عدنا إلي فكرة الكيانات الموازية.. هل تذكرونها؟! كان هذا في آواخر أيام نظام حسني مبارك الذي قرر احتكار كل الفضاءات. سياسية كانت أو نقابية أو أهلية خاصة بالمجتمع المدني. وعندما جرت أخر انتخابات لمجلس الشعب عام 2010 قرر “التكويش” علي كل المقاعد وحرمان جميع القري الحية في المجتمع من التواجد تحت القبة.
فما العمل وقد ثبت للجميع اغلاق كل سبل الإصلاح بالضبة والمفتاح؟! وقتها اقترح البعض تشكيل “برلمان مواز”. بعد ان قرر “الوريث” جمال مبارك وذراعه اليمني أحمد عز مهندس “الفكر الجديد” كما كان يسمي خصخصة البرلمان لصالح الحزب الوطني وأمانة سياساته.
وعندما بلغ الرئيس المخلوع نبأ تشكيل البرلمان الموازي قال قولته المأثورة “خليهم يتسلوا”. في اشارة تنطوي علي أكبر درجة من الغرور والعنجهية والاستهتار.
تذكرت هذه الواقعة وأنا أتابع تفاصيل تشكيل لجنة شعبية موازية لوضع الدستور كرد فعل علي الجمعية التأسيسية التي تم تشكيلها من البرلمان. وأثارت موجة من الغضب داخل الدوائر السياسية والاقتصادية والنقابية والاجتماعية والثقافية ومنظمات المجتمع المدني علي حد سواء.
فلم يقتصر السخط علي دوائر الليبراليين واليساريين بل لم يتوقف عند أوساط السياسيين عموما وانما أمتد إلي عدد كبير من رجال الأعمال ومنظماتهم الذين انضموا إلي القوي السياسية الرافضة للتشكيل التعسفي والاقصائي للجنة التأسيسية علي النحو الذي قام به أقطاب حزب الحرية والعدالة الإخواني وحزب النور السلفي. فرأينا أصواتا احتجاجية تنطلق من اتحاد الصناعات والجمعية المصرية لشباب الأعمال وجمعية رجال الأعمال المصريين وجمعية رجال الأعمال بالاسكندرية. حيث أكدت هذه الأصوات عن استهجائها من هزال تمثيل صناع مصر وغياب منظمات الأعمال والقطاع الخاص والغرف التجارية والاتحاد العام للجمعيات الأهلية والنقابات.
فإذا أضفنا إلي ذلك الحنق من جانب أصوات لها وزنها مثل اخواننا البدو في سيناء والصحراء الغربية واخواننا النوبيين. نستطيع ان نتبين مدي التعسف في تشكيل هذه اللجنة علي النحو الذي ينزع عنها صفة ا لتعبير عن جميع أو معظم الأطياف المصرية. كما نستطيع ان نتبين ان هذا الغضب ليس مجرد “مكايدة” سياسية من خصوم الإسلاميين. ليبراليين ويساريين. بدليل مشاركة أصوات “إسلامية” في حركة الرفض لتشكيل “تأسيسية الدستور” علي هذا النحو. وبدليل اتساع نطاق الرفض والمعارضة خارج الدائرة السياسية بأسرها ونتمني علي اخواننا الاسلاميين من حزب “الحرية والعدالة” و”حزب النور” ألا تأخذهم العزة بالاثم. أو يركبوا رءوسهم ويتملكهم العناد. ويفعلوا مثلما فعل مبارك وحزبه الوطني المنحل ويقولون باستخفاف واستهانة “خليهم يتسلوا”.
فهذه الموجة من الانسحابات لأسماء كبيرة ومحترمة من اللجنة التأسيسية. بالتوازي مع حركات الاحتجاج واسعة النطاق ومتعددة الأشكال والوسائل ضد منهج “التكويش” والاحتكار الذي تم ممارسته في تشكيل هذه اللجنة. خليقة بأن يتوقف أمامها اخواننا الاسلاميين. بعيدا عن النزعات التبريرية التي لا فائدة منها. فأسلوب تشكيل هذه اللجنة لا يتعارض فقط مع المنطق ومتطلبات التوافق.
الذي لا مناص منه وانما يتعارض أيضا مع التصريحات والتعهدات السابقة لنفس الأشخاص من داخل “الحرية والعدالة” و”النور” الذي حنثوا بعهودهم وانقلبوا إلي “مبرراتية” لمنهج تشكيل “تأسيسية الدستور” و”الاحتقار” للشعب.
وفي ذروة احتدام هذه الأزمة التي أدخلنا فيها الدكتور محمد سعد الكتاتني ومن شارك معه في هذه “الطبخة الدستورية” فوجئنا دون مقدمات ببيان شديد اللهجة من جماعة الإخوان المسلمين يوم السبت الماضي يتضمن هجوماً ضارياً علي المجلس الأعلي للقوات المسلحة واتهامات خطيرة له وللمحكمة الدستورية العليا باستهداف البرلمان ومحاولة اغتيال الثورة واعادة انتاج نظام حسني مبارك.
هذا التزامن يطرح أسئلة كثيرة. ما يهمنا منها هنا ان الصراع بين الإخوان والمجلس العسكري سواء كان صراعاً حقيقياً أو مفتعلاً لا يجب ان يكون ذريعة لغض النظرعن خطيئة تشكيل “تأسيسية الدستور”. بل ان استعادة الإخوان لمصداقيتهم تتطلب أولا تصحيح خطيئة اللجنة إياها.. فالرجوع إلي الحق فضيلة.