أخي عضو أحزاب الحرية والعدالة والنور والأصالة والبناء والتنمية أو أي أحزاب ذات مرجعية دينية. تخيل أن الظروف قد اضطرتك للعيش في بلد أوروبي أو أمريكي. وبالمناسبة هذا ليس مستبعد. فقد أمضى الرئيس محمد مرسي سنوات في أمريكا للحصول على الدكتوراه. تخيل أنك تعيش في الولايات المتحدة وتريد إقامة شعائر صلاة الجمعة ولا تستطيع لأن كل المساجد قد تم إغلاقها. فمرشح جماعة “جيش الرب” المسيحية اليمينية قد فاز في الانتخابات الرئاسية، واليمين المتطرف سيطر على الكونجرس. والنتيجة كانت تعديل جذري في الدستور الأمريكي بإضافة مادة تقول “حرية العقيدة مطلقة وتكفل الدولة حرية إقامة الشعائر الدينية لأصحاب الديانات السماوية.” وبناء على النص الدستوري الجديد قامت الحكومة الفيدرالية بغلق كل المساجد وملاحقة كل من حاول إقامة الشعائر الإسلامية في مركز أو فندق أو ساحة عامة. ماذا سيكون رد فعلك؟ ستحزن وتغضب، ستقيم الدنيا ولا تقعدها لأن حقوقك الإنسانية الأساسية قد تم انتهاكها. بالطبع ستحرك دعوى في المحكمة الدستورية الأمريكية لكي تنصفك. وبالتأكيد ستنتفض منظمات حقوق الإنسان للدفاع عن حقوق المسلمين في أمريكا وللمطالبة باحترام الدستور الذي ينص على حرية إقامة الشعائر الدينية لأصحاب “الديانات السماوية”. لكن هيهات. فالمحكمة الدستورية التي تسلل إليها أتباع جيش الرب قررت دراسة عقيدة المسلمين، وطلبت رأي الكنائس الرئيسية وممثل عن الطائفة اليهودية. وقد اتفق كل هؤلاء على أن الأديان السماوية هي المسيحية واليهودية فقط. وبالتالي لا يحق لأتباع الإسلام ممارسة شعائرهم في أي مكان عام. وبناء عليه أيدت المحكمة الدستورية قرارات السلطات الفيدرالية الأمريكية بغلق المساجد وملاحقة المسلمين الذين يمارسون الشعائر بشكل علني. على أن المحكمة أكدت في ذات الوقت أن حرية العقيدة مقدسة في الولايات المتحدة وأن من حق المواطنين الإيمان بالأديان السماوية وغير السماوية. لكن مسألة ممارسة الشعائر الدينية تتعلق بالنظام العام والأمن القومي. وأضافت المحكمة أنه لو تركت السلطات حرية ممارسة العقيدة لظهرت كل يوم طوائف جديدة مثل عبدة النار ولتسللت جماعات أجنبية لكي تعبث بالأمن القومي الأمريكي من خلال زعزعة العقائد الدينية الأصيلة للشعب الأمريكي. وفي نفس السياق شنت العديد من وسائل الإعلام هجوماً شرساً على منظمات حقوق الإنسان والأحزاب العلمانية وبعض الطوائف المسيحية واليهودية التي رفضت حكم المحكمة الدستورية وأصرت على حق المسلمين في المواطنة المتساوية، واتهمتهم بخيانة المصالح العليا الأمريكية لأن قضية المسلمين في أمريكا ليست حرية عقيدة ولكنها قضية أمن قومي. فهؤلاء المسلمين ولائهم الأساسي خارج الولايات المتحدة! أخي عضو الحرية والعدالة وغيرها من الأحزاب ذات المرجعية الدينية.. هل تظن أن ذلك السيناريو المتخيل لو تحقق بالفعل سيكون كابوساً على المسلمين في أمريكا؟ الحقيقة لا. هو ليس كابوساً على المسلمين الأمريكيين فقط. هو كابوس على أمريكا نفسها. فاضطهاد المسلمين هناك سيؤدي إلى فرار الملايين من المسلمين الأمريكيين ومنهم من ذوي العقول النابغة مثل رأسهم الدكتور أحمد زويل وفاروق الباز. وبالطبع لم تتوقف آلة القهر عند المسلمين بل واصلت زحفها لكي تسحق البوذيين والهندوس واللادينيين وغيرهم من الطوائف الأخرى. وبعد أن أجهزت جماعة جيش الرب – وهي بروتستانتية ألفية – على كل هؤلاء استدارت أخيراً على اليهود والكاثوليك وحتى البروتستانت من المخالفين لها. فحكمت المحكمة الدستورية أنه بالرغم من أن البروتستانتية المعمدانية والإنجيلية والكاثوليكية واليهودية هي من الأديان السماوية إلا أن هؤلاء قد ابتعدوا عن صحيح عقيدتهم وبالتالي يجوز للسلطات أن تغلق كنائسهم ومعابدهم. وفي النهاية تفرغت الدولة لملاحقة أتباع العقائد غير السماوية وأهملت التعليم والصحة والأمن الأمر الذي أدى في النهاية إلى خراب البلاد. أخي عضو الأحزاب ذات المرجعية الدينية، إذ لم ترتض لأمريكا أن يحدث فيها ذلك فكيف ترتضيه لمصر؟ إن اتجاه الجمعية التأسيسية إلى العبث بالمادة 46 من الدستور القديم والتي تلزم الدولة بكفالة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية هو شيء خطير. فالنص المقترح يقصر حق إقامة الشعائر الدينية على أصحاب “الديانات السماوية”. وهذا قمة البؤس. فالثورة لم تقم إلا لتحقيق ثلاثية الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. والتوافق الوطني الذي سارت فيه القوى السياسية بعد الثورة لم يذهب للأسف إلى توسيع نطاق الحريات الفردية ولكنه على الأقل تأسس على الحفاظ على ما هو ورثناه بالفعل من نظام مبارك. هكذا نصت وثيقة التحالف الديمقراطي من أجل مصر (الذي أسسه الإخوان) على “حرية العقيدة والعبادة ودعم الوحدة الوطنية، وتأكيد مبدأ المساواة بين جميع المواطنين على اختلاف أديانهم”. ألا يعد تعديل المادة 46 من الدستور وقصر حرية العبادة على أصحاب “الديانات السماوية” من قبيل الحنث بالوعود التي قطعها الإخوان المسلمون في وثيقة التحالف؟ المشكلة أنكم يا أعضاء الأحزاب ذات المرجعية الدينية تريدون كل شيء. أنتم تريدون تسخير جهاز الدولة في اضطهاد من يخالفكم في العقيدة. وفي نفس الوقت – ويا للعجب – تريدون الإدعاء أنكم تحترمون حرية العقيدة وحقوق الإنسان! ما معنى حرية العقيدة إذا لم يتبعها حق المؤمن بها أن يعلن عن هويته الحقيقية وأن يمارس شعائرها؟ ماذا؟ تقولون أن حرية العقيدة تعني أن يكون لكل إنسان الحق في اعتقاد ما شاء من عقائد كافرة طالما لم يعلن عنها ولم يدعو إليها؟ هذه في الحقيقة دعوة للنفاق الرخيص. فإذا كانت الدولة ستضغط بكل قوتها على أصحاب “العقائد غير السماوية”، فهل تتوقعون نتيجة أخرى غير أن يظهر معظمهم ما لا يبطنون وأن يتخفى الكثير منهم في صفوفكم؟ هل لديكم مشروع لوضع كل المواطنين على جهاز كشف الكذب لتبين من يؤمن عن حق بالأديان السماوية؟ أم أن المهم هو المظاهر فقط؟ لماذا لا نتعلم من تجاربنا؟ لقد خاض نظام مبارك تجربة فاشلة في محاولة القضاء على البهائيين في مصر. هؤلاء كانوا مسجلين في بطاقات الهوية كبهائيين حتى التسعينيات. ولكن نظام مبارك تفتق ذهنه في سنواته الأخيرة عن أن الأديان المعترف بها في مصر هي “الأديان السماوية” فقط. هكذا طلبوا من البهائيين أن يختاروا بين اليهودية والمسيحية والإسلام. ولما رفض هؤلاء حرمتهم الدولة من بطاقات الهوية ونكلت بهم. وظل الموضوع محل نزاع لسنوات عديدة حتى أصدرت أحد المحاكم حكماً يعطي للبهائيين الحق في وضع شرطة في خانة الديانة. لم تستند المحكمة في حكمها إلى أي مبدأ إنساني أو وطني يعترف بمواطنة هؤلاء بناء على مصريتهم وفقط، ولكن المحكمة قررت منحهم الحق في وضع الشرطة تمييزاً لهم عن المسلمين حتى لا يقع المحظور ويتزوجون منهم. لماذا لا تتخذ التيارات الدينية هذا من هذا الحكم أسوة حسنة؟ فإذا كنتم ترفضون منح البهائيين والشيعة والقرآنيين وغيرهم حقوق المواطنة بإدعاء أنهم ليسوا بشراً مكافئين لكم، فلماذا لا تعطوهم حقوق المواطنة بناء على مصلحتكم في أن يظهر هؤلاء بهويتهم الحقيقية فتطهرون صفوفكم منهم؟ هل من الصعب أن يتحلى ساستنا بالصدق وأن يواجهوا قضايا الشعب بشجاعة؟ هل يعلم من يكتب دستور مصر بعد الثورة أنه يضع الدولة في مأزق عندما يصر على قصر حرية العقيدة والعبادة على أصحاب “الديانات السماوية”؟ هل يعلم أنه يكلف الدولة ما لا طاقة لها به حين يرهقها ويستنزفها في صراعات خاسرة؟ هل يعلم أنه يورط نفسه في المراوغة والتحايل أو في مخالفة عقيدته نفسها؟ نعم.. هذا النص الجديد في الدستور سيؤدي بكم إلى مخالفة عقيدتكم نفسها. فإذا نص الدستور الجديد على كفالة الدولة لحق ممارسة الشعائر الدينية لأصحاب “الديانات السماوية” ماذا أنتم فاعلون بالأقباط؟ أنتم لا تؤمنون أن عقيدتهم سماوية وهذا حقكم وهم بالمثل لا يؤمنون بعقيدتكم وهذا حقهم. أرجوكم لا داعي للمراوغة والقول بأنكم تعترفون بالمسيحية، لأنكم لا تعقدون أن المسيحية الموجودة اليوم هي نفس الديانة الأصلية. فهل ستغيرون من عقيدتكم لكي تتواءم مع الدستور الجديد فتضفون صفة “السماوية” على شعائر الأقباط؟ أم أنكم ستكلفون الدولة بمنع الأقباط من ممارسة شعائرهم بناء على أن عقيدتهم الحالية ليست سماوية بما يكفي؟ إلي أين نحن ذاهبون؟ هل تدركون حقاً مدى الخراب الذي ستلحقونه بمصر؟ الحل في النهاية بسيط إذا أردنا الوضوح والاستقامة.. أن يظل كل منا على عقيدته وأن يكون له الحق في الإيمان أنها العقيدة الوحيدة الصحيحة. وأن ينحصر دور الدولة في تسهيل إقامة الشعائر لكل المواطنين بلا تمييز. وأن يقتنع أخوتنا في الأحزاب ذات المرجعية الدينية أن اعتراف الدولة بوجود البهائيين والشيعة وغيرهم في مصر وإقرارها بحقهم في ممارسة عقيدتهم ليس بمثابة اعتراف من الأغلبية المسلمة بأن تلك العقائد سماوية. ليست من وظيفة الدولة توزيع صكوك “السماوية” على مواطنيها. يا ألف خسارة يا مصر. ثورة مجيدة ألهمت العالم يعقبها جمعية دستورية تستهلك طاقتها في نقاش عبثي تجاوزه معظم بني أدم!
حركة علمانيون