الى الذين لا يعملون ويؤذى نفوسهم أن يعمل الناس..أهدى هذا المقال
طه حسين
…………………….
حيرتنى كثيرا هذه المشكلة الشهيرة..مشكلة الجبر والاختيار
هل الانسان مخير أم مسير ؟
وبعد تأملات مضنية وقراءات كثيرة تبين لى أنها شبه مشكلة
أو بالأحرى مشكلة مزيفة..لماذا ؟
لأن محور تلك المشكلة الذى تدور حوله هو اقرارها بقانون السببية كقانون ضرورى وشامل وفطرى
وهذا ما تبينت خطأه
فنحن مثلا نقول أن الانسان حر لأنه له عديد من الخيارات فى اتخاز قرار معين
مثلا اذا كان أمام زيد من الناس خيار بأن يذهب الى النادى أو يذهب الى السينما
فهو للنظرة السريعة مخير
لكن أصحاب نظرية الجبر يرون أنه سواء اختار الذهاب الى السينما أو اختار الذهاب الى النادى فهو مجبر أو مسير..لماذا ؟
لأنه اذا ذهب الى السينما مفضلا عليها الذهاب الى النادى معناه أنه بداخله رغبات تشده للذهاب الى السينما أقوى من الرغبات التى بداخله وتشده الى الذهاب الى النادى _فحدث أن الرغبات الأولى تغلبت علي الرغبات الثانية وأسفر صراع الرغبتان عن فوز رغبة الذهاب الى السينما فأطاعها العقل
من الواضح أن طرح ميكانزيم المشكلة على هذا النحو ينطوى على اقرار عمل قانون السببية
الذى ينص هنا على سبب ذهاب زيد الى السينما دون النادى هو أن رغبته للذهاب الى السينما أقوى من رغبته للذهاب الى النادى فتغلبت رغبة الذهاب الى السينما على الرغبة الأخرى
أى أن زيد ذهب الى السينما ولم يذهب الى النادى بسبب أن رغبته فى الذهاب الى السينما أقوى من رغبته فى الذهاب الى النادى
هنا نحن أمام قانون السببية وجها لوجه فى لب هذه المشكلة
السؤال هنا هل قانون السببية قانون أصيل فطرى فى الانسان
بمعنى : هل ولدنا من أرحام أمهاتنا ونحن نفكر بقانون السببية ذاك ؟
الجواب
فى الغالب لا
اذن هو قانون مكتسب من الخبرة _أى ليس قانونا قبليا،بل قانونا بعديا تجريبيا،أى مكتسب من الخبرة البشرية فى التعامل مع…مع ماذا ؟
فى التعامل مع العالم الكبير الذى هو بمصطلح الفيزياء الحديثة : العالم الماكروسكوبى
والسؤال هنا هل يوجد عالم ما مختلف عن هذا العالم الكبير..العالم الماكروسكوبى بحيث لا يعمل فيه قانون السببية هذا ؟
الجواب
نعم وما هو هذا العالم ؟
الجواب
كل عالم متناهى فى الصغر كعالم الذرة
حيث هذا العالم تطلق الفيزياء الحديثة عليه اسم : العالم الميكروسكوبى
فى العالم الميكروسكوبى ينهار قانون السببية ومبدأ الحتمية بصفة عامة
حيث تجرى التجارب مئات المرات مع تثبيت ظروف تلك التجارب
وفى كل مرة نحصل على نتائج مختلفة
هذا لا يحدث فى العالم الكبير..العالم الماكروسكوبى
حيث تعطى التجربة نفس النتائج اذا كررت مئات المرات طالما أن الظروف ثابتة
الواقع أن حقائق الفيزياء الكوانتية قد قلبت مفاهيم ومنطق الفيزياء الكلاسيكية بدءا من عام 1927 حيث صاغ العالم الألمانى الفذ هيزنبرج مبدأه المشهور الذى يعرف بمبدأ الريبة
أو علاقة الارتياب وهكذا أصبح قانون السببية قانون غير ضرورى وغير شامل
ومن ثم أصبح غير محورى كقانون مأمون الجانب يؤخذ به فى قضية مثل قضية الجبر والاختيار_أو مشكلة الجبر والاختيار
حيث أصبحت فى ضوء ماسبق مشكلة مزيفة
يمكن مراجعة بحثنا عن قانون السببية فى مقال
لماذا..لماذا مأزق التفكير بهذه الطريقة ؟
المنشور بمجلة وجهات نظر عدد سبتمبر 2010