الثَوْرَةُ لا يُمْكِنُ أنْ تَكُونَ أهْواءً وَإغْواءً وَنَزَواتٍ وَشَهَواتٍ وَفِتَنا ً تُثارُ وَتَتَعاظَمُ وَمِحَنا ً تَتَراكَمُ فَوْقَ بَعْضِها فَوْقَ ظَهْرِ مصْرَنا المُتَمِزِّقِ إهْمالا ً وَهُجُوما ً وَهُمُوما ً أدْمَتْ جَوارِحَها المُتَرَنِّحَةِ الإعْياءِ جُرُوحا ً وَقُرُوحا ً وَنَحيبا ً وَأنينا ً ، بخُطَى الأوْجاعِ المُتَصَلِّبَةِ الأحْزانِ تُحاوِلُ جاهِدَة ً تَوْحيدَ الصَفِّ وَتَجْميعَ الأشْلاءِ المُتَناثِرَةِ الأفكارِ بلا هَدَف ٍ أوْ مَضْمُون ٍ أوْ نَهْج ٍ يَجْمَعُ كُلَّ المصْريِّينَ مَعا ً فى خافِقِ وَصْل ٍ مُتَّصِل ٍ _ بحَنينِ الوَطَنِ المُشْتاقِ لِعَوْدَةِ أمْجادِ حَضارَتِنا ، وَبُطولَتِنا وَبَسالَتِنا وَعَزيمَتِنا ، وَتَمَسُّكِنا بكَرامَتِنا وَأصالَتِنا ، وَتَفَرُّدِنا بتَسامُحِنا وَتَصالُحِنا ، وَتَراحُمِنا . . . إخْوانا ً . . . جيرانا ً . . . خِلانا ً . . . إحْسانا ً . . . إنسانا ً يَرْحَمُ إنسانا ً .
الثَوْرَةُ لا يُمْكِنُ أنْ تَكُونَ رِمالا ً مُتَحَرِّكَة ً تَلتَهِمُ بَعْضَها وَما حَوْلَها التِهاما ً فَوْضَوِيَّا ً هِيسْتيريَّا ً مَحْمُومَ الهَذَيانِ وَالغَلَيانِ كالبُرْكانِ الثائِرِ مُندَفِعا ً كالسَيْلِ الغاضِبِ الجارِفِ إلَى اللا مُنتَهَى . .
وَلا يُمْكِنُ أنْ تَكُونَ الثَوْرَةُ انتِقاما ً جُنونِيَّا ً مِنْ كُلِّ الآباءِ ، وَإعْداما ًجَماعِيَّا ً لِلصامِتينَ الأبْرِياءِ
وَاعْتِقالا ً شُمُولِيَّا ً لِلمُجْتَمَعِ المصْرِىِّ المُكَبَّلِ بمَخالِبِ هَيْمَنَةِ العَبَثِ القَهْرىِّ وَأنيابِ الإنكار وَالبَتْرِ وَالفقرالبُورِ وَالجُوعِ المُرَصَّعِ بالأمْراضِ المُزْمِنَةِ المُفتَرِسَةِ لِلبَقايا الباقِياتِ مِنَ الضَحايا المُتَجَمِّدِينَ طُوالَ ثَلاثينَ عاما ً فى انتِظارِ سُفُنِ الرَحيلِ إلَى السَماءِ . . وَجاءَت الثَوْرَةُ وَفَرحْنا بقُدُومِها بلَهْفَةِ أفئِدَة ٍ تشْتاقُ لِلحُرِّيَّةِ الحَقيقِيَّةِ الشامِلَةِ الرَحْمَةِ وَالمَوَدَّةِ وَالعَدْلِ وَالإنصافِ وَالمُساواةِ بَيْنَ كُلِّ المصْريِّينَ فى كُلِّ الحُقوقِ وَكُلِّ الواجِباتِ وَالاحْتِرامِ المُتَبادِلِ وَالاهْتِمام بالمَرْضَى وَالعَجَزَةِ وَالمُعْدَمينَ وَرِعايَةِ كِبارِ السِنِّ وَتقديرِهِمْ وَتَكْريمِهِمْ كَما أوْصَى الحَبيبُ المُصْطَفَى المَبْعُوثُ رَحْمَة ً لِلعالَمينَ .
صُدِمْنا أبْشَعَ صَدْمَةٍ عِندَما بَتَرَ شَبابُ مَيادِينِ الثَوْرَةِ كُلَّ الأجْيالِ التى تَخَطَّتْ أعْمارُها الأرْبَعينَ عاما ً. . مِنْ هُنا حَدَثَ الانقِسامُ السِياسِى وَالانفِصامُ الاجْتِماعِى ، فأمْسَى المُجْتَمَعُ سَقيما ً وِجْدانِيَّا ً وَنَفسِيَّا ً ، وَباتَ الضَميرُ العامُ تائِهَ الحَيْرَةِ مُمَزَّقا ً مُؤَرَّقا ً خَوْفا ً مِنْ شَفرَةِ المَجْهُولِ الآتى مِنْ بُؤَرِ قاذِفاتِ اللوغاريتماتِ بالداخِلِ وَالخارِجِ . . ! ! . .
لِذا فَيَنبَغِى عَلَى الشَبابِ الثائِرِ بلا حُدُود ٍ أنْ يَفيقوا مِنْ سَكْرَةِ غَيْبُوبَةِ طاوُوسِ العِنادِ السَرابىِّ قَبْلَ التِهامِ فُوَّهَةِ هاوِيَةِ الهَلاكِ لأنصافِ الأحْياءِ وَأنصافِ الأمْواتِ _ تَحْتَ أقدامِهِمِ الصارِمَةِ المُتَعَجِّلَةِ اللاهِثَةِ الحِراكِ فى كُلِّ اتِّجاه ٍ . . وَالرُؤَى غَيْرُ واضِحَةِ المَعالِمِ وَالمَلامِحِ وَالتَمَنِّى .
تَذَكَّرُوا مصْرَ وَما ألَمَّ بها خِلالَ عامِ الهَشيمِ وَالرَمادِ . . حاوِلوا الرُجُوعَ إلَيْها صَبابَةَ انتِماء ٍ .
_ هَلْ يُريدُ كُلُّ مُتَفَلسِف ٍ بساحَةِ الحِراكِ السِياسِى أنْ يَصْنَعَ مِنْ نفسِهِ فِرْعَوْنا ً مَلعُونا ً جَديدا ً بنَشْوَةِ الأحْلامِ الإبليسِيَّةِ ، وَنَزْوَةِ الكِبْرِياءِ وَالنَرْجِسِيَّةِ ، وَشَهْوَةِ خُيَلاءِ جُنونِ العَظَمَةِ . ؟ ! ! .
أبَعْدَ أنْ أكْرَمَكُمُ اللهُ المُعِزُّ المُذِلُّ بعَدْلِهِ وَإنصافِهِ وَرَحْمَتِهِ وَحَرَّرَكُمْ مِنْ ديكتاتورِيَّةِ ديكتاتور ٍ واحِد ٍ ظَلَّ يَحْكُمُكُمْ أكثَرَ مِنْ ثَلاثينَ عاما ً ، أهَلْ يُعْقَلُ مِنكُمْ بَعْدَ آيَةِ رَحْمَةِ اللهِ وَبُرْهانِ كَرَمِهِ الساطِعِ أنْ تُفتَنوا بأنفسِكُمْ وَأغْوارِكُمْ وَأهْوائِكُمْ حَتَّى الثَمالَةِ فَتَلهَثونَ مَرَحا ً وَتَرْفَعُونَ هاماتِكُمْ رِماحا ً وَتَصْنَعُونَ مِنْ أوْهامِكُمْ ثلاثَةَ مَلايينِ ديكتاتور ٍ _ وَكُلُّهُمْ يُطالِبُونَ بقِمَّةِ الهَرَم . ! ! .
ألا تشْعُرُونَ بجِراحاتِ مصْرَ النازِفاتِ أمامَ عُيُونِكُمْ وَعُيُونِ الأشِقَّاءِ العَرَبِ وَعُيُونَ العالَمِ المَخْدُوعِ بوَساوِس ٍلاهُوتِيَّةٍ مُهَيْمِنَةٍ عَلَى السَحَرَةِ بسِحْر ٍ كَبَّلَ عَصا مُوسَى وَالوَصايا العَشْرَ خُسْرانا ً سادَ نَحْرا ً _ عِندَ اسْتِسْلامِ قُرَى الحِمْلانِ لِلمَذبَحِ الآلِىِّ المُحَلِّقِ دائِما ً بَيْنَ أسْرابِ الجَرادِ فى كُلِّ اتِّجاه ٍ _ حَوْلَ سَواحِلِ بِلدانِ الوَطَنِ العَرَبىِّ وَالمَنطِقَةِ الشَرْقِ أوْسَطِيَّة . ! ! .
لَمْ يَكُنْ أحَدٌ يَتَخَيَّل انتِشارَ عَدْوَى هَشيم فَوْضَى وَباءِ اللا وَعْىِ بطُولِ البلادِ وَعَرْضِها ، بكُلِّ المَيادِينِ وَالشَوارِعِ وَالمَصانِعِ وَالمَزارِعِ ، وَالجامِعاتِ وَالنِقاباتِ وَالشَركاتِ وَالمُؤَسَّساتِ ، وَالتَكَتُّلاتِ الهَزْلِيَّةِ ، وَالأحْزابِ المَأساوِيَّةِ ، وَالائتِلافاتِ الثَوْريَّةِ ، وَعِصاباتِ البَلطَجيَّةِ .!!.
لَمْ يَكُنْ أحَدٌ يَتَوَقَّع _ تَلاشِى قَيَمِنا الأصيلَةِ وَتَقاليدِنا النبيلَةِ وَمَوْرُوثِنا الأخْلاقِىِّ الحَضارِىِّ الراقِى الأحاسيسِ وَالمَشاعِرِ الحاضِنِ لِنورانِيَّةِ آياتِ نورِالسَماواتِ العُلا _ الضامِنِ لِلوَعْدِ الحافِظِ لِلعَهْدِ المُؤْتَمَنِ عَلَى الرِسالَةِ وَالأمانَةِ وَالحُقوقِ وَالواجِباتِ _ المُمْتَحَنِ فى الرَحْمَةِ وَالتَراحُم _ بوَصْلِهِما وَصْلا ً جَميلا ً ارْضاءً لِنورِ وَجْهِ اللهِ الرَحْمَنِ الرَحيمِ رَبِّ الأرْحام .
كانَ يَنبَغِى أنْ تُحافِظَ ثَوْرَةُ أرْواحِ الشُهَداءِ عَلَى رَوْحانِيَّتِها وَهِدايَتِها وَنَقائِها وَضِيائِها وَوَفائِها للهِ وَلِلوَطَنِ وَلِكُلِّ المصْريِّينَ جَميعا ً ، بلا عُنف ٍ ، وَبلا عَصَبيَّةٍ وَتَعَصُّب ٍ ، وَبلا إنكار ٍ للغالِبيَّةِ العُظْمَى مِنَ المصْريِّينَ ، وَبلا تشْكيك ٍ وَتشْويه ٍ وَتقبيح ٍ وَتنكيل ٍ وَتمْثيل ٍ وَرَجْم ٍ .
عَدْوَى وَباءِ الانفِلاتِ الأخْلاقِىِّ انتَشَرَتْ بكُلِّ المُحافَظاتِ وَفى مُقَدِّمَتِها مُدُنُ السَواحِلِ وَقاهِرَةُ المُعِزِّ . . حَتَّى مَجْلِسِ الشَعْبِ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ عَدْوَى وَباءِ الانفِلاتِ الأخْلاقِى الذى يُفقِدُ المُصابينَ بهِ إنسانِيَّتَهُمْ وَآدَمِيَّتَهُمْ كُلِّيَّة ً ، إذ يَتَحَوَّلونَ إلى مُشَكِّكِينَ يُشَكِّكُونَ فى كُلِّ النَوايا ، وَمُشَوِّهينَ يُشَوِّهُونَ كُلَّ البَرايا ، وَمُتَفَلسِفينَ يَسْخَرُونَ مِنْ كُلِّ الأفعالِ وَكُلِّ رُدُودِ الأفعالِ _ حَتَّى تَضَرُّعِ التَواصُلِ مَعَ اللهِ ، وَرَهْبَةِ ابْتِلاءِ المُبْتَلينَ الصابِرينَ اسْتِشْهادا ً أعْواما ً تِلوَ أعْوام ٍ تِلوَ أعْوام ٍ .
انفَجَرَ فَجْأة ً كَأسُ كابُوس ٍ مَخْمُور ٍ فِتْنَة ً وَثَمالَة ً وَتَرَنُّحا ً وَعَرْبَدَة ً_ بقاعَةِ مَجْلِسِ الشَعْبِ . .
النائِبُ ” زياد العليمى ” أفرَطَ فى سَبِّهِ عَلانِيَة ً لِرَئيسِ المَجْلِسِ الأعْلَى لِلقُوَّاتِ المُسَلَّحَةِ ، وَلِلمُؤَسَّسَةِ العَسْكَريَّةِ وَلِلجَيْشِ المصْرى الباسِل دِرْعُ الأمانِ رَغْمَ غِلِّ الحاقِدين المَأجُورين .
هَلْ جُنَّ جُنونُ النائِبِ المَأفونِ هَذا _ فَتَقَيَّأَتْ رَحَى افتِراسِ عَقلِهِ الباطِنِ الغَجَرِىِّ الحَجَرِىِّ جَمَراتِ الرَجْمِ البَلهاءِ اللاهِيَةِ العَشْوائِيَّةِ وَالعَبَثِيَّةِ وَاللا مَعْقول أصابَ رُمُوزا ً سَتَظَلُّ رُمُوزا ً
بالوِجْدانِ المصْرِىِّ العام . . فمُعْظَمُ المصْريِّينَ يُحِبُّونَ المشير طنطاوى وَالشيخ محمد حَسَّان .
الحصانَة ُلا تَحْمِى النائِبَ الهَمَجِىِّ العُدْوانى المُتَكَبِّرِ المُتَجَبِّرِ الفاجِرِ الناحِرِ المُسْتَذئِبِ ناهِشِ فصوصِ كَبِدِ الوَطَنِ الذَبيح _ جَهْرا ً. . هَلْ أتَيْنا بأعْضاءِ مَجْلِسِ شَعْب ٍ لِيَتَحَكَّمُوا بالدَوْلَةِ كُلِّيَّة ً مِنْ القاعِ إلَى قِمَّةِ الهَرَمِ _ فى لَمْحِ البَصَرِ هَكَذا ..!!.. إنَّهُمْ يُذَكِّرُونَنى بلُعْبَةِ قَفزِ المَماليكِ .!!.
كانَ يَنبَغِى عَلَى مَجْلِسِ الشَعْبِ المُوَقَّرِ أنْ يُعاقِبَ النائِبَ ” زياد العليمى ” إمَّا بفَصْلِهِ مِنْ عُضْوِيَةِ المَجْلِسِ ، أوْ برَفعِ الحصانَةِ عَنهُ _ كَأضْعَفِ الإيمانِ ، لأنَّ التَسَتُّرَ عَلَى الباغِى وَالمُذنِبِ فى حَقِّ الوَطَنِ وَالدَوْلَةِ وَالمُجْتَمَعِ كَكُلِّ ٍ سَيُزيدُ الباغِينَ بَغْيا ً وَيُزيدُ اللاهِينَ انفِلاتا ً سلوكِيَّا ً وَأخْلاقِيَّا ً ، وَهَذا سَيُؤَدِّى إلَى اخْتِفاءِ المُثُلِ وَالقِيَمِ وَمَناهِجِ الأُصُولِ كُلِّيَّة ًمِنْ مُجْتَمَعِنا .
عَلَى المَسْئولينَ عَنِ العَدْلِ وَالقَضاءِ أنْ يَتَمَسَّكُوا بالمُطالَبَةِ بحَقِّ الدَوْلَةِ القانونى وَالشَرْعِى ، بالإصْرارِ عَلَى ضَرُورَةِ مُحاكَمَةِ وَمُحاسَبَةِ ذَلِكَ النائِبِ المُثيرِ لِلفِتَنِ وَالمُرَوِّجِ لَها خُسْرانا ً _ المُشَوِّهِ لِكُلِّ رُمُوزِ الوَطَنِ العَسْكَرِيَّةِ وَالسِياسِيَّةِ وَالفِكْرِيَّةِ وَالدينِيَّةِ _ بُهْتانا ً ، بَغْيا ً وَعُدْوانا ً .
فَحَقُّ الدَوْلَةِ وَالمُجْتَمَعِ لا يَجُوزُ التَنازُلُ عَنهُ كَبدايَةٍ لِمَرْحَلَةٍ سَوِيَّةٍ ناصِعَةِ البَياضِ يُشارِكُ المصْريُّونَ جَميعا ً فى نَظْمِها وَصِياغَتِها بنورانِيَّةِ نورِ الحَقِّ المُتعالِ الفَعَّالِ بكُنْ لِما يُريدُ .
_ الشاعر الأديب / محمد إبراهيم البنا _ رئيس جَماعَةِ الإبْداع الأدَبى