الثورة تحولت إلى حفلة زار جماعية.. أي تحولت إلى فعل رجعي تماما
الثورة لن تنجح إﻻ بعمل قطيعة كاملة مع كل الماضي.. قد يكون صادما أن أقول أن ما أعنيه بكل الماضي يعنى أنه حتى ثورة يناير نفسها يجب أن تكون ضمن الماضي الذي يجب الانقطاع عنه إذا ما أردنا لقيم الثورة أن تنتصر، ذلك أن الثورة التي بدأت بآليات حداثية انتهت لأن تعمل بآليات رجعية. ذلك أيضا ﻷننا لن يمكننا المضي معا دون تخطي العبث واﻷلم الذي صنعته الثورة!
الثورة توأم المراجعة: مراجعة الماضي، مراجعة كل الأصول، كل المرجعيات. فكيف تتحول الثورة نفسها إلى أصل ومرجع؟! الثورة (فعل) للتغيير.. للمستقبل.. فكيف تصبح الثورة في حد ذاتها (هدف) يفعل من أجل استمراره؟!.. الثورة كهدف أصبحت عبئا على الثورة كفعل.. الثورة نفسها تحتاج لمراجعات كثيرة.. كيف تطالب طول الوقت اﻵخرين أن يعترفوا بأخطائهم بينما ترى أنت أنك منزه عن اﻷخطاء ومثالي وبريء؟! كيف تتطالبهم بالتوقف عن العنف بينما تحلم بان يبدأوا بالعنف كي تبرر عنفك المثالي؟ كيف تطالبهم بدولة قانونية حديثة بينما تمسك معولا لتحطيم ما ترى أنه يغضبك؟!
لكل هذا لم أعد أخاف على الثورة من أعدائها في الخندق الدولاتي العسكري أو الخندق الديني قدر خوفي على الثورة من أصدقائها الذين لن يعيدوا الثورة لنقطة الصفر فحسب بل وسوف يعيدون الدولة نفسها لنقطة الصفر.
تحطيم النصب التذكاري أمس فعل غبي بكل المعاني. هذا تدشين لحرية أي مجموعة من الناس في تحطيم أي شيء. بإمكان أي مجموعة من الناس أن تحمل معاولها لتحطيم قبر السادات في ذكرى ما لا تعجبهم. في تحطيم محكمة ﻷن الحكم ليس عادلا من وجهة نظرهم.
كان يمكن التعبير عن الغضب من مسارعة الدولة لبناء نصب لشهداء لم يعاقب من قتلهم حتى اﻵن بطرق عديدة ليس من بينها التكسير. التكسير لم يعد رمزيا، لسنا في القرن الثامن عشر حتى يكون لتحطيم سجن الباستيل معنى رمزي ما. لن يمكن بناء دولة حديثة بالتكسير إلا إن كانت الدولة هي ما تهدف ضرب معاولك فيها!