لَيْتَ رجالَ الجَيْش يَفْهَمُونَ أنَّهُ لَيْسَ عَلَى المَريضِ حَرَجٌ
لَيْتَ العقيد ” عبد الرحمن حسنى ” رئيس مجلس إدارة مدينة الفردوس لِلقوَّاتِ المُسَلَّحَةِ بمِرْغِم الإسكندَريَّةِ ، يَفهَمُ الفَرْقَ بَيْنَ شَرْعِيَّةِ حَقِّ الساكِنِ بالمَدينَةِ ، وَالمُجَنَّدِ القائِمِ عَلَى الحِراسَةِ وَالأمْنِ بها . !! . وَخاصَّة ً إذا ما كانَ الساكِنُ مَريضا ً وَكَبيرَ السِنِّ بعُمْرِ آباءِ هَؤُلاءِ المُجَنَّدينَ الريفِيِّينَ الهَمَجِيِّينَ المَلاعين الذينَ لا عَمَلَ لَهُمْ سِوَى المُعاكَساتِ المُطارَداتِ اللاهِيَةِ البَلهاءِ بطولِ المَدينَةِ وَعَرْضِها كأنَّها عِزْبَة ٌ مِنْ عِزَبِ مُحافَظَةِ البَحيرَةِ التى أتَوا بهِمْ مِنها لابْتِلائِنا بهِمْ وَبسَفالَتِهِمْ وَوَقاحَتِهِمْ وَعَشْوائيَّةِ سُلوكِهِمْ الغَجَرىِّ المُفعَمِ بالجَهْلِ والتَخَلُّفِ وَالغَباءِ . ! ! .
أنا أدْرَى الناسَ بهِمْ ، لإقامَتى بَيْنَهُمْ بتِلكَ المَدينَةِ العَسْكَرِيَّةِ الظالِمَةِ مُنْذ ُأرْبَعَةِ أعْوام ٍ وَحَتَّى الآنَ ، وَهُمْ كَما هُمْ أسِنَّة ُلَعْنَةٍ وَحِرابُ افتِراس ٍ وَقُضْبانُ اعْتِقال ٍ ، خاصَّة ً مَعَ أمْثالى مِنَ الكُتَّابِ وَالصَحَفِيِّينَ وَالمُبْدِعينَ ، فَهُمْ يُنْكِرُونَهُمْ إنكارا ً تامَّا ً وَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ كَمُبْدِعينَ سُخْرِيَة ً تَفوقُ سُخْرِيَةَ الحَمَّارينَ مِنْ حميرِهِمْ ، بَلْ وَمِنَ الكِلابِ الضَّالَةِ التى يُقابِلونَها فى انحِناءاتِ دُرُوبِهِمْ ، فى يَقظَتِهِمْ وَأحْلامِهِمْ . ! ! .
ما أبْشَعَ تِلكَ اللَّعْنَةِ التى ابْتُلِيَتْ بها الإسْكَنْدَرِيَّةِ مَدينَتى أبا ً عَنْ جد ٍ بسَبَبِ أسْرابِ جَرادِ مُحافَظَةِ البحيرَةِ الزاحِفَةِ عَلَيْنا بلا حُدود ٍ فى مَعْمَعَةِ فَوْضَى انْعِدامِ تَفْعيلِ ميزانِ الإنْصافِ وَالعَدْلِ وَالحُرِّيَّةِ الحَقيقِيَّةِ لِلإنسانِ ، مَعَ اخْتِفاءِ الأجْهِزَةِ الرِقابيَّةِ بالدَوْلَةِ اخْتِفاءً كُلِّيَّا ً بمَدينَةِ الإسْكَنْدَرِيَّةِ التى اغْتُصِبَتْ مُعْظَمُ مِساحاتِ أراضيها بخِدْعَةِ وَضْعِ اليَدِ عَلَيْها ، ما بَيْنَ البَدْوِ المُنْتَشِرينَ انتِشارا ً كَثيفا ً بطولِ الطَريقِ الصَحَراوى ، وَوَحَداتِ القُوَّاتِ المُسَلَّحَةِ التى تَرَكَتْ ” سيدى بَرَّانى ” وَتَمَرْكَزَتْ بعَرُوسِ البَحْرِ الإسْكَنْدَرِيَّةِ الحَسْناءِ ، لِيَكونوا بجُوارِ شُطْئانِها الناعِمَةِ ، وَقُراها الذَهَبيَّةِ السِياحِيَّةِ ، فِرارا ً مِنْ واجِبِهِم المُقَدَّسِ الذى هُوَ حَمايَةِ حُدُودِ مَصْرَ بتِلكَ المَرْحَلَةِ العَصيبَةِ التى يَمُرُّ بها الوَطَنُ المُسْتَهْدَفُ مِنَ الخارِجِ وَالداخِلِ . ! ! .
يَعيشُونَ بأوْهامِهِمْ فى عالَم ٍ لاه ٍ مُتْرَف ٍ يَلهُونَ وَيَسْخَرُونَ وَيُعَرْبِدُونَ وَيُصادِرُونَ حَتَّى صَرَخاتِ اسْتِغاثاتِ المُسْتَغيثينَ ، وَالمَقهُورينَ ، وَالمُعْتَقلينَ ، وَالمَذبوحينَ جِهارا ً ، وَأصْداء آهاتِ أوْجاعِ وَآلامِ المَرْضَى وَالمُبْتَلينَ بما يُشْبِهُ الطاعُون . ! ! .
أقسِمُ باللهِ أنَّنى طريحُ الفِراشِ مُنْذ ُ أكْثَرَ مِنْ عامَيْن ، لَيْسَ بسَبَبِ المَرَضِ وَحْدَهُ ، بَلْ أيْضا ً بسَبَبِ إنذار ٍ طاغ ٍ كُلَّ الطُغْيانِ وَظالِم ٍ كُلَّ الظُلْمِ _ وُجِّهَ لى مِنْ سِمْسارِ تِلكَ المَساكِنِ العَسْكَرِيَّةِ وَهُوَ عَقيدٌ عَلَى المَعاشَ ، هَدَّدَنى قائلا ً بلَهْجَةِ الأمْر : _ إحْنا عايزينَك تدخل جُوَّه الحيط وتدفن نفسك بحيث لا نسمع لك صوت ولا نشوفك خالص كأنك مش موجود . . وَقَدْ أثَّرَ فِىَ هَذا التَهْديدُ تأثيرا ً نفسِيَّا ً مُدَمِّرا ً حَطَّمَ البَقِيَّةَ الباقِيَةَ مِنِّى تَحْطيما ً لا يَصْلحُ مَعَهُ أىُّ عِلاج ٍ ، وَظَلَلتُ مُعْتَقِلا ً فى داخِلِ الوحْدَةِ السَكَنِيَّةِ التى أُقيمُ بها بَيْنَ جُدْرانِ غُرْفَةِ نَوْمى لا أُغادِرُها حَتَّى امْتَلأ جَسَدِى بقُرُوحِ الفِراشِ ، وَعِنْدَما أخْبَرْتُ أمين صندوق المَدينَة المُقَدِّم ” جمال ” بما وَصلَتْ حالَتى المَرَضِيِّةِ المُزْمِنَةِ القاسِيَةِ إلَيْهِ وَطَلَبْتُ مِنهُ وَمْنْ جارى الضابط البَحَرى النقيب ” محمود ” بالسَماحِ لى بالصُعُودِ إلَى سَطْحِ العِمارَةِ لِتَعْريضِ جَسَدِى المُفعَمِ بالقُرُوحِ لأشَعَّةِ الشَمْسِ ، رَفَضُوا . ! ! .
وَكَأنَّنى سَوْفَ أسرقُ الشَمْسَ مِنْ كَبِدِ السَماءِ . ! ! .
تِلكَ مَأساةِ نِهايَةِ مُعاناتى الطَويلَةِ بتِلكَ المَدينَةِ العَسْكَرِيَّةِ الواقِعَةِ بأحْضانِ المَلاحاتِ بَيْنَ نَجْعَيْنِ لِلبَدْوِ هُما : ” نَجْعِ العَرْجى ” وَ ” نَجْعِ أبى رجيعَةِ ”
وَبسَبَبِ مَرَضى الذى أقعَدَنى اضْطَرَرْتُ إلَى تَسْجيلِ إبْداعاتى مِنْ شِعْر ٍ وَأدَب ٍ مِنْ خلالِ جهاز التَسْجيلِ بصَوْت ٍ مُرْتَفِع ٍ ، وَفى كُلِّ مَرَّة ٍ يَسْمَعُ جُنودُ الأمْنِ بمَدينَةِ الفِرْدَوْسِ العَسْكَرِيَّةِ صَوْتى يُحاصِرُونَ العِمارَةَ السَكَنِيَّةَ التى أقيمُ بها مُصَعِّدينَ تَهْديداتِهِمْ وَمُكَرِّرينَ إنذاراتِهِمْ بأنْ أُغْلِقَ فَمِى كُلِّيَّة ً كالمَوْتَى بثَلجِ الثَرَى . ! ! . وَكَأنَّا عُدْنا إلَى عَصْرِ البَصَّاصينَ الأوَّلِ عِنْدَما كانَتْ عُيُونُ الزينى بَرَكات تَتَلَصَّصُ عَلَى خَبايا الحُرُماتِ بكُلِّ البيوتِ وَما بداخِلِ كُلِّ نَفس ٍ بَشَريَّةٍ تَعيشُ بَيْنَهُمْ . ! ! .
سُؤالٌ لِلسَماواتِ العُلا : أيْنَ رَحْمَة ُالرَحْمَنِ الرَحيم السَتَّار الكَريم الفَعَّالِ العَليم ؟
الأديب / محمد إبراهيم البنا