طالما حلم المصريين بدولة كبيرة و قويه ، دولةربما تخرج من تابعيات الغرب و تابعيات الشرق ربما راها البعض كمنوذج تركي أو نموذج لدول الخليج الناهضة و القافزة أوحتى لبعض دول اوروبا الصغيرة …
عاني المصريين خلال جمهورية ثورة 1952 (الأولي ) و ذات الثلاث أعمدة ناصر سادات مبارك من بعض الضغوط و التي تنوعت حسب رؤيةكل منهم لمصر و للمستقبل و ماذا يريدوا الوصول اليه…
فكان ناصر يريد التخلص من التابعية الغربية ويسعى لحلم العروبة واحياء حلم القومية فقدقام بتغيير بوصلة مصر السياسية لذلك الغرض من الغرب للشرق الذي كلفة الكثير ، و كانللسادات حلما كبيرا و الذي حمل نقطة الانطلاق تحرير الارض ثم تحرير الاقتصاد وتحرير العقول و ايضا كلفة كثيرا جدا حتى تم اغتياله على يد من حررهم السجون و سمحلهم بالعمل العام ، و جاء اخر جنرال في هذه الدولة دولة يوليو و كان له حلما هوالاستقرار و النمو الهاديء و لو على حساب الحريات السياسية و كلفة هذا التحولالبطيء بالحريات لقيام ثورة أطاحت به سببها عدم اللحاق باحلام الوطن بالحرية أونمو الفساد الذي ارتبط بشيخوخة نظامه الناتجة من طول فترة الحكم …
جاءت يناير و سقطت الجمهورية الأولى و دولةالجنرالات الثلاثة باحلامها و جاءت دولة انتفاضة أو انقلاب أو ثورة يناير “كما تراها ” ، بنيت دولة يناير على تحالف رئيسي مكونا من المجلس العسكري والاخوان المسلمين و النخبة و تياراتها المدنية وتكتلات ثوار الميدان و لكن الأهم بغطاءأمريكيا دوليا مباركا لهذه الحركة أو هذهالثورة و كان سببا رئيسيا في أسقاط النظام …
بدأت دولة يناير مع استلام المجلس العسكريللحكم من بعد مبارك كما قامت هذه الدولة باختيار قواها السياسية الرئيسية القائدةللتوجه السياسي بنفسها ، و نظرا لاختلال موازين القوى فقد أنتهت على قوتان حاكمتانبشكل نهائي كأعمدة دولة يناير و هم دولة الاخوان و دولة المجلس العسكري ، هذه الدولة التي وجهت مصر الى هذه النتيجة منذاستفتاء يناير و اللذان دعموا و بقوة “نعم” سواء الهية أو عسكرية أواستقرارية ، كما أتخذت الجمهورية الثانية نفس معارضة الجمهورية الأولى بنفس الرموزبغرض لعب نفس الدور السابق و بغرض الحماية لهم فكلهم أبناء الثورة ، أعتقادا منقطبي النظام المجلس العسكري و مكتب الارشاد في أن هذه المعارضة المدنية هي الغطاءالمدني اللازم و المناسب دوليا و محليا …
للأسف بدأت الجمهورية الثانية في التكون علىأسس الجمهورية الأولى بل و محاولة فرض حالة من طغيان الأغلبية ، ظهرت هذه الحالة منخلال صندوق انتخابات لا يعبر الا عن توافق الثلاث قوى الحاكمة سواء الرئيسية أوالفرعية من المعارضة و أنتجت لنا أول انتخابات مجلس شعب و شورى نزيهة (اعلاميافقط) مجالس نيابية مروعة لا تعبر الا عن مصالح نوابها ثم تلى ذلك انتخابات رئاسية موجهةعاطفيا و امنيا و من خلال الترهب و الرعب للشعب لاختيار محمد مرسي للرئاسة كمندوبالمكتب الارشاد في ادارة البلاد …
فكان طبيعيا جراء هذه العملية الانتخابيةالتي لم تضمن أي قواعد نزاهة أو احترام للقانون و الدستور أن يكون نتيجة لها حالةسيطرة قسرية للاخوان على مفاصل الدولة من خلال فرض رجالها قيمين عليها ، فقد كانحكام يناير خير خلف لخير سلف و هو الحزب الوطني ، فلم يأبهوا حتى باستحداث اياليات جديدة للحكم سوى بعض الأفكار الفاشية من التيار الديني ( المفترض ثوريا ) ومن ذلك تدخل رموزهم الدينية ليس للعمل بالوعظ و الارشاد و لكن في العمل السياسيالمباشر فاستحدثت الية المساجد و الدعوة على المنابر و التكفير كاحد أهم الاليات …
لم تلبث ايضا أجزاء متعددة من الجمهوريةالأولة أن تعلن ولاءها للثانية و التي لم تجد بينها فرقا فأعلنت الولاء المبكر لهذاالنظام و هو الذي حافظ على عقائدها الرئيسية و أهمها عقيدة أكل العيش و المشي جوه الحيط والتي تتيح لانصاف الموهوبين البقاء في الخدمة و الاستمرار و الترقي مقابل الطاعة وكان أهم خطوات الجمهورية الثانية هي ابداء التعاطف مع هذه الفئة و تضخمت أجهزةالدولة بالتعيينات و رفع المرتبات و تثبيت العاملين معتقدين أنهم سيكونوا الظهيرالاجتماعي الداعم لها و هم آكلي العيش…
كان لدولة يناير أخطاء أخرى خلاف الخطأالاستراتيجي و هو التعامل السياسي الاجتماعي مع الشعب المصري فبدأوا في عملية ميكافيلية”فرق تسد” لشق الصفوف و تصفية المعارضين بل أستمروا في حملات الاغتيالالمعنوي على أي معارض لهم فكري او سياسي او اقتصادي او اجتماعي أو حتى ديني ، فخرجأكثر من نصف الشعب من دائرة اهتمام دولة يناير سواء متهما أنه عدو الله و من الكافرين، سواء متهما أنه مستفيد من النظام السابق ، سواء متهما أنه فلول سواء كنبة لافائدة منهم و احيانا اتهموا بانهم عبيد للنظام السابق أو مفسدينه أو فاسدينه …
استمر نظلم يناير في استخدام الاغتيالالمعنوي لمعارضيهم مع توسيع التعريف بل وصل للمتلقي العادي أو المواطن العاديالخائف من المستقبل على أيدي قيادات الدولة الجديدة ، فاستمرت حملات التصفيةالنفسية و القهر تمارس من جميع اجهزة الاعلام بداية من يناير الى هذه اللحظة حتى وصلناالى نظام نصف شرعي و بنصف شعب مهمش و ذلك مع اضافة عنصر قاسي جدا و هو القضاء علىحلم يناير و الذي تحول من انشاء دولة قوية حديثة لدولة غير فاشية فقط لا غير …
فقد الشعب الثقة في دولة يناير بالتدريج وكان جليا واضحا هذا الفقدان خلال أعداد الناخبين الذين ذهبوا لصناديق الاقتراع علىالدستور و التي شملت حشدا من الجانبين فلم تصل ل 50 % من الناخبين المسجلين فيالكشوف …
أوصلت دولة يناير مصر لحالة من الفوضي و حالةمن الاحتقان و فقدان الثقة غير عادي ، فقدان ثقة فني في حكومة و نوايا حزب يدعيالاغلبية وفقدان ثقة نضالي في المعارضة بل وصل ليأس ديني و اخلاقي بعد انهيارالرموز الدينية و بسبب تسييسهم للدين مما أفقده مضمونه …
وصلت دولة يناير لفاشية جديدة في سرعة عجيبة، فلازال قياداتها الحاكمة ترى القانون انتقائيا صنع لخدمة الحاكم و لازالتمعارضتة تلعب نفس الدور ايام مبارك بل بنفس الرموز و لازالت ايقونات الثورة تمارسنفس الاداء التخويني الذي يحمل الصلف لكل من يعارضهم حتى بات الشعب المصري امافلولا للتيار المدني او فلولا للتيار الديني مما وجه الاحتقان الحالي لشكل جديدليس في مواجهة الاخوان و لكن في مواجهة النظام …
و زاد دولة يناير فشلا هو الأداء الاقتصاديالعجيب للحكومة و الاداء العشائري الأعجب للرئيس و الذي رايناه بكل وضوح معلنا منخلال مواقفة أنه رئيسا لبعض المصريين و ليس كل المصريين فها هو ينفض للطمأنه علىاسهال شباب الجماعة و لا يأبه حتى بتليفون لبطريركية الكرازة المرقسة أحد أعرقالكنائس بالعالم و من اشدها وقارا مما جعل الشعب المصري تحت الاغتيال الاقتصادي والسياسي و الاجتماعي بل و الاعتقادي …
لم يخرج من هذه الدولة سالما سوى المؤسسةالعسكرية وهي التي أتخذت التوجه الأذكي فلم تدخل الصراع السياسي بشكل مباشر سواءلدعم جبهة انقاذ او دعم حزب حاكم فتركت الساحة ربما لتستعيد أنفاسها بعد 18 شهرحكم أفقدها بعض قدراتها أو سمعتها أو ربمالذكاء بالغ جعلها تستشعر مبكرا أن دولة يناير ولدت كالنعجة دوللي المستنسخة للنظام القديم و لكن ليس بفاشية مرنة مثل النظامالسابق و لكن بفاشية دينية ثورية عشائرية مما سيجعل علميا عمرها قصير جدا فآثرتالابتعاد حفاظا على المؤسسة و حفاظا على الوطن …
ومع الوضع الحالي بدأت تظهر بوادر انفراط عقدالسلطة و الذي ظهر أولا من خلال حركة شارع تخطت جدران و قواعد المعارضة الشكليةالحالية و أعلان الشارع عن نفسه بديسمبر الماضي …
وثانيا بداية ظهور كتل ثورية جديدة مثل شبابالاحزاب و البلاك بلوك خلافه و بداية تحرك الثوار خارج الكتل الثورية التقليدية نتاج 25 يناير …
ثالثا نوعية العنف العام و التي ارتبطتبانهيار الامن و انعدام الثقة فيه لتسييسه الواضح …
رابعا الظهور الجلي لعدم تمكن معارضة مبارك(النخبة الحالية) علي معارضة الاخوان بجدية و ايثارها اتخاذ الوضع 2010 و هوالمناسب لقدراتها المحدودة ….
خامسا ظهور نغمة الخوف العام من المستقبلالمرتبط بالازمة الاقتصادية القادمة و التأكد من انعدام قدرة دولة يناير الحاكمةأو معارضتها على تقديم بديل …
و أخيرا موقف الجيش المحايد و المصر علىمحايدته حيال أي أحداث و عدم الانزلاق بل العجيب عدم تصريحة الى الان للاخوان بأربعكلمات سحرية و هي “نحن مع شرعية الرئيس” …
و لذلك فدولة يناير لم تحظي بالقوة أوالتماسك الى الان فاتخاذها للوطن غنيمة من اجل المصالح و التغيير الاجتماعي فيصالح من يدعون أنهم من الثورة بل حتى لم تهتم بالمواطن البسيط و هو الظهيرالاجتماعي و التي افترضت الثورة انها قامت من أجله بل عملت دولة يناير فقط علىاستكمال العمر الافتراضي الذي كان متبقيا لنظام الجنرالات الثلاثة و الذي كان”حيموت موتة ربنا” خلال سنواتتعد على اليد الواحدة …
فلا أستغرب حاليا حالة الهدوء و التفكر والتدبر للكل و لا أستبعد أن يكون قريبا هناك حراك اجتماعي تسقط بسببه هذه الدولة لتبنيدولة جديدة على أهداف يناير التي لم تعد محل اهتمام للنظام الحالي بجناحيه سلطة ومعارضة…
و لكن ان لم تستطيع القوى المدنية اعادة انتاج نفسها من خلال معارضة حقيقية أومناسبة للظرف السياسي و احلام الشارع قد ربما نجد أنفسنا أمام دولة جنرالات جديدةلن نستطيع تحديد اي ملامح لها حاليا سوى أنها ستبدأ عملية انقاذ فوري للوضع و لكنالى أين لا نعلم!!
فالبوصلة حينها ستكون مرتبطة بقدر الوطنية وأهداف يناير ، فأن تذكروها و تذكروا ماذا كان يطالب الشعب المصري به ربما تحققألحلم و لكن على كل أن يلعب دوره الوطني الان فلاوقت سواء للمعارضة الحقيقية الاأن تقدم بديلا جديدا و مبتكرا أو سواء للجيش في وقف النزيف فوريا و عدم ترك الوطنلللانزلاق لافلاس شامل او حرب أهلية و عنف شارع و استباحة حدود من الجيش ….
فسقوط دولة يناير المتوقع سيسقط فيلقيها السياسيين الاخوان أو معارضتهم الشكلية