تركز قدر لا يستهان به من التناقض الذى أشار اليه فرويد فى عملية التبرير التلفيقية التى بنيت على اللعنات والبركات وولع الاله بالآباء المبجلين
بدأ التبرير_بشطارة كهنوتية غريبة فى اجترائها_بحكاية استلقاء نوح على ظهره مخمورا وانكشاف عورته المهيبة.فمن تلك الحكاية،استمد الكهنة “لعنة” انصبت على كنعان.وهى لعنة ظالمة أخلاقيا والهيا بغير شك،لكنها لازمة كهنوتيا/سياسيا/اقليميا بغير شك أيضا
فبدلا من أن يلعن نوح ابنه حام مباشرة لأنه رأى عورة أبيه وهو فى غيبوبة السكر فلم يسترها كما فعل سام الحصيف ويافث المطيع،انحطت لعنته رأسا بكل ثقلها الرهيب على رأس الابن الاصغر كنعان المسكين،دون سائر اخوته كوش ومصرايم وفوط.لماذا ؟ أنت تعرف.لأن “تخوم كنعان كانت من صيدون حينما تجىء نحو جرار الى غزة وحينما تجىء نحو سدوم وعمورة وأدمة وصبوييم الى لاشع”_(تكوين 10 : 19 )
وكانت تخوما “تفيض بللبن والعسل” وبها مدن عظيمة وبيوت عامرة وآبار وزيتون وكروم.ولهذا السبب العملى للغاية،ناقض محرروا “العهد القديم” أنفسهم وعصوا الرب الههم الذى قال لهم بصريح العبارة أنه “لا يقتل الآباء عن الأبناء ولا يقتل الأبناء عن الآباء (بل) كل انسان بخطيته يقتل”.(تثنية 24 :16 ) لكن نوحا لم يكن عالما بتلك القاعدة فيما يبدو،أو لعله لم يستبصرها لأنها غابت عن ذاكرته فى ضباب مابعد السكر،لأنه اندفق كبركان هائج مدمدما “ملعون كنعان .عبد العبيد يكون لأخوته.ومبارك يكون اله سام.وليكن كنعان عبدا لهم.ليفتح الله على يافث فيسكن فى مساكن سام.وليكن كنعان عبدا لهم” (تكوين 9 : 25 -27 ) 1
والمعنى واضح : يسكن يافث فى مساكن سام أى أرض كنعان،ويصبح كنعان عبدا لهما.فأنت ترى ما جلبه كنعان على رأسه بأرضه المعطاءة ومدنه العظيمة : جعل الكهنة / الساسة الذين سال لعابهم يجرون تلك اللعنة على لسان نوح (ومنذا الذى يمكن أن يتشكك فى قداسة أى شىء يخرج من فم نوح وهو الأب الثانى للبشر بعد آدم الذى انقرض نسله فى الطوفان ؟) واستهلوا بذلك تقليدا طويلا مؤلما من التآمر الالهى على أرض كنعان جعل الاله فى حكايتهم فى حالة أليمة رائحا غاديا لا يكاد يطيق نفسه باحثا عمن يهبه تلك الأرض،وكلما ألتقى أحدا من الآراميين التائهين قال له وهبتك اياها
من كتاب قراءة سياسية للتوراة لشفيق مقار
نشر : رياض الريس للكتب والنشر