اثار بيان الحكومة الذي قدمه الدكتور كمال الجنزوري إلي مجلس الشعب في بداية هذا الاسبوع جدلاً ساخناً. وصب معظم المشاركين في هذا الجدال جام غضبهم علي شخص الدكتور الجنزوري بوصفه رئيس الوزراء.لكن الغضب يجب ان ينصب بالدرجة الأولي علي “السياسات” المزمنة التي كانت بيان الحكومة الأخير أحد ثمارها المرة. فالأوضاع التعيسة التي اشتكي منها الجنزوري في كلمته أمام نواب مجلس الشعب والتي افرزت هذا البيان الحكومي الهزيل ليست من اختراع رئيس الوزراء وإنما هي الابنة الشرعية لسياسات الحكومات المتعاقبة للحزب الوطني قبل ثورة 25 يناير. والتي كان المفترض ان تذهب مع الحزب المنحل إلي سلة المهملات ويتم استبدالها برؤية جديدة تماما للسياسة والاقتصاد والاجتماع والثقافة لأن هذه السياسات القديمة هي التي دفعت البلاد إلي أزمة عميقة لم يكن هناك مخرج منها إلا ب “ثورة”. وللأسف الشديد قامت الثورة.. ولم تتغير السياسات بل استمرت حكومات ما بعد 25 يناير 2011 تسير علي “كتالوج” الحزب الوطني. ورغم ان الدكتور كمال الجنزوري- الذي أقدر شخصه تقديراً كبيراً وأكن له كل الاحترام يعرف ان عمر حكومته ربما لن يتجاوز ثلاثة أشهر تقريباً تنتهي مع تولي الرئيس المنتخب لمهام منصبه وقيام جنرالات القوات المسلحة بأداء التحية العسكرية له. فإنه لم يجد مفراً من وضع سياسات لعامين مقبلين لان وضع سياسة لثلاثة أشهر فقط غير ممكن عملياً. وحسناً فعل الدكتور الجنزوري من حيث المبدأ. لكن هذا التوجه ترد عليه ملاحظات متعددة: أول هذه الملاحظات ان هذا المنهج يفترض ان رئيس الحكومة الذي سيخلفه سيسير علي منواله. لكن لا يوجد سبب لافتراض ذلك الآن ليس فقط نتيجة لهذه “العادة” المرذولة التي رأينا بموجبها كل مسئول ينقض علي سياسات سلفه ويسير عليها لكن ب “استيكه” وإنما أيضاً لان هذه الرؤية التي تبناها الدكتور الجنزوري لم يشارك في صياغتها مختلف القوي الحية في المجتمع ولم يتحقق بالتالي توافق وطني عليها يجعل منها “مرجعية” ملزمة لرئيس الحكومة التالي مهما كان اتجاهه الحزبي والفكري. ثاني هذه الملاحظات أن رؤية العامين التي انطلق منها بيان حكومة الدكتور الجنزوري تستلهم نفس المعايير والأسس التي تبناها الحكم السابق تقريبا. وهي كما قلنا أسس ليست فوق مستوي الجدال إن لم يكن فوق مستوي الرفض والنبذ بعد ان فعلت بالوطن والأمة ما فعلت بحيث رأينا أن الرئيس السابق حسني مبارك لم يتنح عن رئاسة البلاد. بعد ثلاثين عاما جلس فيها علي عرش مصر إلا بعد ان ترك أرض الكنانة مرتعاً للأمية التي تفتك بنصف المصريين تقريبا. ومرتعاً للفقر الذي ينشب أظافره في أكثر من نصف أهلنا. ومرتعاً للبطالة التي يكاد يخلو منها بيت. ومرتعا للفساد الذي أصبح أكبر مؤسسة في البلاد ترافق تغلغلها واستشراء نفوذها مع خيانة المبادئ الجمهورية وتزوير إرادة الأمة وتلويث الحياة السياسية. وكانت نتيجة ذلك كله تقزيم مكانة مصر الإقليمية والدولية وتفاقم تعاسة أغلبية المصريين. وللأسف الشديد لم تتبن حكومات ما بعد 25 يناير سياسات قادرة علي تغيير هذه الصورة الكئيبة رغم كثير من النوايا الطيبة. واستمر أداء هذه الحكومات يدور حول تأجيل المواجهة الشاملة والجذرية والمتكاملة للمشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والاكتفاء بمسكنات وقتية ومتناثرة.. وأحيانا متناقضة في إطار ما يمكن تسميته ب “إدارة الفقر” وليس “إدارة الثروة” ومصر دولة غنية جداً. لكن يتم نهبها وإساءة إدارة مواردها وإساءة توزيع كل من الأعباء والثمار علي المصرين بعدالة والبديل عن سياسات إدارة الفقر التي نتحدث عنها ليس خيالياً بل إنه موجود. وكل ما يحتاجه هو توفر الإرادة السياسية. وبعبارة أخري فإن ما نحتاجه هو إلا تظل الثورة مجرد شعارات في الميادين.. وإنما أن تكون- بروحها ونص مطالبها وسواعد أبنائها- في مقاعد الحكم فليس من الممكن تحقيق أهداف الثورة بدون ثوريين.
وصف القسم
أحداث مصر اليوم 2019 شاهد اخر اخبار الاحداث المصرية الاخيرة الان
بحث جريدة أحداث
COPYRIGHT (C) 2024موقع جريدة احداث اليوم : احد مواقع شبكة مصريات