اتصور ان معالجة تداعيات اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور تستدعي حكمة واجبة تقنع المواطن المصري بأن هناك في الواقع حرصا علي مصلحة الوطن قبل أي اعتبار آخر وهي رسالة لم تتحقق بالأسلوب والتشكيل الذي تمت به أعمال اختيار اعضاء اللجنة التأسيسية وفضلا عما يقال في هذا الصدد من تغليب منطق الاكثرية العددية في البرلمان علي حساب توافق وطني تمثله القاعدة العريضة من المواطنين بكل انتماءاتهم وتشكيلاتهم فإن الرسالة المقابلة كانت ان هناك قصدا مبيتا علي تشكيل اللجنة علي النحو الذي ظهرت به بصرف النظر عمن تم اختيارهم وهم اشخاص لهم الاحترام إلا ان ذلك لايتفق ومنطق التوافق والقاعدة الوطنية العريضة للاختيار وبالتالي نتيجة للائتلاف بين الاخوان والسلفيين في انجاز مشروع اختيار اللجنة علي النحو الذي تم به ارسل رسالة للمواطنين بصفة عامة بأن هناك مشروعا متراجعا في نظرته للحداثة الديمقراطية وللهيمنة باسم البحث عن تشريع اسلامي وكأننا نبدأ من المربع الأول وهذا أمر غير صحيح اطلاقا واننا قد نكون في طريقنا لاقتباس نظم من أماكن أخري لا تتفق مع ظروفنا وتاريخنا وان الاغراء في استخدام ورقة الدين علي النحو الذي أرسلته هذه الرسالة ربما تؤدي إلي تمزيق للوحدة الوطنية والهوية الذاتية لمصر التي هي غير متعارضة في فهمها للدين مع صحيحه وان اتباع مناهج التشدد قد يدفع بالبلاد إلي بؤر لا تقود للخير.
كان يتعين علي كل محلل ان يتساءل لماذا الحرص علي هذه الهيمنة وهل هي لفرض تسلط للتيار المهيمن علي البرلمان حاليا إلي ما لا نهاية وتنحية التوجهات والتيارات الأخري ثم استخدام منطق الأكثرية الذي هو أساسا يعاكس اعداد دستور مناسب للبلاد لاستمرار البرلمان حتي بعد انتخابات الرئاسة أو احتكار فرد نظام برلماني وليس مختلطا في توقيت غير مناسب وكذلك خطورة التلويح دائما بخطورة مدنية الدولة واستخدام ورقة الدين لتحقيق هذه الهيمنة ويهدد ذلك كله في نهاية الأمر بأن دستورا يصدر عن اللجنة الحالية سوف يكون بعيدا عن التوافق أو القبول الشعبي بل قد يكون انذارا يقود إلي ثورة ثانية ومن استمرار حالة عدم الاستقرار والتشرذم والتخبط السياسي وانهيار الأمن وضياع مصداقية الدولة وانعكاس ذلك علي الوضع الداخلي والعلاقات الخارجية وما يترتب علي ذلك من آثار بدلا من ان نتحرك وفقا لخريطة طريق تمثل توافقا وقناعة وطنية بأنها بداية سليمة لعصر الجمهورية الثانية حتي إذا تجاوزنا عما شابه الفترة الانتقالية من اخطاء الماضي.
وأشير أيضا إلي التداعيات علي المستوي القضائي والطعون التي قدمت بالفعل والمنظورة أمام المحاكم التي تمس عددا من أعضاء اللجنة التي اختارتها اللجنة التأسيسية وما سوف يترتب علي أحكام قد تصدر في صالح هذه الطعون علي السياق الذي اختارته اللجنة من احتكار 50% من عضويتها لأعضاء البرلمان وبالتالي فإن الصالح الوطني والحكمة الواجبة يتعين معها تدارك الأمر عن طريق صدور قرار جديد من البرلمان لمعالجة الوضع القائد وتشكيل لجنة تحقق قاعدة التوافق والشمول بين المواطنين بصورة مقنعة نحس بها جميعا ان صالح الوطن وليس صالح الجماعة أو تيار بعينه هو الأسبقية بصرف النظر عما يسيء للوطن والعملية السياسية من اضرار.
شريف عبد الحميد
احداث مصر
الأكثرية و صياغة الدستور
اضيف بتاريخ: Friday, March 30th, 2012 في 02:21