الشعب المصري من أكثر الشعوب ايمانا بالقضاء والقدر شعب لا يهتم إلا لكرامته ولا يثأر سوي لشرفه ولا يثور إلا بعد ظلم وصبر شعب يحمل جملة من المتناقضات فرغم حبه الشديد للحياة وتمسكه الأشد بالاستمرار فيها نجده من أكثر الشعوب اقبالا علي الموت إذا ما تعارضت فكرة الموت مع عيشته كريما علي الأرض وهذا ما جعله خير رادع لكافة القوي الامبريالية التي غزت أراضيه علي مر التاريخ وانتهي من عراكه الطويل من أجل الاستقلال واستعادة الكرامة إلي الدخول في صراع أطحن مع حكامه المصريين الذين نهبوا حاضره ليضعوه في مستقبل أبنائهم. وهب الشعب ثائرا لتغيير المشهد وتحرير المستقبل المحتل لدي حفنة المتآمرين علي امتلاكه.. وسقط الحاكم وراح الشعب يبحث عن البديل بحث في قمة السطحية والاستهتار لا يرقي لحجم ولا قيمة الدماء التي سفكت من أجله ولا لخطورة المرحلة التي يعيشها الشعب ولا لمستوي أحلامه حالة من اللامبالاة والاسترخاء أصابت الشعب المصري في مرحلة حاسمة لاختيار رئيس يخلف في التاريخ وعلي الأرض رمسيس ومحمد علي باشا والزعيم جمال عبدالناصر.
فبعد سقوط مبارك تنازعت الأهواء علي كرسي الرئيس وحبذ الليبراليون أن يكون توافقيا يمثل كل التيارات “رئيس أربعة في واحد” متغافلين كعادتهم إرادة الشعب وان الرئيس لن يأتي إلا من خلال صناديق انتخابات حرة المتحكم الأول والأوحد فيها هو حزب الكنبة كما يطلقون أو الأغلبية الصامتة التي ينكرون دائما تواجدها وينصبون أنفسهم دائما وصايا عليها واصمين إياها بالغباء وسوء الإدراك والتصرف وعدم امتلاك الرؤية للمستقبل.. ولم يدرك الليبراليون ان هذه الأغلبية إن لم تكن تمتلك الرؤية وحنكة الحوار فإنها تمتلك القدرة علي صناعة المستقبل وتشكيل سياساته من خلال هيمنتها علي صناديق التصويت والاقتراع. ولعل هذا التجاهل أو ذاك الانكار سوف يعود بكل هذه الأطياف مائة خطوة للوراء فقد تأتي هذه الأغلبية برئيس ترفضه معظم الحركات السياسية خاصة الليبرالية منها وهنا يحدث تصادم حاد بين الليبراليين والرئيس مشابها لتصادمهم المشظي مع البرلمان ولكن إذا حدث هذا التصادم فهل سوف تلجأ الميادين الليبرالية إلي تعيين رئيس مواز كالبرلمان الموازي الذي يسعون اليوم لتشكيله وبذلك يكونون قد صنعوا لأنفسهم دولة جديدة داخل الدولة الأم وفي ذلك دعوة غير مباشرة للانفصال من النسيج الوطني. فهل من المنطقي أن يختزل الليبراليون إرادة 90 مليون مواطن في إرادة 50 شخصا قرروا الاجتماع سويا لاختيار الرئيس القادم؟ وعلي أية حال فإذا كانت هذه هي المعضلة فكيف نتفاداها؟ وهل من الممكن أن نتفق جميعا علي شخص وشخصية الرئيس وإذا كان الاختلاف في الرأي وارد. فعلينا أن نبحث عن الفضيلة فيه.
وعلي الجانب الآخر فقد أثبتت الجماعة انها الأشد ذكاء والأكثر حنكة في شئون السياسة من الليبراليين الذين وضعوا جل همهم في كرسي الرئاسة بدعمهم لأشخاص ربما اختلف الشارع المصري حول مدي مصداقيتهم أو علي الأقل لم يحظوا برضا عام في الوقت الذي توغلت فيه الجماعة في كافة المؤسسات الرئيسية بالدولة فمثلت الأغلبية في مجلسي الشعب والشوري “السلطة التشريعية” ومعظم النقابات العمالية والمهنية “الجهات الرقابية” وراحوا يتحسسون الطريق للمؤسسات التنفيذية فاستقطبوا لصفوفهم فريقا من رجالات الشرطة وطالبوا بقبول دفعة شرطية جديدة من أبناء الجماعة وتصالحوا مع الجيش.. وتعارضوا مع المنشقين من أبناء الجماعة الذين انشقوا طمعاً في كرسي الرئيس فتلقفتهم خيابة الليبراليين ففقدوا جزءا كبيرا من شعبيتهم في الشارع.
د.صلاح هاشم
احداث مصر
الليبراليون و الجماعة.. في حضرة الرئيس
اضيف بتاريخ: Monday, February 27th, 2012 في 09:21