الحديث لا ينقطع عن أن هناك مؤامرة تحاك للإطاحة بالنظام، والحديث الرسمي عن أطراف تلك المؤامرة يكاد يتجاوز حدود التلميح إلى التصريح بالأسماء والأماكن ومصادر التمويل.
ولست أسعى من خلال تلك الكلمات إلى إثبات وتأكيد أو نفي وتفنيد لوجود تلك المؤامرة، بل إنني، وإن كنت أتحفظ على إطلاق مصطلح «المؤامرة» على أمور تبدو من وجهة نظر من يستخدمون ذلك المصطلح واضحة جلية غنية عن البيان، أرى أنه من المنطقي تمامًا أن تسعى أطراف داخلية وإقليمية، بل ودولية عديدة، للإطاحة بالنظام المصري القائم.
ولا يصعب على المرء أن يتبين أن أولئك الساعين لتحقيق ذلك الهدف يضمون بين صفوفهم العديد من الأطياف السياسية المتنوعة، بل والمتناقضة: فمنهم من يرون في استمرار هذا النظام تهديدًا لهوية مصر، وتحويلاً قصريًّا لها صوب الدولة الدينية، ومنهم من يرون في استمرار تماسك الدولة المصرية، أيًّا كانت هوية من يحكمها، تهديدًا لمصالحه الإقليمية أو الدولية، ومنهم من يعلنون حبهم للرئيس السابق مبارك والنظام القديم وينقمون على ثورة يناير بكل ما ترتب عليها من آثار، ومنهم أيضًا من يدافعون بشراسة عن ثورة يناير وطلائعها الأولى، ويرون أن جماعة الإخوان المسلمين قد اختطفت الثورة، ومنهم من يحلمون ويرحبون بعودة الجيش لممارسة السياسة. ومن الطبيعي والمتوقع تمامًا أن تضم تلك الأطياف أيضًا أذرعًا لأجهزة المخابرات الإقليمية والدولية على تنوعها.
ترى ماذا فعلت السلطة في مواجهة كل تلك الأطياف المتنافرة، التي يجمعها العداء لها والسعي للإطاحة بها؟
لعل الأمر لا يحتاج إلى كثير جهد أو عميق تخصص للقول إن الخطوة الأولى على المستوى الجماهيري لإفشال أي تحرك عدائي، سواء كان مؤامرة خفية أو هجومًا معلنًا، هو اتخاذ إجراءات مزدوجة؛ تهدف إلى توسيع قاعدة الأنصار، وتفكيك قاعدة المتآمرين.
وما جرى، ويجري أمام أعيننا، يكاد ينطق بأن السعي كان في عكس ذلك الاتجاه، ولعل أهم ما يستوقف النظر في هذا الصدد واقعة جرت داخل جدران القصر الرئاسي المنوط به مهمة إفشال المؤامرة، لقد استقال عدد من مستشاري ومساعدي السيد رئيس الجمهورية، يجمع بينهم أنهم لا ينتمون لجماعة الإخوان المسلمين.
لقد انتقى السيد الرئيس هؤلاء المستشارين والمساعدين بصفتهم الفردية؛ مما يعني طمأنينته لوطنيتهم، رغم توجهاتهم التي تختلف عن توجهات جماعة الإخوان المسلمين، وقد كان ذلك الاختيار -الذي لم يكن الرئيس مضطرًّا إليه بحال– مصدرًا لطمأنة بعض الأطياف التي تشككت في صدق نوايا جماعة الإخوان فيما يتعلق بإشراك غيرهم في تولي المسئولية.
ولعل أحدًا لا يختلف في أن استقالة هؤلاء يخصم من كتلة أنصار السيد الرئيس ولا يضيف إليها؛ خاصة أن هؤلاء المستقيلين قد أجمعوا على أن الرئيس لم يطلعهم، فضلاً عن أنه لم يستشرهم فيما هو بصدد اتخاذه من قرارات مؤخرًا.
ولعل استقالة الدكتور رفيق حبيب، أحد مساعدي السيد الرئيس، وقراره اعتزال السياسة تستدعي وقفة خاصة.
الدكتور رفيق حبيب مفكر مسيحي بروتستانتي، قضى سنوات طويلة داعمًا ومؤيدًا وناصحًا لجماعة الإخوان المسلمين، فضلاً عن أنه كان يشغل منصب نائب رئيس حزب الحرية والعدالة.
لم تستوقف تلك الواقعة انتباه مؤسسة الرئاسة لتعيد تقييم إستراتيجياتها في مواجهة المؤامرة؛ بل لم يستوقفها تصريحات السيد نائب الرئيس أيضًا بأنه قد عرف قرارات الرئيس الأخيرة من الإعلام؛ بل مضت الرئاسة للكشف عن قرارها برفع أسعار العديد من السلع؛ استجابة لشروط البنك الدولي، ولم تلبث بعد سويعات أن أوقفت تنفيذ القرار؛ بعد أن أدى دوره في إثارة الغضب الشعبي، وتوسيع قاعدة رافضي النظام.
ترى هل من تفسير لتلك الأعاجيب؟!