العراق وشبكة القاعدة الإرهابية يتشاركان في عدو واحد الولايات المتحدة الأمريكية ونحن نعرف أن العراق والقاعدة تربطهما صلات على مستوى عال ترجع إلى عقد مضى”.
كما روجت الإدارة الأمريكية بأن محمد عطا الذي يعتقد بأنه الرأس المدبر لهجمات الحادي عشر من سبتمبر وقائد طائرة البوينغ التي ارتطمت بالبرج الشمالي من مركز التجارة العالمي اجتمع مع أحمد خليل العاني، القنصل السابق في السفارة العراقية في براغ في يونيو 2000، وقد طرد العاني بعد ذلك من الجمهورية التشيكية بتهمة التجسس، وبالتالي يمكن اعتبار ذلك دليلا على علاقة العراق بالقاعدة
إن من يقف وراء هذه الحجة قد نسى بأن النظام العراقي بقيادة صدام وتنظيم القاعدة بزعامة أسامة ابن لادن يمكن أن يتفقا على عدو مشترك ولكنهما من الصعب أن يتعاونا معا، حيث أن الحزب الحاكم في العراق حزب بعثي دو توجه علماني، مناهض لتنظيم القاعدة الذي يعترف بمعاداته للأنظمة العلمانية.
كما أن حجة محمد عطا لم تصمد طويلا حيث أكد الرئيس فكلاف هافيل في تقرير سلمه إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش بأنه لم يحدث أي اتصال بين محمد عطا وبين عملاء المخابرات العراقية والأكثر من ذلك فمروره في براغ أمر مشكوك فيه كليا.
لذا اضطرت الإدارة الأمريكية إلى التراجع عن هذه الحجة وقال الرئيس الأمريكي في سبتمبر 2003 بأن الولايات المتحدة ليست لديها براهين على مشاركة صدام في هجمات 11 سبتمبر.
3- انتهاك النظام العراقي لحقوق الإنسان :
الحجة الثالثة التي روجتها واشنطن لتبرير حربها على العراق هي انتهاك النظام العراقي لحقوق الإنسان وبأنه نظام دكتاتوري يمثل تهديدا لجيرانه وكارثة لشعبه.
هذه الحجة تعتبر من الحجج التي يسهل طرحها ويصعب تحديدها أو الحكم عليها، ولنفترض بأن النظام العراقي السابق كان بالفعل نظاما دكتاتوريا وقام بانتهاكات لحقوق الإنسان هل يمكن اعتبار الحرب هي طوق النجاة لحقوق الإنسان ؟ أليس الحرب هي التهديد الأكبر لهذه الحقوق، وأن معظم جرائم إبادة الجنس البشري والتطهير العرقي في القرن العشرين قد جرت أثناء الحروب أو بعدها مباشرة وذلك بسبب الفوضى والخراب وتفجر الأحقاد والسرية المصاحبة للحرب.]
ثم ماذا عن الأنظمة الأخرى الحليفة لواشنطن لما قررت الولايات المتحدة معاقبة العراق بالتحديد على انتهاكاته لحقوق الإنسان بينما تدعم إسرائيل في الوقت الذي تنتهك فيه إسرائيل قرارات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان الفلسطيني.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى كيف تريد الولايات المتحدة من العالم أن يصدق أنها ذهبت للعراق لتحرير الشعب العراقي من حاكم مستبد حسبما تدعى، بينما تسارع في تطبيع علاقاتها مع ليبيا بمجرد أن وافق الرئيس الليبي معمر القذافي على فتح المنشآت العسكرية الليبية لفرق التفتيش الدولية ألم تكن الولايات المتحدة تصف النظام الليبي بأنه نظام مستبد ولا يحترم حقوق الإنسان ويدعم الإرهاب الدولي هل تغير كل شيء وأصبح الرئيس الليبي بمجرد استجابته للضغوط الأمريكية رجلا ديمقراطيا يحترم حقوق الإنسان وليس له علاقة بالإرهاب.
4- الحرب على العراق انتهاك للشرعية الدولية :
انتهينا إلى أن غزو العراق من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا كان حرب عدوانية لتحقيق مصالح وأهداف إستراتيجية في منطقة الخليج، وسوف نبرز هنا تلك القواعد التي انتهكتها الدولتان الغازيتان أمريكا وبريطانيا عندما غزت قواتهما دولة عضو في الأمم المتحدة منتهكة سيادتها الإقليمية، فقد تمثلت هذه الانتهاكات للشرعية الدولية في الآتي] :
أولا : انتهكت الولايات المتحدة وبريطانيا الفقرتان الثالثة والرابعة من المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة اللتان أوجبتا على جميع أعضاء الهيئة الدولية بفض منازعاتهم بالوسائل السلمية على وجه لا يجعل السلم والأمن والعدل الدولي عرضة للخطر، وأن يمتنع أعضاء الهيئة جميعا في علاقاتهم الدولية عن أن يهددوا بالقوة أو يستخدمونها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأي دولة أو على وجه آخر لا يتفق ومقاصد الأمم المتحدة.
ثانيا : انتهكت الولايات المتحدة وبريطانيا المادتان الأولى والثانية من ميثاق الأمم المتحدة اللتين تنصان على عدم استخدام القوة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.
ثالثا : انتهكت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا المادة 24 وأحكام الفصلين السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة في تخويل مجلس الأمن وحدة حق التدخل في أي نزاع يخشى منه قيام الحرب.
رابعا : انتهكت قوات الغزو الأمريكي والبريطاني المادة 25 من اتفاقيات لاهاي سنة 1908 بشأن العمليات الحربية التي توجب تحديد ساحة القتال ضمانا لحسن سير العمليات العسكرية، مما يعني تحييد المناطق السكنية والمنشآت المدنية عند بداية الحرب إلا أن قوات الغزو الأمريكي والبريطاني استباحت كل الأراضي العراقية وجعلتها ساحة قتال فلم تفرق بين منشآت مدنية أو عسكرية، فطال القصف الوحشي المستشفيات والمدارس ودور العبادة وأماكن التسوق وجميع مرافق الدولة والبنية التحتية لها فحولت جميع مدن العراق إلى خراب ودمرا وهي تدعوا الآن المجتمع الدولي لإعادة إعمار العراق
خامسا : انتهكت قوات الغزو الأمريكية والبريطانية المادة 22 من اتفاقية لاهاي لسنة 1907 بشأن حظر استخدام الوسائل الهمجية في الحرب إذا كانت تلك المادة تتحدث عن أسلحة فتاكة صنعت عام 1908 وهي الرصاص المتفجر والإشعاعي فإن قوات الغزو الأمريكي والبريطاني على العراق استعملت أحدث ما توصل إليه العلم والتكنولوجيا في مجال صنع الأسلحة التدميرية والتجريبية في القرن الحادي والعشرين.
سادسا : انتهكت قوات الغزو الأمريكية اتفاقية لاهاي سنة 1908 بشأن التمييز بين المحاربين وغير المحاربين فقد طال القصف الوحش جميع أفراد الشعب العراقي من أطفال ونساء وشيوخ في مشاهد نقلتها جميع الفضائيات العربية والعالمية ولا تحتاج إلى دليل أكثر من ذلك.
سابعا : انتهكت قوات الغزو الأمريكية والبريطانية المادة 114 من اتفاقية جنيف الثانية في 12 أغسطس سنة 1949 المتعلقة بأسرى الحرب في وجوب معاملة أعضاء حركة للمقاومة العراقية، معاملة الأسرى وليس كإرهابيين كما تفعل قوات التحالف الأمريكي والبريطاني. وتسعى لحشد الجهود الدولية من خلال الأمم المتحدة لهذا الغرض وقد كانت أحداث سجن أبو غريب للمعتقلين العراقيين والتي تفجرت فيما بعد من أقوى الأدلة على هذه الانتهاكات.
ثامنا : انتهكت قوات الغزو الأمريكي والبريطاني المادة 117 من اتفاقية جنيف لسنة 1941 بشأن معاملة أسرى الحرب.
تاسعا : انتهكت قوات الغزو الأمريكية والبريطانية المواد 12 حتى 59 من اتفاقيات لاهاي سنة 1908 بشأن تحديد الأطر القانونية للسلطة العسكرية على أراضي الدولة المحتلة.
والتي تقتضي بأن الاحتلال لا يؤدي إلى تعديل الهيكل السياسي للدولة الواقعة تحت الاحتلال ويظل رئيس الدولة الشرعي محتفظا بممارسة اختصاصاته.
عاشرا : انتهكت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا مبادئ الأمم المتحدة ومختلف القرارات الصادرة عن المنظمة الدولية بشان نظام الأمن الجماعي حيث جاء الغزو كعمل انفرادي متخطيا لمجلس الأمن المختص أصلا بالحفاظ على السلم والأمن الدوليين الأمر الذي دفع بالأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان إلى سرعة تقديم تقرير إلى الجمعية العامة تحت رقم 323 في 22 سبتمبر 2003 يتساءل فيه عن شرعية استخدام القوة في العلاقات الدولية بمناسبة غزو العراق بدون تفويض من مجلس الأمن كما طرح سؤال آخر عن شرعية الحروب الوقائية لمنع اعتداء وشيك وهي النظرية التي أطلقها الرئيس الأمريكي كذريعة لغزو العراق.
ومما لاشك فيه أن غزو العراق أصبح يشكل كابوسا للإدارة الأمريكية ولم تعد تملك سوى الاستمرار في هذا الكابوس إلى أن تستيقظ، وقد وجدت نفسها خارج البيت الأبيض بعد أن تكون قد سجلت نفسها على أكثر صفحات التاريخ دموية وعطشا للنفط.
1الحرب الإسرائيلية لبنانية :
يبدو أن الحرب السادسة بين كل من إسرائيل وحزب الله ستكون أطول الحروب الكلاسيكية، أو غير النظامية التي قادتها إسرائيل منذ قيامها سنة 1948، وأعقدها وأصعبها ولربما قد تكون الأكثر تكلفة من الناحية الاقتصادية، ويمكن اعتبارها كذلك الضربة الكبرى التي تلقاها المشروع الأمريكي في المنطقة هذه الحرب كشفت عدة أوراق كانت موضع سر من لدن الدول الكبرى وأيضا بعض الدول العربية.
وأما على الصعيد الدولي كانت مختلف الردود تحمل حزب الله مسؤوليته عن تردي الأوضاع في لبنان وأن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها صحيح أن حزب الله له أسرى لدى إسرائيل ومن حقه طبقا للمواثيق الدولية أن يعمل كل ما في وسعه لاسترداد هؤلاء، لكن الغريب في الأمر هو أن العملية التي قام بها حزب الله كانت مفاجأة للغاية وحتى الأمين العام لحزب الله قال بأن الحزب لم يكن يتوقع أن يكون رد الفعل الإسرائيلي على قتل وأسر الجنديين إسرائيليين بتلك القسوة والشدة والتدمير للبنية التحتية من مرافق عمومية حيوية كالموانئ والمطارات وقطع الجسور لتضع مختلف المدن اللبنانية تحت الحصار، ولكن الأهم من هذا وذلك المواقف الدولية خاصة الدول العربية لم تكن مفاجأة بل هي أصلا تعتبر حزب الله من المنظمات الإرهابية يجب القضاء عليها وتعتبر أمريكا وإسرائيل المعرقل الأساس لعملية السلام بين إسرائيل ودول المنطقة.
وأما على الصعيد العربي جاءت هذه الحرب والنظام العربي مازال يعاني من غزو العراق وهذا ما يكشف عن عمق الأزمة التي يعيشها العالم العربي، ومن أزمة لبنان ازداد النظام العربي في عجزه وتأخره أكثر، مما كان عليه خلال حرب العراق من مارس 2003، إلى أن النظام العربي لم يستطيع التعامل مع هذه الأزمة بشكل متناسق ولكنها مراحل امتازت بتضارب الآراء وعدم توحدها بين تأييد لها قام به حزب الله وبين الرافض لما جرى.
ونتيجة المنطقية لهذا الفعل أن وجدت إسرائيل الغطاء لشن الحرب على لبنان، في حين ألمح رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت إلى تأييد بعض الدول العربية للحرب على حزب الله.]
بعد ذلك ردت إسرائيل على عملية حزب الله بهجوم واسع ومدمر على لبنان وسميت العملية بأمطار الصيف وهي مقدمة دليل على أنها كانت تخطط لها منذ وقت بعيد كما أن أسر الجنديين لم تكن سوى ذريعة مدعومة أمريكيا لشن هجوم ممنهج على لبنان لتفكيك حزب الله ونزع سلاحه أو بمعنى آخر لتنفيذ القرار 1599 الذي كانت إسرائيل وراء صدوره تمهيدا لسلام بين الدولة العبرية ولبنان وفي خارج لبنان اعتبرت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي وروسيا أن خطب الجنديين، إنما هو خرق للخط الأزرق فشرعت بذلك إعلان إسرائيل الحرب على لبنان واعتباره عملا مشروعا ودفاعا عن النفس باختصار جاءت العملية في إطار صراع حول الشرق الأوسط فقد أعلنت إسرائيل أنها تريد تغير قواعد اللعبة في لبنان وبذلك أعلن حزب الله عن حرب مفتوح مع إسرائيل.
ويكمن هدف المركزي من وراء شن هذه الحرب على لبنان والتي وضعها النائب في الكنيست الإسرائيلي زهافا فاغالنون بأنها حرب أمريكية بدماء يهودية تتلخص في تغير خارطة الشرق الأوسط وتقسيمه إلى كانتونات طائفية ومذهبية وعرقية متنابذة ولا يقر لها قرار إلا بأمر السيد الإسرائيلي والأمريكي ومنهم من يذهب إلى أن هذه الحرب ليست كباقي الحروب الأخرى ولا يريد أحد في إسرائيل المقارنة بين الآلية العسكرية الإسرائيلية وأسلحة المقاومة والتي هزت القوة الإسرائيلية.
وهناك من يذهب بدرجة اليقين إلى أن هذه الحرب فإنها قد تمت بالوساطة الإسرائيلية وإن جرى التقاطع بين الخاص الإسرائيلي والعام الأمريكي في المنطقة، فالحرب جرى الإعداد لها من قبل ومنذ سنين وتم وضع الخطة الحربية سنة 2004، وكل ذلك تم بعد أن تم وضع خطط تدريبية لمعارك افتراضية في مواقع متشابهة لحزب الله.
كما أن الولايات المتحدة الأمريكية ترى أن تحقيق السلام لا يمكن أن يتم إلا بعد إسقاط حزب الله وإحكام القبضة على المنطقة بكاملها وخلق نظام أمني ناجح يكون ركيزته الكيان الصهيوني. تدفعه إلى ذلك مثالية تحقيق سلام الفئة عام الذي ساد في أوربا من 1815 إلى 1214 ومع ذلك فإن المنطقة سوف تشهد تغيرات في غاية الأهمية وذلك أن الترتيبات الأمريكية تريد خلق وقائع سياسية جديدة مع متطلبات المرحلة الراهنة التي يشهدها العالم في محاولة عشر قيم الليبرالية الأمريكية المتوحشة في الشرق الأوسط كمطلب إمبريالي غربي وذلك من أجل التكييف مع التحولات التي يشهدها العالم والتي تمتلك قدرة أكبر لتلبية ما يحتاجه النظام الأمريكي من بحث في أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط بما يجعل النظام الإقليمي العربي الأكثر الأقاليم اندماجا في النظام الدولي الجديد على قاعدة ضمان الاحترام الأمريكي الصهيوني ومتحولا بشكل كامل نحو الغرب الرأسمالي بحيث ترسم الولايات المتحدة الأمريكية حروبها واقعا جديدا للعالم العربي باعتباره إقليميا مملوء بالثروات والمشاكل لا يحتمل أن يبقى متروكا كما وصفه أحد أبرز المعلقين الأمريكيين بأنه مجموعة من قبائل ترفع أعمال متفاوتة الألوان.
وفي هذه الحرب استطاعت إسرائيل أن توجد صورتها في عيون اللبنانيين على اختلاف توجهاتهم السياسية أو بالأحرى على تعدد انتمائهم الدينية والطائفية.
ذلك أن اللبنانيين كانوا يرون إسرائيل في صور متباينة إلى حد التعارض بينهم من كان يرى فيها العدو المطلق بالمعنى الديني كما بالمعنى الوطني ولم يكن يقبل نقاشا، لهذا العداء كائنة ما كانت الذرائع السياسية وبينهم من كان يرى فيها العدو الوطني والقومي ولكن العجز عن مواجهته بالشعار الأصلي للمعركة القومية الفاصلة والحرص على السلامة الوطنية يجعل هؤلاء يسلمون مكرهين بوجود إسرائيل كدولة ويرفضون الصلح معها أو التطبيع لأسباب وطنية يعززها استمرارها في احتلال بعض التراب الوطني ومواصلتها تهديد لبنان ومحاولة ابتزاز سياسيا في هويته ودوره العربي وبالذات في علاقته بالقضية الفلسطينية لاسيما أن لبنان طرف في القضية لأسباب تتجاوز ما هو عقائدي وعاطفي وعملي.
2- الخلفيات والأهداف من الحرب الإسرائيلية على لبنان :
1- خلفيات الحرب على لبنان :
بدأت إسرائيل عدوانها على إثر عملية أسر الجنديين من جيشها 12 يوليوز/تموز 2006 وهذا العدوان كانت ترى أنها في حاجة إليه منذ عام 2000 وكانت حضرت له منذ أن ثبت عجز المحور الأميركي التشعب الاعتداء الداخلي وعربيا ودوليا عن تنفيذ قرار نقل لبنان من محور الممانعة والرفض لمشروع أمريكا إلى محور التبعية، لقد حاولت أميركا أن تستمر في احتلالها للعراق وتفرض على كل دول المنطقة الخضوع فاصطدمت بثلاث عقبات.
العقبة الأولى : إيران التي رفضت التخلي عن برنامجها النووي كما رفضت مد أمريكا بالتسهيلات اللازمة لاستقرار إحتلال العراق.
العقبة الثانية : سوريا رفضت نزع سلاح حزب الله في لبنان كما أنها لم تقدم لأمريكا الخدمات الأمنية والعسكرية في الداخل العراقي لتجعل الاحتلال فيه أمرا يسيرا كما رفضت طرد ممثلي المقاومة الفلسطينية من أراضيها.
العقبة الثالثة : في حزب الله الذي هزم إسرائيل عام 2000 واستمر في بناء قدرة عسكرية فريدة من نوعها تقع بين القوة التقليدية النظامية للجيش وغير النظامية، وصاغ هيكلة عسكرية ذات قدرات مناسبة لتشكيل تهديد جدي لإسرائيل.
2- الأهداف والنتائج من الحرب على لبنان :
تتشابه أهداف إسرائيل في حربها على لبنان العام 2006 تلك التي أعلنت عنها في العام 1982 القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية وإدراج سورية من لبنان وعقد معاهدة سلام مع لبنان، ففي العام 1982 كانت منظمة التحرير تشكل تهديدا لإسرائيل في مناطقها الشمالية المحادية للبنان وبين ذلك التاريخ وتحرير لبنان عام 2000 والحرب الإسرائيلية عليه في عام 2006 كان حزب الله هو القوة العسكرية التي تهدد إسرائيل وتمكن من حصر جهودها إلى ما وراء الحدود اللبنانية واتخذ موقفا استراتيجيا في الصراع وإسرائيل تسعى لخلق ظروف السلام مع لبنان، وهذا لن يتحقق ؛إلا بالقضاء على حزب الله وقوته وبذلك وقفت إسرائيل وراء خروج القوة السورية من لبنان بقرار 559
وبعد فإن علينا أن نتساءل عن أبعاد وأهداف هذه الحرب الإسرائيلية الدائرة على لبنان ومن سر مساندة الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل لنتساءل بعد ذلك عن مدى وآفاق النجاح الممكنة لهذين الحلفين في الحرب ولكي لا نسرف في هذا التحليل فإن الهدف المباشر المعلن لإسرائيل في حربها هذه يتمثل في تدمير حركة المقاومة اللبنانية التي يرمز إليها حزب الله وقتل حسن نصر الله زعيم الحزب ثم تجريده من السلاح على أقل تقدير إلى جانب إرغامه على الخروج ومغادرة معاقله التالية في الجنوب اللبناني مع إحلال قوات دولية محله بالتعاون مع قوات وطنية لبنانية بغية إنشاء منطقة أمنية جديدة في الشريط الحدودي في شمال إسرائيل، وتوجد أجندة أخرى ترمي إلى إعادة ترسيم الخريطة السياسية اللبنانية بحيث تتسلم مقاليد سلطة حكومة في لبنان ضعيفة وهزيلة وطبيعة لا تتراجع في عقد صفقة سلام مع إسرائيل بمباركة أمريكية، كما أن هناك هدف آخر وراء العمليات العسكرية الجارية في قطاع غزة ومرماه إضعاف كل من سوريا وإيران بصفتهما القوتين المحليتين التي تتبين في دعمهما المنتظم لحركة حماس وحزب الله علاوة على استمرارهما في مناهضة الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية على المنطقة
وفي نهاية لا يمكن عزل الحرب الإسرائيلية اللبنانية عن سياسة المحاور والصراعات في المنطقة كما أن الوضع اللبناني الهش والتجاذبات الداخلية والتباين بين منطق الدولة والمقاومة، أسهم كثيرا في جعل لبنان ساحة للصراع بين الداخل والخارج لذلك كان من المتوقع أن ينفجر صراع عاجلا أو آجلا بين طرفين، وبذلك لم تتمكن الحكومة اللبنانية من الإمساك بالوضع الداخلي وعدم إنجرار البلاد إلى حرب دفاعا عن المفاعل النووي الإيراني أم دفاعا عن نشر الديمقراطية التي أراد الأميركيون أن يجعلوا لبنان نموذجا لها أو منطلق لشرق أوسط جديد إلى درجة تدميره، لقد ترك العرب لبنان لأسابيع ثلاثة من دون تغطية تدمر إسرائيل بناه التحتية وتقتل شعبه وتعصف به مشاريع القرارات المنحازة أو غير المتوازنة وإن عجزهم هذا هو جزء من مشكلات لبنان مع العرب منذ الوجود الفلسطيني المسلح على أرضه وبغض النظر عن عدم قدرتهم على مواجهة إسرائيل أو عدم رغبتهم في ذلك فإن ذلك يعود إلى أنهم رأوا في صراع حزب الله وإسرائيل صراعا إيرانيا أمريكيا وخوفهم من إيران النووية وجعلهم يرون إيران عدوا مركزيا كما أن اللبنانيين لم يتضايقوا من التبعية الشعبية ولكن بعض الدول كان لها تحفظات على الحرب فالرئيس المصري حسن مبارك قال بأنه لن يقود حرب من أجل حزب الله أو لبنان فكلاهما واحد بالنسبة، وأما فيما يخص الجانب الإسرائيلي فإن المواجهة والحرب بالنسبة إليها مازالت مفتوحة وتملك أسباب تجعلها على اقتناع تام بإكمال الحرب من أجل فرض الهيمنة على المنطقة والتخلص من أعدائها وخصوصا حزب الله وإيران اللذان يعتبران كمحور الشرفي الإدارة الأمريكية، فالقيادة الشعبية مازالت في المواجهة مع أمريكا وإسرائيل وقد تدخل المنطقة في حرب إستراتيجية من الصعب التكهن بنتائجها على المستوى الإقليمي والدولي.
وفي الوقت الحاضر لكل نزاع من النزاعات في الشرق الأوسط أسبابه بحيث يبقى العامل الرئيسي للصراع هو بروز إيران قوة إقليمية ذات قدرة نووية مما يؤدي هذا الأمر إلى انقلابات في التحالفات وانزلاق الوضع وإيران هي القوة الوحيدة التي تملك الإستراتيجية المتماسكة، وفيما عيون العالم متجهة نحو لبنان تتجه إيران بهدوء نحو الحصول على السلاح النووي وستحصل عليه، كما أن هذه الحرب بانعكاساتها المالية استطاعت أن تخدم غيران فهي كأي حرب في الشرق الأوسط تؤدي إلى ضغوط حول سعر البرميل البترول الذي يتعرض لارتفاع منذ سنوات عدة وفي 2005 تخطى سعر البرميل سقف 60 دولار.
شنكاو هشام باحت في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية