قال ابن القيم – رحمه الله – ما رواه كُميل بن زياد النخعي – قال : أخذ علي بن أبي طالب رضي الله عنه بيدي فأخرجني ناحية الجبّانة ، فلما أصحَرَ جَعَلَ يتنفس ، ثم قال : « يا كميل بن زياد القلوب أوعية فخيرها أوعاها للخير، أحفظ عني ما أقول لك :
الناس ثلاثة … عالم رباني , ومتعلم على سبيل نجاة ، وهمج رعاع ، أتباع كل ناعق ، يميلون مع كل ريح ، لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق .
فقوله رضي الله عنه : «القلوب أوعية» يشبه القلب بالوعاء والإناء ؛ وقوله : « فخيرها أوعاها » يراد به أسرعها وأكثرها وأثبتها وعياً .
وقوله: «الناس ثلاثة … » فهذا تقسيم خاص للناس
العالم الرباني : هو المعلِّم الذى يربى الناس بالعلم وكما يربى الأب طفله , وهو الفقيه العليم الحكيم , ولا يوصف العالم بكونه ربانيا حتى يكون عاملا بعمله معلما له .
والمتعلم على سبيل نجاة ؛ قاصداً بعلمه النجاة ، وهو المخلص في تعلمه ، المتعلم ما ينفعه ، العامل بما تعـلمه ، هو باحث مفتش متطلع لما فيه النجاة ، وليس كالذىتعلم العلم ليمارى به السفهاء أو يجارى به العلماء أو يصرف وجوه الناس اليه فإن هذا من أهل النار كما جاء في الحديث … فهؤلاء ليس فيهم من هو على سبيل نجاة ، بل على سبيل الهلكة نعوذ بالله من الخذلان .
القسم الثالث لا عالم ، ولا متعلم
همج رعاع ، والهمج من الناس حمقاؤهم وجهلتهم ، وأصله من ( الهمج ) جمع ( همجة ) وهو ذباب صغير كالبعوض يسقط على وجوه الغنم والدواب وأعينها فشبه همج الناس به ، ومعناه سوء التدبير في أمر المعيشة ، والرعاع من النساء الحمقى الذين لا يعتد بهم …
وقوله : «أتباع كل ناعق» أي : من صاح بهم ودعاهم تبعوه ، سواء دعاهم إلى هدى أو إلى ضلال ، فإنهم لا علم لهم بالذي يدعون إليه أحقٌّ هو أم باطل ؟ فهم مستجيبون لدعوته ، وهؤلاء من أضر الخلق على الأديان ، فإنهم الأكثرون عدداً، الأقلون عند الله قدراً، وهم حطب كل فتنة ، بهم توقد ويشب ضرامها فإنها يعتزلها ألو الدين ، ويتولاها الهمج الرعاع .
وسمى داعيهم ناعقاً تشبيها لهم بالأنعام التي ينعق بها الراعي فتذهب معه أين ذهب ! وهذا الذي وصفهم به أمير المؤمنين هو من عدم علمهم وظلمة قلوبهم ، فليس لهم نور ولا بصيره يفرقون بها بين الحق والباطل ، بل الكل عندهم سواء .
وقوله رضي الله عنه : « يميلون مع كل ريح » شبّه عقولهم الضعيفة بالغُصن الضعيف ، وشبه الأهوية والآراء بالرياح ، والغصن يميل مع الريح حيث مالت ، وعقول هؤلاء تميل مع كل هوى وكلِّ داعٍ ، ولو كانت عقولاً كاملة كانت كالشجرة الكبيرة التي لا تتلاعب بها الرياح .
وقوله رضي الله عنه : «لم يستضيئوا بنور العلم ، ولم يلجئوا إلى ركن وثيق» بيّن السبب الذي جعلهم بتلك المثابة ؛ وهو أنه لم يحصل لهم من العلم نور يفرقون به بين الحق والباطل
فإذا عدم القلب هذا النور صار بمنزلة الحيران الذي لا يدري أين يذهب !
وهؤلاء ليسوا من أهل البصائر الذين استضاؤا بنور العلم ، ولا لجئوا إلى عالم مستبصر فقلدوه ، ولا متبعين لمستبصر ، فإن الرجل إما أن يكون بصيراً أو أعمى متمسكا ببصير يقوده ، أو أعمى يسير بلا قائد .
أشـرف صقـر
احداث مصر
الـهـمـج الـرعـاع
اضيف بتاريخ: Saturday, July 6th, 2013 في 23:22
كلمات جريدة احداث: أشرف صقر, احداث, مصر