لسوء حظ مصر،ظلت كالحواذ فى أدمغة أولئك البدو الجياع من قديم.وفى سفر التكوين من “العهد القديم” أن لوط رأى الأرض “كجنة الرب،كأرض مصر” (تكوين 13 : 10) 1
فمصر،أم الحضارات،التى كانت فى تلك العصور قوة عالمية كبرى ذات حضارة عظيمة،تراءت لأولئك البدو “كجنة الرب” 1
وفى التاريخ الذى يرويه الكهنة بطريقتهم الخاصة فى “العهد القديم ” كان هناك دائما “فى الأرض جوع” 1
ولم يكن مجىء بنى يعقوب،قوم يوسف الآرامى،أول مجىء لأولئك الناس الى مصر،فسفر التكوين يخبرنا أنه “حدث فى الأرض جوع.فانحدر ابرام الى مصر ليتغرب هناك.لأن الجوع فى الأرض كان شديدا”.(تكوين 12 : 10 ).ورغم أن من يحكون تلك الحكايات اجتهدوا دائما فى محاولة اضفاء النبل والهيبة على أولئك “الأباء” المبجلين،فانهم لم يستطيعوا فيما يبدوا (انسياقا وراء ما وصفه فرويد بتيار التقوى والتورع فى عملية تحرير “العهد القديم”) طمس الخصال الملازمة لأولئك الآباء،وأبرزها الغش والمكر والخداع.ونحن نتابع لجوء ابرام الى مصر،نشهد نفس الطبع فى هذه الحكاية : “وحدث لما قرب أن يدخل مصر أنه قال لسراى امرأته انى قد علمت أنك حسنة المظهر.فيكون اذا رآك المصريون أنهم يقولون هذه امرأته.فيقتلوننى ويستبقونك.قولى أنك أختى.ليكون لى خير بسببك وتحيا نفسى من أجلك”.(تكوين 12 : 11-13 ) 1
وبطبيعة الحال،لم تكن لابرام خبرة بمصر أو بأهلها،ولم يكن هناك ما يدعوه الى الظن بأنهم يقتلونه اذا حسنت امرأته فى أعينهم ويستبقونها،لكن كل يحكم على الآخرين بطبعه ويرى فيهم ما هو حرى بأن يفعله بالآخرين لو كان مكانهم
وهكذا دخل ابرام مصر مخادعا “فحدث لما دخل أن المصريين رأوا المرأة أنها حسنة جدا.ورآها رؤساء فرعون ومدحوها لدى فرعون.فأخذت المرأة الى بيت فرعون.فصنع الى ابرام خيرا بسببها.وصار له غنم وبقر وحمير وعبيد واماء.واتن وجمال.فضرب الرب فرعون وبيته ضربات عظيمة بسبب ساراى امرأة ابرام.فدعا فرعون ابرام وقال ماهذا الذى صنعت بى.لماذا لم تخبرنى أنها امرأتك.لماذا قلت هى أختى حتى أخذتها لى لتكون زوجتى.والآن هو ذا امرأتك.خذها وأذهب.فأوصى عليه فرعون رجالا فشيعوه وامرأته وكل ما كان له “.(تكوين 12 : 14 -20 ) 1
فالرجل_كما صوره الكهنة فى حكايتهم_خدع فرعون،وتواطأ على أن يتزوج فرعون من امرأته مدعيا أنها أخته،وتربح من ذلك التواطؤ كثيرا فصار “له غنم وبقر وحمير وعبيد واماء وأتن وجمال”.فهو وامرأته المذنبان فى حق فرعون والمستفيدان من ذلك الغش.لكن هل تظن أن “الرب” رأى الأمر على ذلك الوجه فعاقب ابرام وساراى أو حتى وبخهما ؟ أبدا.صب “الرب” جام غضبه،بذلك النوع الغريب الذى نجده فى “العهد القديم” من “العدالة الالهية” التى لا ترى ولا تسمع ولا تفرق بين ما هو خطأ وما هو صواب تحت وطأة انحيازها القبلى الصارخ.ولذلك “ضرب الرب فرعون المسكين وبيته” ضربات توراتية رهيبة بسبب ساراى امرأة ابرام،رغم أنه لم يكن على ساراى،كما يبين لنا سلوك فرعون بعد أن وقف على حقيقة الأمر،الا أن تخبر فرعون بالحقيقة.ورغم كل تلك البلايا التى جلبها ابرام على رأس فرعون بخديعته وتربحه،شيعه فرعون الى خارج مصر و “كل ما كان له”،أى وكل ما استفاد من ثراء حصل عليه بالخديعة
تلك هى الحكاية كما يرويها العهد القديم حرفا بحرف.أما التاريخ فيقول ان ابرام وقومه تسببوا لمصر_عندما استضافتهم وأشبعت جوعهم_فى متاعب خطيرة،ربما كانت قصة ساراى وفرعون هذه غطاء لها
من كتاب قراءة سياسية للتوراة
لشفيق مقار صفحة 67 و 68