انتهى عصر المخلوع حاملا معه كل المآسي والجراحات والعذابات والانين مؤذنا ببزوغ شعاع الفجر من الافق البعيد لم يره كثيرون ممن عشيت ابصارهم عن رؤية النور، واكتفوا بحيود ضوء نيران الغرب المتصهين عاشوا وللاسف كالخفافيش في ظلامه واقنعوا أنفسهم ان لا نور قادم ينير الدنيا من جديد فألفوا حياة السراديب والجحور ، انتهى هذا العصر الآسن وبزغ شعاع آخر من “ارض الكنانة” مصر ام الدنيا كما تُسمى، حاملا معه مشروع النهضة لمصر وللعالم العربي من بعده، وكما كان للشعب المصري الحبيب دوره المميز في إشعال الثورة وانهاء عصر المخلوع، فهاهو يمسك بزمام المبادرة من جديد ويصدر حزب الحرية والعدالة صاحب مشروع النهضة الى المشهد السياسي ليبدء في زرع أوتاد الانعتاق من ربقة الاستعمار الغربي الصهيوني ويضيئ بذلك الطريق لأشقائه في الدول المجاورة كي يسلكوا نفس الدرب بهمة تقارب علو الصقر في كبد السماء.
ان تصدر حزب الحرية والعدالة للمشهد السياسي في مصر ليس نهاية المطاف وليست القمة التي قد يظن البعض ان جماعة الاخوان المسلمين قد تبوئتها ، ولكنه اول طريق الالف ميل الذي بدأ بخطوة مجلسي الشعب والشورى، فهو طريق طويل عسير ملئ بالاشواك والعقبات والحفر والوحوش الضارية والافاعي السامة ؛ كلها تتربص وتتحفز استعدادا لمنع اصحاب المشروع الحضاري الانساني من المرور واجتياز هذا الطريق الصاعد بخطوات ثابتة نحو استاذية العالم.
خارطة الطريق:
اذكر اخواننا واحبائنا في مصر خاصة و العالم العربي والاسلامي بصفة عامة بالسنن الكونية وقيام وزوال الامم عبر التاريخ وصعود وهبوط الدعوات على اختلاف مشاربها ؛ واقدم هذا التصور المتواضع لجزء من خارطة الطريق في المرحلة القادمة لعل الله ان ينفع به ويساهم ولو بجزء بسيط جدا في توضيح صورة ما قد يحدث ، ولا اكتب ذلك رجما بالغيب ولا استحضارا لنبوءة ولا تحصلت على تقرير استخباراتي من C.I.A يعطيني نبذة عن خارطة الطريق في المرحلة المقبلة؛ انما هو استقراء لتاريخ الدعوات وصعود وهبوط الامم والممالك ، ولا يفوتنا هنا التنويه عن بعض اصحاب البصائر من قادة الدعوات حين بصروا اتباعهم بما سيحدث لهم مستقبلا ليس رجما بالغيب وانما فقهوا سنة الدعوات، ولا ادعي اني مثلهم او ادانيهم في مكانتهم فشتان بين الثرى والثريا ولو دُعيت الى حمل احذيتهم لزادني ذلك شرفا ، وانما اقتبس من إلهاماتهم واعرضها على حضرتكم ، فهذا الأمام الشهيد حسن البنا رحمه الله يقول للإخوان في أحد رسائله: ” أحب أن أصارحكم أن دعوتكم لا زالت مجهولة عند كثير من الناس ، ويوم يعرفونها ويدركون مراميها ستلقي منهم خصومه شديدة وعداوة قاسية ، وستجدون أمامكم كثيراً من المشقات وسيعترضكم كثير من العقبات ، وفي هذا الوقت وحده تكونون قد بدأتم تسلكون سبيل أصحاب الدعوات . أما الآن فلا زلتم مجهولين تمهدون للدعوة وتستعدون لما تتطلبه من كفاح وجهاد . سيقف جهل الشعب بحقيقة الإسلام عقبة في طريقكم ، وستجدون من أهل التدين ومن العلماء الرسميين من يستغرب فهمكم للإسلام وينكر عليكم جهادكم في سبيله ، وسيحقد عليكم الرؤساء والزعماء وذوو الجاه والسلطان ، وستقف في وجهكم كل الحكومات علي السواء ، وستحاول كل حكومة أن تحد من نشاطكم وأن تضع العراقيل في طريقكم . وسيتذرع الغاصبون( المستعمرون) بكل الطرق لمناهضتكم وإطفاء نور دعوتكم ، وسيستعينون في ذلك بالحكومات الضعيفة والأيدي الممتدة إليهم بالسؤال وإليكم بالإساءة والعدوان . وسيثير الجميع حول دعوتكم غبار الشبهات وظلم الاتهامات ، وسيحاولون أن يلصقوا بها كل نقيصة ، وأن يظهروها للناس في أبشع صورة ، معتمدين علي قوتهم وسلطانهم ، ومعتدين بأموالهم ونفوذهم : (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون) التوبة . وستدخلون بذلك ولا شك في دور التجربة والامتحان ، فستجنون وتعتقلون ، وتنقلون وتشردون ، وتصادر مصالحكم وتعطل أعمالكم وتفتش بيوتكم ، وقد يطول بكم مدي هذا الامتحان : ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون) العنكبوت . ولكن الله وعدكم من بعد ذلك كله نصرة المجاهدين ومثوبة العاملين المحسنين ( يأيها الذين آمنوا هل أدلكم علي تجارة تنجيكم من عذاب أليم … فأيدنا الذين آمنوا علي عدوهم فأصبحوا ظاهرين) الصف.
فهل أنتم مصرون علي أن تكونوا أنصار الله ؟”.
وقد حدث كل ذلك بعد استشهاده رحمه الله حرفيا وخصوصا في أيام محاكم التفتيش الناصرية تلك الايام الحالكة السواد والتي قبع فيها اصحاب الدعوة خلف البوابة السوداء عندما غابت الشمس عن أمتنا ، ولم تزل تلك الهجمة مستمرة من بعد ذلك العصر والى يومنا هذا ولكنها تتلون كل فترة حسب الظروف والاحوال !!!
الدستور الجديد:
ان من اول العقبات التي ستواجه حزب الحرية والعدالة ومن سيتحالف معه من اجل بناء مصر الجديدة هي وضع الدستور الجديد ، فستخرج الافاعي من اوكارها مرة اخرى بعد ان تفيق من صدمة نتائج الانتخابات لتمارس هوايتها المعتادة قي بث سمومها في ساحات الاعلام المختلفة محذرة الشعب المصري من تسلط الظلاميين والرجعيين على مجلسي الشعب والشورى وعزمهم على ارساء قواعد دستورية رجعية مستقاة من العصور الوسطى عصور التخلف والانحطاط ،(هكذا ستترنم الافاعي بفحيحها مضيفة):يا حسرتنا على ما فرطنا في جنب مبارك يوم ان ثرنا عليه ،فقد كان يمنحنا الحرية في ان تتعرى نساؤنا كيف شاءت بل وتكرم علينا بتكريم وتلميع نجوم العهر والفجور ( الفن) ، بل وكانت ( وما زالت) لهم ساحات الاعلام مفتوحة على ذراعيها يسرحون فيها ويمروحون ويوجهون العامة من حلالها توجيه الرويبضة المحنك الذي يدري من اين تؤكل الكتف، ويا حسرتنا ايضا على زمن النهب والسرقة بنعومة يكاد لا يشعر بها ابناء الشعب المغيبون بفعل آلتنا الاعلامية التي نجحت في اقناعهم بانتصاراتنا على الاعداء واحرازنا لبطولات الدوري والكأس والبطولات الافريقية ، وان مصر صارت في مقدمة دول العالم الكروي و…..و…..وتتوالى الحسرات على الزمن القبيح. إن جهل الكثيرون بحقيقة الإسلام وقواعده الكلية وتسامحه العالمي سيقف حائلا بين حزب الحرية والعدالة وبين إصلاح الدستور، وسيصبح الحزب وأفعال أصحابه تحت الميكروسكوب الالكتروني لكي تتضخم كل جرثومة لا يخلوا منها أي جسد بطبيعة الحال.
الأزمة الاقتصادية:
سيكثر الحديث عن العجز في الميزانية وتلك الاسطوانة المشروخة المعروفة التي نسمعها ليل نهار بعد كل نصر للإصلاحيين ” ان الحياة ستتوقف وان الفقر سيعم ولن يجد الناس قوت يومهم الذي كان على الأقل متوفرا أيام مبارك والذين سبقوه ، والذي سيسمع هذه الاسطوانة المشروخة ولم يكن قد عاين أسباب الثورة المصرية سيظن أن الشعب المصري كان متخما بالرخاء والنعيم ويعيش أفراده برفاهية مدينة كان الفرنسية. وستبدأ المطالبات الفئوية والمظاهرات المُسيسة والاعتصامات مطالبة برفع مستوى معيشتها الآن الآن… وليس غدا !!
الانفلات الأمني :
استخدام الترويع ضد المواطنين الشرفاء الذين صدروا الحرية والعدالة ولا مانع من سرقة منظمة هنا واعتداء مدبر هناك وتفجير مستهدف هنا او اطلاق اعيرة مبرمجة هناك لكي يُضطر البسطاء للقول المنتظر منهم بعد هذه الأحداث : ” وما لنا وللحرية والعدالة ، لقد جلب علينا المآسي والتفكك والدمار”.
نسأل الله أن يحبط كل مخططاتهم وهذه على وجه الخصوص أكثر من غيرها لما لها من آثار وخيمة وانتهاك لأمن الوطن والمواطنين.
استخدام الشارع في الاستعراض:
لن يجد المصدومون من شئ يرطب قلوبهم المتقدة إلا محاولة حشد الجماهير في الشارع لمطالبة الحرية والعدالة “بمطالبها المشروعة” وستصبح الميادين ساحات للعصيان لا لشئ سوى لفت الأنظار إلى عدم الاستقرار وفشل الحرية والعدالة في تسيير الأمور.
اتهامات بالجملة:
سيتعرض حزب الحرية والعدالة ومعه جماعة الاخوان المسلمين – كما كانت وما زالت تتعرض – لجملة اتهامات ولكنها ستكون أكثر حدة هذه المرة وستستخدم فيها الآلة الإعلامية المسيرة عن طريق الدمى من الاعلاميين كل أسلحتها في القذف والتشهير والسب والانتقاص من الجماعة وأفرادها وستكال الاتهامات بالجملة ومنها على سبيل المثال لا الحصر : ” ممارسة الإرهاب – الكيل بمكيالين بين ذويهم والمتحالفين معهم وبين باقي أفراد الشعب – التفريط في ثوابت الدين – التواصل مع الغربي والصهيوني –– اتهامات لا أخلاقية لبعض أفرادها – الأجندة الخارجية والتمويل الإيراني – استخدام الصور المركبة والمجتزأة – اقتباس تصريحات أفرادها بطريقة لا تقربوا الصلاة – غسيل الأموال – التجارة بالمخدرات – تجارة السلاح – الرجعية والتخلف …. إلى آخر الاتهامات المطبوخة سلفا في أجهزة المخابرات الغربية والصهيونية “.
إنني أوجه رسالتي هذه في المقام الأول لأفراد الشعب المصري العظيم محذرا إياه من أن ينخدع بهذه السيناريوهات المحتملة واشدد عليه أن يتمسك بمن انتخبهم وارتضاهم ولا يتعجل عليهم فيكفي أنهم أصحاب أيدٍ متوضئة طاهرة متطهرة من الأدران وأوساخ الغرب، وان يصبر معهم حتى ترتقي معهم مصر إلى القمة وتُستبدل من حقل تجارب للغرب كان يعاين فيه ما يمكن أن يمرره من مخططات إلى العالم العربي والإسلامي ؛ إلى نموذج راقي لبناء المشروع الحضاري الإنساني المرتكز على معرفة الخالق بما يصلح لعباده .
(( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ) سورة الملك 14) ))