منذ البداية،بدا كما لو كانت المسيحية وليدة اليهودية أو _ بالأقل _ امتدادا لها.وقد أوجد ذلك الانطباع وقواه تراوح آباء الكنيسة فى موقفهم من تخريبية شاول الذى امتلأ من الروح القدس بغتة بعد اضطهاد طويل للديانة الجديدة فغير اسمه الى بول وشمر عن ساعد الجد،وبحجة الترويج للمسيحية عمل على تخريبها بردها الى اليهودية وإفراغ تعاليم المسيح من مضامينها المسيحية.ولم يكن من قبيل المصادفة أو العبث أن بولا ذاك أو بولس أفرخت تحريفيته الانقلاب البروتستانتى فى القرن السادس عشر
كما قوى انطباع الامتداد اليهودى فى المسيحية وأضفى عليه تصديقا رسميا قبول آباء الكنيسة بالجمع بين كتابات اليهود الدينية التى ادعيت للكتب الخمسة الأولى منها،باطلا (كما يعترف اليهود الآن)،صفة “الوحى” بمقولة أنها “كلام الله إلى موسى”،وبين “الأناجيل” التى تعتبر تأريخا بشريا لحياة المسيح وترديدا لتعاليمه،بالاضافة الى سجل أنشطة بولس ورسائله و “رؤيا” يوحنا اللاهوتى الأخروية،واعتماد أولئك الآباء الأول لهذا التجميع بين “العهد القديم” (كتابات اليهود) و “العهد الجديد” بأسفاره السبعة والعشرين،باعتبار التجميع “الكتاب المقدس “0
ولما لم يكن فى “العهد الجديد” ما ادعى أحد أنه “كلام الله إلى المسيح”،بعكس ما هو مدعى
للتوراة (الأسفار الخمسة الأولى من “العهد القديم”) من قدسية القول الإلهى،فإن ذلك الجمع بين “العهدين” جعل
بالوسع (وهو ما فعله البروتستانت عند قيامهم بالانقلاب البروتستانتى ) الادعاء بأن الخليط الأسطورى / الفولكلورى الذى استنسخ من أساطير وفولكلور الشرق الأدنى القديم وأضفيت عليه صبغة إلهية من خلال اقتباسات موسى من لاهوتيات الديانة المصرية القديمة
هو “كلام الله”،وبالتالى الأساس “المقدس” لمشروعية الديانة الجديدة (المسيحية) “قدسية” الكتاب
وقد كان الناصرى على وعى بذلك،لكنه _ فيما بدا _ وجد استحالة فى الجهر به
فقال : ” لا تظنوا أنى جئت لأنقض الناموس (ناموس موسى ) أو الأنبياء (نبييم العهد القديم).ما جئت
لأنقض بل لأكمل “0 (متى 5 : 17 ) 0
لكنه،قبل أن يعلن أنه ما جاء لينقض بل ليكمل (ولا يكمل إلا ماهو ناقص )،كان قد ناقض الجوهريات الأساسية لليهودية بقوله
فيما عرف بموعظة الجبل : 0
هذا القول ” “طوبى للمساكين بالروح.لأن لهم ملكوت السموات .طوبى للحزانى.لأنهم يتعزون.طوبى للودعاء.لأنهم يرثون الأرض.طوبى للجياع والعطاش إلى البر.لأنهم يشبعون.طوبى للرحماء.لأنهم يرحمون.طوبى للأنقياء القلب.لأنهم يعاينون الله
طوبى لصانعى السلام.لأنهم أبناء الله يدعون.طوبى للمطرودين من أجل البر.لأن لهم ملكوت السموات “.(متى 5 : 3-10) 0
وليس هذا،كما نظن أنه لا حاجة بنا إلى القول،مجال مفاضلات.فالمجال مجال استظهار التناقض الجوهرى الأساسى الجذرى الذى يعرى من المصداقية حل آباء الكنيسة الأعرج ومحاولتهم التوفيق تركيبيا بين ما لم يكن هناك سبيل إلى التوفيق بينه من مواقف أساسية فكرية أخلاقية ودينية متناقضة
والواضح أن الناصرى،فى تلك الموعظة التى ابتدأ بها نشاطه،وجد مما لا مهرب منه التكلم بما ندعوه الآن “ديبلوماسية “، أى تجنب المواجهة،والدوران حول المعنى “اكمالا” للناموس،وفى حقيقة الأمر مناقضته من جذوره
ومفتاح المسألة هنا كامن فى قوله “طوبى لصانعى السلام،لأنهم أبناء الله يدعون”.فالمسيح الذى وعد يهوه (إاله اليهود) شعبه،ابنه البكر،اسرائيل”،بأن يبعث إليه،مسيح محارب صنديد أشبه بالسفاح يشوع.والناصرى يقول هنا أنه عكس ذلك،وأنه جاء ليكون صانع سلام وليعظ البشر بأن يكونوا صانعى سلام وينبههم إلى أنهم يصبحون “أبناء الله” فقط عندما يكونون صانعى سلام.ومتى أمسكنا بذلك المفتاح،أفصح النص أمام أعيننا بالمناقضة الكاملة للموقف التوراتى من أساسه.فالديانة التى بنت دعواها على التوراة ديانة جعلت الإله “رجل حرب،ورب الجنود”،والناصرى يناقض ذلك بإله رحيم وإله سلام،ويقول للبشر إنه “أبوهم
الذى فى السموات””.واليهودية،من أول لحظة فى صنع موسى لها،علمت “الشعب” أنه لا يحوز رضاء ذلك الإله المحارب،رب الجنود،إلا إذا ظل شعبا محاربا دمويا كمعبوده،وفى العهد القديم نصوص لا تحصى تبين أن ذلك الإله المحارب أوشك أن ينقلب على شعبه فيفترسه فى كل مرة قصر “الشعب” فيها،لسبب أو لآخر،عن القيام بمذبحة جماعية أمر بها
من كتاب المسيحية والتوراة
لشفيق مقار
على جمجوم
احداث مصر
هوس العهد القديم وتهويد المسيحية فى الغرب
اضيف بتاريخ: Sunday, September 30th, 2012 في 22:58