هل ستفضي انتخابات مجلسي الشعب والشوري وكتابة الدستور وانتخاب رئيس جديد لجمهورية مصر العربية إلي الاستقرار المنشود والنهضة المأمولة والدولة الديمقراطية العصرية المنتظرة؟
السؤال يبدو محسوم الإجابة بنعم بينما واقع الحال يميل إلي “لا” كبيرة لأن الديمقراطية وسيلة وليست غاية في ذاتها والدليل ان ما شهدته انتخابات البرلمان بغرفتيه من إجراءات ديمقراطية نزيهة شهد لها الجميع لم تفض إلي النتائج المنتظرة فما جري اننا استبدلنا ديكتاتورية تيار الإسلام السياسي بديكتاتورية الحزب الوطني وفشلنا لأسباب كثيرة في تحريك الأغلبية الصامتة وعجزنا عن دعم تيارات سياسية وفكرية لها من يؤيدها في المجتمع المصري ولكنها لا تملك الأدوات والوسائل اللازمة لتحويل هذا الدعم إلي أصوات في بورصة الانتخابات تمكنهم من المشاركة في تقرير مصير مصر ومستقبلها. الأزمة نفسها تكررت في محنة تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور المنحلة مؤخرا فقد استبعدت الأغلبية معظم تيارات المجتمع وسمحت لنفسها ان تستخدم الديمقراطية كمطية لاحتكار مهمة كتابة الوثيقة الأهم في تاريخ مصر وهو ما ينذر بصراع عميق بين تيار الإسلام السياسي الذي نجح في حصد أغلبية الصناديق رغم محدودية تأثيره في المجتمع ككل وبين التيارات الأخري التي تضم طوائف ومللاً متعددة لا تجد من ينظم عملها ويؤهلها لممارسة الديمقراطية الرشيدة. والأمر نفسه سيتكرر في انتخابات الرئاسة التي باتت تقريبا محسومة إما لمرشح من فلول النظام السابق أو لمرشح من تيار الإسلام السياسي ووقتها سيكتمل مثلث الديمقراطية لنجد أنفسنا أمام مؤسسات كل منها يملك أغلبية الصناديق بينما لا يعبر بصدق عن حقيقة تأثيره في الشارع المصري بمعني اننا سنكون أمام برلمان لا يعبر عن تعدد مصر ودستور لا يضمن حقوق أغلب طوائف الشعب المصري ورئيس فاقد الهيبة يرفضه تقريبا نصف الشعب المصري.
نعود إلي السؤال الأساسي هل ستفضي انتخابات مجلسي الشعب والشوري وكتابة الدستور وانتخاب رئيس جديد لجمهورية مصر العربية إلي الاستقرار المنشود والنهضة المأمولة والدولة الديمقراطية العصرية المنتظرة؟ والإجابة في رأيي لا والعيب ليس في الديمقراطية كما يدعي البعض وإنما في غياب فكرة الدولة عن كل ما جري بعد ثورة 25 يناير فقد شغلتنا السلطة الحاكمة بعروض الديمقراطية المبهرة وأدهشتنا بأول انتخابات تخلو فعلا من التزوير وأدخلتنا بمحض إرادتنا صراع الديوك علي تشكيل اللجنة التأسيسية للدستور ووقفت تضحك علينا ونحن عاجزون أمام خيارين أحلاهما مر في صراع الرئاسة دون ان تنتبه أو حتي تترك لنا الفرصة لننتبه ان مصر فقدت طوال العقود الماضية الكثير من مقومات الدولة العصرية كمؤسسة قضاء مستقلة ومحترمة ومنظومة تعليم تؤمن بالحرية وتنوع الرأي ومؤسسات دينية تعرف الفارق بين دورها الروحي وبين دور الأحزاب ومؤسسات إعلامية تلتزم معايير المهنة وتنتصر للحقيقة وتعرف الفارق بين الإعلام والإعلان وكل هذا مفقود تقريبا والديمقراطية مهما بلغت نزاهتها لن تعوض فقده.
عمرو رضا
احداث مصر
ما بعد الديمقراطية
اضيف بتاريخ: Monday, June 4th, 2012 في 13:21