في ظل غياب المشروعية التي يعانيها النظام المصري راهنًا، عادة ما تُخلي فعالية المجتمع السياسي والمدني، بأدواتها الثقافية والمعرفية والتنظيمية، مكانها لفعاليات ارتكاسية، تتخذ فيها الأنساق والوحدات السياسية المفوّتة والمشوّهة شرعيتها المجانية؛ وهو ما يفسر ظهور قطاع سياسي ديني خاص لدينا، ممثلاً في جماعة الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل.
على أنه لا يتوجب علينا معاينة هذه الجماعة، كحزب سياسي أو فصيل مدني أو فرقة دينية؛ لأنها أقرب إلى مفهوم «العُصبة»، مع اتخاذها هيئة الحشد الجماهيري في حركتها، كعشيرة راسخة في اغترابها، متجمهرة في دوائر رهْطية متصلّبة، امتثالاً لقناعات طوطمية المظهر، أنتج نظام استتباعها السلس علاقات من الولاء والحلف بين أعضائها، وحرم عددها الغوغائي حقه في الرشد، فأسكنه صفات النعْرة والتناحر وخمول الوعي بالذات، وصيَّر حركته مجرد تحريك لخيوط غير مرئية، حلّ فيه مبدأ القطيع الذي ينفي التعدد والاختلاف والتمايز، ولا يقول إلا بالانسجام والانضباط والتطابق والاختزال وأنْس العشيرة، وهو ما يميز تاريخيًّا أية جماعة شعبوية.
والشعبوية هي المقابل للنخبوية، فيما المصطلح يحمل أيضًا تراثًا من العصبية والتطرف والانقياد والغرائز العمياء، حيث لم تتم صياغته وبلورته إلا من أجل تبرير الحاجة عند اللزوم لضرب الشعب باسم الشعب؛ ما يشي أن الشعبوية هي صيغة تحقيرية للشعبية، ظهرت خصيصًا لتبرير اغتصاب شرعية تمثيل الشعب، عبر معاداة النخبة، وإنشاء تكتل وهمي يشدّد على تجانس الجماعة، واستخدام أفكار خلقية، والالتفاف حول شخصية «كاريزماتية».
والأمر حول أتباع الشيخ حازم، بخطابهم وحركهم، يجعلهم أقرب إلى هذه الصيغة الشعبوية، باعتبارها ذهنية لاهوتية قابلة للاستخدام الديماجوجي، وأحد أساليب العمل السياسي الاجتماعي التي ولّدها عصر الجماهير من ناحية، والأيديولوجيات المتطرفة من ناحية أخرى، وهو العصر الذي امتزجت فيه أساليب الدعاية والتحريض لاستثارة عواطف الكتلة الشعبية؛ باللجوء إلى الضرب على وتر الدين الحساس، وذاك أسلوب استخدمته قوى سياسية متنوعة ومختلفة، ارتبطت في العادة بمصالح اقتصادية وإستراتيجية، بواسطة تغذية ثقافة دعوية تبشيرية، مصممة على أداء دور معلوم في التحشيد والتجييش، بشحن وإثارة هذه الكتلة الشعبية التي لا تتاح لها في العادة فرص الحصول على معرفة متكاملة بقضاياها، ولا حتى بمصالحها الحقيقية.
هناك، إذن، ضرورة دفعت إلى ظهور «أولاد أبو إسماعيل»، وحكمت تحركهم، بهدف كبح تحولات ثورة يناير في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وما تمخض عنها من جماعات «الإرادة الشعبية». أما سبب «لازم حازم»؛ فلأن الشيخ يمتلك هيمنة معنوية على أنصاره، تعزّزها لحية مهذبة على طريقة الإخوان المسلمين، وكثّة على طريقة السلفيين، وقدرة على التبليغ لا توجد في كلماته؛ لأن هذه الكلمات تكثّف الرأسمال الرمزي الذي وفّرته الجماعة التي فوّضت إليه الكلام، وأوكلت له أمر النطق باسمها.
وتحقيقًا لهذا الهدف الأساسي، يبدو حرص «الحازميين» جليًّا على إثارة الغموض، عبر التجمهر والاعتصام والإضراب والتظاهرات والمؤتمرات والحضور الإعلامي الصاخب، ابتغاء تحريك كتل البسطاء والفقراء وتضخيم النزعة الخلاصية لديهم، إضافة إلى توظيف الديمقراطية الهشة لتقويض القوى الديمقراطية، ورفض الثقافة لمصلحة الدين، على أساس إيماني يتم التعبير عنه بالحلال والحرام.
مثال ذلك، حين تجمعوا مؤخرًا أمام أبواب مدينة الإنتاج الإعلامي، تحت شعار تطهير الإعلام «الفاسد»، وآزرهم بعض من أعضاء حزب الحضارة، الذي يترأسه محمد الصاوي صاحب «السوبر ماركت» الثقافي المشهور بساقية الصاوي. وهناك بدا المشهد أقرب إلى الاحتفالات الديونيزية في الأساطير اليونانية القديمة، وإن تغير المكان والزمان، حين شيّدوا خيامًا ومنصة ودورات مياه، وذبحوا العجول والجمال والخراف، مهددين بأن هذا سيكون مصير منتقدي الرئيس محمد مرسي من الإعلاميين، وتعدوا على الدكتور سعد الدين إبراهيم والمخرج خالد يوسف، واستعدوا لتغيير العلم الحالي بعلم جديد، وتحويل مسمى البلاد من جمهورية مصر العربية إلى جمهورية مصر الإسلامية، وإن أرجأوا الإعلان عنه بعد الانتهاء من الاستفتاء على الدستور.
هناك من يوعز قيام الشيخ حازم بمحاربة الإعلام؛ لأنه هو الذي فضح ألاعيب استند إليها بأن أمّه لا تحمل الجنسية الأمريكية، وبالتالي حال بينه وبين الترشح لرئاسة الجمهورية، لكن الحقيقة أنه يتولى تسويق جماعته كميليشيات تسند النظام السائد في الخارج والداخل، وهو ما توضحه مشاركتها في المذبحة القائمة بسوريا بجانب كتائب الصفوة، ومهاجمتها مقر حزب الوفد وجريدته في اليوم الأول للاستفتاء، فيما الحاجة موصولة إليها بعد ذلك، مع انتخابات مجلس الشعب والانتخابات المحلية، وقبل ذلك كله لزرع الإرهاب وقمع المواطنين.
من هنا، ينبغي التطلع إلى منظور يتسع لرؤية مركّبة ونوعية حول مثل هذه الجماعة الشعبوية، لا تكون أسيرة أي أفق منخفض. وفي الظن أن هذا الخيار ليس في منجىً من الاختراق أو التعثر هو الآخر، طالما كانت جماعة «لازم حازم» خاضعة، في المحصلة، لإفرازات الحقل السياسي، ومحكومة بمنطق الصراع وموازين القوى والمصالح، كما بأمور التسويات والمساومات والاصطفاف، فيما الحقائق السائدة بقدر ما هي وليدة تلك الصراعات، بقدر ما تقبع وراءها طاقة وبصمات تلك الموازين والمصالح.
ويظل السؤال ماثلاً: متى تنتهي مثل هذه الجماعة الشعبوية؟ لتكون الإجابة مع ترسخ منظمات مدنية قوية، وأحزاب سياسية فاعلة وشاملة، وخطاب ديني جديد يبتعد عن إطلاقية قناعاته. وقديمًا قيل إن الحواة ليسوا هم فحسب من يقرعون الطبول على نواصي الطرقات.
لايجب أن نتهم احدبالشعبويه ولاالتبعيةلاحدﻷن الجميع يريدخدمةالوطن ويجب أن نعمل جميعا في هذا اﻹطارﻷنناحميعا فى مركب واحدة وارجوامن كتابناالعظام ان ننتقى العبارات والالفاظ التى ﻻتحدثخصومة ﻷنه ﻻبدمن المصلحةالوطنيةﻷنه لن يستطيع طرفاوفريق النهوض بمصر وحده فيحب ان نترك المجال للصلح دائماوهذاعيب العرب دائما