المفكر العظيم الراحل (فرج فودة) ليه مقولة عبقرية انتشرت بكثافة من فترة على مواقع التواصل الاجتماعى: “تبدأ الدائرة المفرغة في دورتها المفزعة. ففي غياب المعارضة المدنية، سوف يؤدي الحكم العسكري إلى السلطة الدينية، ولن ينتزع السلطة الدينية من مواقعها إلا الانقلاب العسكري، الذي يسلم الأمور بدوره، بعد زمن يطول أو يقصر، إلى سلة دينية جديدة. وهكذا وأحيانا يختصر البعض الطريق فيضعون العمامة فوق الزي العسكري، كما حدث ويحدث في (السودان)”.
تاريخ (السودان) الحديث بعد الانفصال عن (مصر) و إعلان الاستقلال 1956 فيه مواعظ و عبر كويسة لينا كلنا.
العام 1958 قام الجنرال (عبود) بانقلاب عسكري و انتهى الحكم المدني الأول، و بعدين عاد الحكم المدني الثانى عام 1964 تحت ضغط المظاهرات الشعبية و على الأخص الحركة الطلابية، قبل أن يقوم الكولونيل (النميري) بانقلاب عسكري ثانى عام 1969 بدعم قوى من اليساريين و القوميين العرب، و استطاع (النميري) فى الفترة دى أنه يحبط 4 محاولات انقلاب عسكري ضده، و بعدين سنة 1980 غير توجهاته و أعلن الثورة القضائية بإصدار قوانين الشريعة الاسلامية متضمنة عقوبات الحدود.
و فى العام 1985 الفيلد مارشال (سوار الذهب) قام بانقلاب عسكرى ثالث، لكنه قام بتسليم السلطة طواعية لحكومة مدنية منتخبة هذه المرة فى عمل فريد من نوعه، و ليبدأ الحكم المدنى الثالث.
و فى العام 1989، قام الجنرال (عمر البشير) مدعوما من (الجبهة الإسلامية) بزعامة (حسن الترابي) بانقلاب عسكري رابع، و فيما بعد اختلف الاثنان و تم الإطاحة ب(الترابي) من السلطة، و فى خلفية كل هذا تدور حربا أهلية شديدة الدموية لنصل إلى اللحظة الراهنة.
*حاليا فى (مصر)، قطاع لابأس من التيار العلماني العايش فى أبراجه العاجية بيراهن على أسطورة الحكم العسكري فى مواجهة الإسلاميين، و على الأخص التيار القومي العربي و الناصري اللي بيمثل فيمايبدو جزء مهم من تركيبة التحالف الحاكم.
لكن يجب وضع هذه النقاط فى الاعتبار أولا:
1- الدولة المصرية بشكلها التقليدي فى حالة انهيار و لازمها عقد اجتماعي جديد، و أسطورة المستبد المستنير اللى انتهت فى كل أنحاء العالم مش هتنفع عندنا لأسباب اقتصادية فى المقام الأول.
2- الجيش المصرى مش الجيش التركى حضرتك، دول تجربتين مختلفتين تماما.
لو سمحنا للجيش المصرى أنه ينزلق فى معترك السياسة الأن بقوة و للعسكريين المصريين أنهم يبدأوا يفاضلوا بين الأيديولوجيات المختلفة على اعتبار أن (السيسى) هو (النميرى)، فأنت متضمنش المستقبل ممكن يجيب ايه، لربما (عمر البشير) المصرى، و لاحظ أن ده كان رهان الإخوان أساسا فى سعيهم لتأسيس دولتهم الاستبدادية.
حاول تقرأ السجل الكامل لمحاولات الانقلاب الفاشلة ضد (عبدالناصر) و (السادات)، أو حتى الحلقة الأولى من مذكرات رئيس الأركان السابق (سامي عنان) فى جريدة (الوطن) اللي المتحدث العسكرى طلع بيان بيقول أنها بتهدد الأمن القومي!
لو فى درس ممكن نتعلمه من تجربة (السودان) المريرة، هيبقى أن التواكل على الحلول السهلة، بينتهي بمشاكل غاية فى الصعوبة.