هل بالطريقة التي تم بها اختيار اللجنة التأسيسية لوضع الدستور والنتيجة التي خرج عليها التشكيل في مجمله العام. نكون قد وصلنا إلي طريق مسدود. وأغلق أفق الأمل في الانتقال بمصر من دولة الاستبداد إلي الدولة الديمقراطية؟ وهل تحول حديث “التوافق” إلي “حمل كاذب” خلال أسابيع قليلة وأصبح “التنطيم” قبل “الدولة” و”الشعبة” قبل “الشعب”؟!
السياسة لا تعرف الطرق المسدودة أو الكلمة الأخيرة. والتفاعل هو قانون الانتقال من حال إلي حال ودفع الناس بعضهم لبعض من سنن التغيير. الذي لا يتوقف لكنني أعترف أنه في الوقت الذي يعيش فيه الإخوان بأكثريتهم وتيار الاسلام السياسي بأغلبيته وهم التمكين أفيق أنا من وهم أنهم فصيل سياسي محنك وأذكي من أن يسقط هذا السقوط المروع في أول اختبار حقيقي ومهم.
وكنت قد أكدت من قبل ان هذا الدستور يكتب بدماء الشهداء وأنه اذا لم تتم صياغته بالروح التي حكمت مصر منذ قيام ثورتها وحتي اسقاط الطاغية. وبالقانون الذي اعتمده ملايين الثوار في علاقتهم بميدان التحرير وجميع ميادين مصر. التي نسينا فيها الخنادق السياسية والفكرية والدينية. ولم نميز بين لون أو جنس أو سن أو مستوي اجتماعي فسوف يكون الثمن فادحا. الآن الثمن سندفعه جميعا. وليس فقط من أوصلونا إلي هذا المفترق الخطير بالاختيارات الخاطئة وغير المستقيمة. وبالصفقات التي تمت بليل علي حساب الشعب وثورته. وبالتصور الذي زين للإخوان أن الثورة مجرد “ركوبة” تصل بهم إلي حكم البلاد والعباد. وأنه بذلك تكون قد تحققت كل أهداف الثورة. واكتملت أحلام المصريين. واستراحت أرواح الشهداء. وهي نفسها الحسبة التي توافقت مع نظرية المجلس العسكري الذي تحمل اسقاط مبارك ووريثه حتي يعيش النظام. وفي رحم هذا التوافق ولد الصراع الخفي والمعلن. والذي هو بالتأكيد علي حساب الثورة وأهدافها. وخصم من رصيد تضحيات المصريين.
الغريب أن “الإخوان” الذين يبدو أنهم قرروا ان يخوضوا اللعبة حتي نهايتها ولا يستمعوا إلا لأنفسهم وألا يقبلوا الا منطقهم. يطلقون علينا الدكتور محمد البلتاجي القيادي الإخواني. التي يحظي بعلاقات طيبة توطدت “أيام الميدان”. مع كثير من القوي. ليصرح في محاولة لما يتصوره امتصاصا للغضب وليس الحوار “ان علي جماعة الإخوان الاعتراف باخطائهم التي ساهمت في ابعاد القوي الوطنية الثورية عنا وان علينا ان ننجح في لم الشمل الوطني الثوري ومعالجة ما ألم به من جراح”. ويتحدث عن دستور لدولة مدنية ديمقراطية غير خاضعة للوصاية العسكرية ورئيس “بجد” منتخب “بجد”. يحكم “بجد” وفق معادلة الاستقلال الوطني والمصالح الوطنية “بجد” ويقول: “لا تزال مساحات المتفق عليه أكبر من المختلف عليه. ولا بديل لنا جميعا عن المصارحة والتوافق والتعاون. وعلي التيار الاسلامي المسئولية الأكبر في تحقيق ذلك” انتهي كلام البلتاجي الذي يعيد فيه أسطوانة التوافق التي انتقل سماعها الآن من خانة القاموس السياسي إلي أبواب الكوميديا. والا ما كان نائب شاب مثل د. مصطفي النجار. وهو الأقرب للدكتور البلتاجي. يخرج من هدوئه المعروف عنه وهو يعلن أن أسباب انسحابه ومقاطعته للجنة التأسيسية أن ما حدث لم يكن انتخابا انما تعيين مباشر. وأن الأغلبية قررت البصق في وجوه الجميع. واختارت معيارا واحدا لدخول اللجنة. وهو أن يختارك حزبا الحرية والعدالة والنور. وأن القاعدة الأساسية التي تعتمدها الأغلبية انه ليس من حق أحد ان يراجعنا.. كما تم استبعاد كل شباب الثورة سواء من هم داخل البرلمان أو خارجه. وكأنهم يعاقبون ولم تتذكر الأغلبية ان هؤلاء الشباب هم من أشعلوا فتيل الثورة وفتحوا باب الحرية. بينما كان بعض قطاعات من هذه الأغلبية يحرم الخروج علي الحاكم ويري المظاهرات إثما. وبعضها الآخر كان ينتظر ويتمهل إلي أين ستسير الأمور حتي يقرر اللحاق بالثورة في وثبة جماعية قياسية تقصي الجميع من المشهد. وتجعلهم ينفردون وحدهم به ونعم الوفاء والاحسان!
لقد تحول امتحان الدستور إلي محنة وكأننا لا نريد ان نتعلم أن الاستبداد لا يصنع مستقبلا ولا يمنع أن يثور الناس.
يحيى قلاش
احداث مصر
الدستور من الامتحان إلي المحنة
اضيف بتاريخ: Thursday, March 29th, 2012 في 01:41