الحقيقة ياشباب إننا مش على حافة حرب أهلية… الحقيقة هى إننا فى حرب أهلية فعلية منذ أسابيع على أقل تقدير وقبل إزاحة مرسى بأيام وإن كانت حرب أهلية منخفضة التكاليف والخسائر… وبالتالى مش متفاجئ أوى بكلام السيسى ومش عايز أحمله أكثر مما يحتمل…
من شهور وشروط الإجتماع المشترك بين المصريين يجرى تخريبها بشكل كامل… والآن هناك كتلتين من السكان – مش عارف مين الأغلبية ومين الأقلية على فكرة- غير راغبين تماماً فى العيش المشترك ويسعى كل منهم لمراكمة الموارد المادية وأدوات القمع اللازمة لإنزال هزيمة تاريخية بالطرف الآخر… والدولة فى هذا السياق فقدت صفتها الأهم بوصفها ضامن لعلاقات السلطة الإجتماعية عبر احتكار العنف… بغياب الإجماع على هذه الوظيفة تتحول هذه المؤسسات من محتكر للعنف الشرعى إلى مجرد سلطة تسعى لتأسيس هذا الاحتكار، ولكن بعد هزيمة الطرف الآخر…. وعلى الجانب الآخر، تعلن القوى الإسلامية سعيها الصريح ودون مواربة إلى شق الجيش إدراكاً منها لاستحالة انجاز هدفها فى هزيمة المعسكر الآخر فى ظل هذا الخلل الفادح فى موازين القوى العسكرية…. حرب أهلية مكتملة الأركان يا زملاء… مفيش فرق لو الضحايا بالعشرات أو بالمئات أو بالآلاف… الحرب حرب بغض النظر عن كام واحد مات!
فى مواجهة هذا المصير، “الاستسهال” ليس خياراً… والبحث عن “الموقف الصحيح” عملية مش حننجزها من خلال حوار على الفيس بوك نقارع فيه الحجة بالحجة… إحنا داخلين على أيام صعبة حيبقى التجريب و “المحاولة والخطأ” هم سيدى الموقف…
لكن فى حقيقتين أنا متأكد منهم فى ظل هذا المشهد المربك… الحقيقة الأولى، أن مسئولية تخريب أسس هذا الاجتماع المشترك بين الناس فى مصر، ومن ثم الوصول لحالة الحرب الأهلية، تقع بالكامل على عاتق الإخوان المسلمين وحلفائهم فى التيار الإسلامى…. الإخوان جماعة مُركّبة ذات ملمح فاشى أصيل فى تكوينها… توارى هذا الملمح بشكل كبير فى السنين الأخيرة من حكم مبارك ولكنه عاد للواجهة مرة أخرى، وياللعجب، مع وصولها للسلطة… بدلاً من أن تعقلن العملية الانتخابية توجهات الجماعة الفاشية وتقضى عليها تماماً، دفعت مقتضيات قيادة الثورة المضادة – وهى المهمة الموكولة للإخوان من قبل حلف إقليمى ودولى واسع وبإسناد من المؤسسة العسكرية- بهذا الملمح إلى الواجهة وساهمت فى تحويله للملمح المهيمن على أداء الجماعة… بعبارة أخرى، إذا كانت مهمة الإخوان فى السلطة هى تصفية الثورة -وهى مهمة تتجاوز بكثير فى تعقيدها مهمة تصفية ما يعرف “بالقوى الثورية”- فهذا لا يمكن أن يتم بأساليب ديمقراطية ولم يعد أمام الجماعة إلا أن تنهل من معينها الفاشى وتنحرف يميناً باتجاه حلفائها الأكثر عنفاً وتطرفاً وإجراماً… المفارقة التاريخية، أن إيغال الجماعة فى محاولة تصفية الثورة لم يكن ليتم إلا على حساب حلفائها فى أجهزة القمع وعبر العصف بمفاهيم الأمن القومى الموروثة من زمن الاستقلال، أى بعبارة أخرى العصف بأسس وجود هذه المؤسسات نفسها والعبث بعقيدتها… وهو ما استوجب تنحية الإخوان عن المشهد والتوجه للاصطفاف “المؤقت” مع قوى الثورة….
الحقيقة الثانية المشتقة من الأولى ذات طابع شبه نظرى، وهى أن مسار هذا الانقسام المتعرج عبر الشهور الماضية قد انتهى بالإخوان وحلفاؤهم -وقد يكونوا الأغلبية- إلى موقع العداء الكامل للدولة الوطنية ومنتجها الأهم وهو “الشعب”… “الشعب” مفهوم خاص جداً فى تقديرى ولا يمكن اختزاله إلى مجموع سكان بقعة جغرافية معينة ذوى أهواء متنافرة لا يمكن الحكم بينها إلا عبر “الصندوق” كما ترى الرؤية الليبرالية… كما لا يمكن دمجه فى مفهوم أعم وأشمل وهو “الأمة”، والذى يشير إلى جماعة ثقافية ذات تراث مشترك يجمعها بغض النظر عن أهواءها تلك ويؤسس لتراتبيات ما ويضفى مضموناً على علاقات السلطة الإجتماعية… الشعب هو “عوان بين ذلك”… “الشعب” فاعل تاريخى يُعرّف فى إطار الدور الموكول له تاريخياً وهو التأسيس للحرية… والشعب هنا هو “القوة” الحية التى تأتى بالقانون الذى يستبطن هذه الحرية ويمأسسها… وهو فاعل ينتظم ويكتسب قوامه عبر “المساواة”… فلا يعرف جسد الشعب ذاك أى تمييز أو تراتبية بين الناس على أى أساس وإلا لأصبح شيئاً آخر… الأمة بوصفها تجمعاً ثقافياً قد تقبل التمييز والتراتب… ولكن الشعب نفسه ينقسم ويتمايز سياسياً، إلا أن اللحظة التى ينقسم فيها طبقياً أو عرقياً او دينياً يصبح جسماً آخر غير الشعب يواجه أفراده كعائق بينهم وبين الحرية….
وبالتالى فالشعب فاعل لا يُعرّف بمعايير الأغلبية والأقلية بقدر ما يعرف بدوره التاريخى ذاك الساعى للحرية وبتكوينه الداخلى المساواتى… والإخوان والحال كذلك بتمسكهم بكل من “الصندوق”، بوصفه أداة التوفيق الوحيدة بين الأهواء المتنافرة للسكان، وبالأمة بوصفها الوحدة الوحيدة التى قد ينتمى إليها الفرد -وهى وحدة تمييز وتراتب بالأساس- قد وضعوا أنفسهم فى عداء مباشر مع الشعب… الإخوان هم “أعداء الشعب” فى هذه اللحظة التاريخية حتى ولو كانوا الأغلبية…
المعضلة التى يواجهها هذا الشعب فى محاولة تشكيل نفسه مرة أخرى هى أن جناحه العسكرى، أو جيشه الوطنى، لا يستبطن هذا المعنى المساواتى والديمقراطى والحرياتى… على العكس من ذلك، فالجيش يستبطن نزوعاً أبوياً ظاهراً ينحو لوضع الشعب نفسه تحت الوصاية الدائمة… فالسؤال ببساطة هو كيف يدافع الشعب عن نفسه فى سياق حربه مع أعداءه الفاشيين إذا كان ما يعتبر جيشه هو نفسه قيداً على هذه العملية؟؟ معنديش إجابة واضحة وكما قلت فوق “الاستسهال” ليس حلاً…
ولكن مرة أخرى أنا على يقين أننا فى هذه الحرب نقف على الجانب الحق من التاريخ وأن الإخوان يصطفون فى جانب معاداة الشعب صراحةً وجهراً… وأن هزيمتهم والحال كذلك حتمية ويقينية وضرورية!