في الماضي القريب كنت عندما أدخل مكاناً جديداً عليّ أو غريباً عني وأري فيه رجلاً بلحية.. أجدني تسوقني إليه بشاشة وجهه ومحياه الطيب فأعرض عليه أوراقي أو أطلب منه المساعدة أو غير ذلك.. تيمناً مني بأنه سيكون أكثر تديناً وعاملني بصدر رحب وصدق وضمير.. والحقيقة أنه في أغلب الأحيان وليس كلها بطبيعة الحال كان يصدق حدسي وأري الرجل يتوافق مظهره مع أسلوب تعامله وسلوكه وخلقه العام.. رغم القناعة التامة بأن اللحية لن تكون أبداً معياراً ثابتاً للحكم علي أخلاقيات الرجل.
الآن أصبح الأمر بالنسبة لي مختلفاً تماماً أري أحدهم بذقنه فأجدني أبتعد وأشيح بوجهي وأتمتم “حسبنا الله ونعم الوكيل”.
.. أما الذي جعل مشاعري تتغير بهذه الصورة فهي مواقف وتجارب كثيرة خبرتها علي المستوي العام ومررت بها بشكل شخصي.
للأسف بعد فوز ما يطلق عليهم “الإسلاميين” في البرلمان المصري.. أصبح البعض يخيل له إطالة الذقن صارت جواز مرور يمكن معه الحصول علي مكانة أفضل في المجتمع ووضع متميز بين الناس ونيل رضا من يخيل لهم أنهم الحاكمون بأمرهم علي أرض بلدنا.. وهو ما جعلنا نشهد هذا الماراثون المحموم لإطالة الذقن الذي جمع الكبير والصغير وصاحب المقام الرفيع والمتواضع البسيط.. الكل في حالة تسابق لكي يظهر بسمته ويحوز شرف الانتماء لأصحاب المصالح الجدد والباحثين عن المكاسب بأنواعها.
إذن لم تعد اللحية وسط كل ما نعيشه مظهراً دالاً علي التدين.. ليست هذه ملاحظة عابرة ولكن لها ما يؤكدها من شواهد مررنا بها عبر برلماننا الهمام بأعضائه من أصحاب اللحي.. فناهيك عن أدائهم الذي لا يجدي ولا ينفع.. كانت طلباتهم التشريعية أشد عجباً وغرابة.. فهناك من طالب بتخفيض سن الزواج ومن نادي بإلغاء اللغة الإنجليزية ومن طلب بالكشف عن الحالة الجنائية للشهداء واتهمهم بالبلطجة.. فضلاً عن الرغبة في الاستئثار والتحكم في مقاليد البلد وكتابة الدستور بحجة أن الشعب الذي به أكثر من 40% تحت خط الفقر و40% أمية انتخبوهم ووكلوهم عن كل شئون حياتهم بما فيها مستقبل أجيالنا القادمة!!
أما علي المستوي الشخصي فهناك العديد من المواقف المؤلمة التي لا داعي لذكرها هنا.
أعي أن اللحية من السنن.. لكن الأولي أن نأتي بالفروض أولاً من حسن معاملة الناس ومخالقتهم بالمعروف والعمل فيما يصب في مصلحة ديننا ووطننا بعيداً عن الأهواء والمصالح الشخصية.. ففي القرآن الكريم “ولباس التقوي ذلك خير”.. وفي الحديث الشريف: “إن الله لا ينظر إلي صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلي قلوبكم وأعمالكم” و”إن الله لا ينظر إلي أجسادكم ولا إلي صوركم.. ولكن ينظر إلي قلوبكم.. التقوي هاهنا وأشار صلي الله عليه وسلم إلي صدره”.
لا باللحي ولا بالجلباب القصير الذي هو أصلاً ليس من مظاهر الإسلام نفوز بالجنة وننال رضا الله.. يا سادة يا أصحاب الماراثون الخاسر.. ليس بالذقون وحدها نحيا كراماً.
غادة
احداث مصر
ماراثون الذقون الخاسر
اضيف بتاريخ: Tuesday, April 24th, 2012 في 08:24