في ثوب الساحة السياسية المصرية الذي أراه قاتم السواد، نقطة وحيدة بيضاء، هي التحالف الذي تم بين أطراف المعارضة، فلا شك أن مصر ستخرج من الأزمة الراهنة، رغم خسائرها المتعددة الأوجه سياسيًّا واقتصاديًّا، فائزة بمعارضة قوية، موحدة، رغم أن جماعة الإخوان المسلمين باتت قاب قوسين أو أدنى من تمرير هدفها الذي يتعلق بالدستور الخلافي، بعد أن فازت “نعم” بأغلبية المصوتين في المرحلة الأولى من الاستفتاء، وقدرتها على استكمال ذلك في المرحلة الثانية المقررة غدًا.
ففي عهد الرئيس السابق حسني مبارك، الذي امتد لثلاثة عقود، وحتى بعد الثورة التي خطفها الإخوان، لم نر معارضة قوية يتوحد فيها الليبرالي واليساري، الرأسمالي والاشتراكي، المتدين والشيوعي، وتحظى بدعم أطياف مختلفة من الشعب مثلما فعلت جبهة الإنقاذ الوطني، التي ضمت رموزًا وطنية، لم تمنعها حالة التنافس التي كانت بين بعضهم في السباق الرئاسي الأخير من الاتحاد لهدف وطني.
لقد دفعت جماعة الإخوان بما اتسمت به خلال المرحلة الأخيرة من غباء سياسي، يبدو أنها تملك منه مخزونًا إستراتيجيًّا كبيرًا، رموزًا مثل البرادعي، وعمرو موسى، وحمدين صباحي، والسيد البدوي، وغيرهم من السياسيين المهمموين بالهوية المصرية، إلى الحديث بصوت واحد قلما نجده، بل إنها أكسبتهم شعبية وقدرة على الحشد لم يكونوا يتوقعونها، وهو أمر ظهر جليًّا خلال المليونيات المتتالية، والاستفتاء على مسودة الدستور، رغم أنهم لا يلعبون على وتر الدين والطائفية كما الإخوان، ورغم اختلاف طبيعة مؤيديهم الذين لا يتبعون مبدأ السمع والطاعة كما أنصار الجماعة.
لقد حول الإخوان المسلمون، عن غير عمد، الساحة السياسية المصرية، التي دائمًا ما كانت تتسم بالوهن الشديد والعشوائية والتفتت، إلى ساحة منافسة على الطراز شبه الأوروبي والأمريكي، يتبارى فيها طرفان، مثل حزبي المحافظين والعمال في بريطانيا، والحزب الاشتراكي والاتحاد من أجل الحركة الشعبية (يمين الوسط) في فرنسا، والحزبين الديمقراطي والجمهوري في أمريكا، وإن اتسمت الساحة المصرية ببعض مظاهر العنف التي أعتقد أنها ستتبدد بمرور الوقت وعقب انتهاء الأزمة السياسية.
من أجل مصر، ولصالح مصر بقاء جبهة الإنقاذ الوطني كطرف قوي، متحد، قادر على مواجهة التيار الإسلامي سياسيًّا.
من أجل مصر، ولصالح مصر أن تدخل الجبهة انتخابات البرلمان المقبلة بقائمة موحدة حتى تثبت أقدامها في الحياة السياسية، وتبدد مخاوف البعض بانهيارها عند أقرب خلاف بين رموزها.
إنها نقطة بيضاء في ثوب الساحة السياسية الذي ملأته بالسواد جماعة الإخوان التي يَعتبر مرشدها، ورئيسنا، الديمقراطية مجرد صندوق انتخابي، بينما كافة أفعالها بعد نتيجة الصندوق تخالف الديمقراطية.
الصندوق الانتخابي هو بداية الديمقراطية، لكن مسار الديمقراطية طويل وممتد، ولا يعني مجيء الرئيس عبر انتخابات ديمقراطية أن يتخذ قرارات ديكتاتورية، أو أن يفعل وجماعته ما يحلو له رغمًا عن المعارضين الذين تقدر أعدادهم بالملايين.
وكما أن الإخوان نقلوا المعارضة الحزبية إلى الملعب الغربي فإنهم أيضًا نقلوا النزاع مع السلطة القضائية، لا سيما مع المحكمة الدستورية العليا والنائب العام، إلى الملعب الباكستاني، الذي شهد في عام 2007 سيناريو مشابهًا لما يحدث حاليًّا في مصر حين قام الرئيس، آنذاك، برويز مشرف، بعزل رئيس المحكمة العليا، افتخار تشودري، لرفضه التصديق على المرسوم الدستوري المؤقت؛ ما أدى إلى اشتعال الشارع الباكستاني، الذي طالب بوقف التدخل في أعمال السلطة القضائية من قبل الرئيس، الذي اضطر إلى التنحي في نهاية المطاف بعد عدة أخطاء سياسية.
والسؤال هنا.. إلى أي الملعبين سوف تستقر مصر؟