الأيادي المرتعشة لا تبني ولا تحمي.. الخائفون لا يستطيعون بث الطمأنينة في النفوس ولا نشر الأمان في ربوع الوطن.. وما نعيشه الآن هو حالة عامة من الارتعاش والخوف.. ما وقع من احداث بورسعيد في استاد نادي المصري وأدمي قلوبنا لم يكن مقدمة. بل نتيجة حتمية لما نعيشه الآن من حالة فوضي عارمة واختلال في القيم والمقاييس وخوف من المجهول والمعلوم.. سقوط العشرات من فلذات أكبادنا ضحايا بلا سبب.. شهداء بلا معركة كرامة لتحرير أرض أو حماية عرض.. بلا جهاد لأجل مبدأ أو قيمة أو رسالة.. شباب كانوا قبل ساعات من معركة التحرير الكروي الكبري علي أرض بورسعيد الباسلة المناضلة.. ملء الأعين والأبصار.. كانوا قرة أعين آبائهم.. كانوا جزءاً مهماً من حلم الوطن بغد مختلف أكثر إشراقاً وتسامحاً وتقدماً وبهجة.. قبل أن تغتالهم في غفلة منا الأيدي العابثة المجرمة. ما حدث في بورسعيد كان بعضاً من الحصاد المر لما يزرعه نجوم الفضائيات المنظرون. المحتكرون للثورة. والمتحدثون الحصريون باسم الشعب.. حصاد الاحتقان المتعمد والتخوين. الذي لا يستثني أحداً: الشرطة والجيش والقضاء وحتي الشعب المصري كله.. عندما وصفوه بالأمية والجهل لأنه اختار بكامل إرادته من ينوبون عنه في رسم ملامح المستقبل. وقيادة دفة سفينة التشريع والرقابة في برلمان ثوري حقيقي لا يدين في وجوده للتزوير والمزورين.. وجاء اختياره علي غير هواهم. فاعتبروه محدث نعمة ديمقراطية. بل قالوا دون أن يهتز لهم جفن: إنه لا يستحقها. لأنه لم يحسن الاختيار. ما حدث كان بعضاً من الحصاد المر لاختلال المقاييس والمفاهيم والقيم.. ذلك الاختلال الذي تم علي مدي شهور بشكل ممنهج ومتعمد لضرب الاستقرار في مقتل وتصوير البلطجة والترويع والتخريب علي أنها أعمال مشروعة تدخل في نطاق حرية التعبير. والتظاهر والاعتصام. بل واعتبار كل ذلك مظهراً من مظاهر المد الثوري وتعبيراً عن التحرر من كبت وقهر استمر ما يزيد علي ثلاثة عقود.. فرأينا عمال الري يغلقون هويس إسنا. فلا نرتجف هلعاً علي الأرض التي ستموت عطشاً ولا علي الكوارث التي ستحيق بنا إذا ماتت المحاصيل وقل الحصاد.. فيما لا يخرج علينا أي من المنظرين الفضائيين المتأنقين ليقدم لنا وصفة عملية للتعامل مع مثل هذه المواقف التخريبية.. فقط حدثونا عن الحق المطلق في التظاهر والإضراب والاعتصام. وهو ليس مطلقاً في أي مكان آخر في العالم إلا مصر. وتتوالي المشاهد التي أهملناها وتجاهلنا نتائجها لتؤدي بنا إلي محطة الجريمة الكبري في استاد بورسعيد.. تم اقتحام موقع مشروع محطة الضبعة النووية وتحطيم كل ما بها من منشآت تكلفت مئات الملايين.. فلم نتساءل عن سر تقاعس الشرطة وعدم تدخل القوات المسلحة لأننا نعرف الإجابة ولأننا علي يقين من أن أي تدخل من هذا النوع سيترك ضحايا ويدفعنا قدماً خطوات وخطوات في مستنقع التخوين والاتهام.. فالمقتحمون مسلحون والتعامل معهم يعني وقوع قتلي سيصبحون حتماً شهداء ثورة. وستندلع لأجلهم التظاهرات والمسيرات والإضرابات والاعتصامات. ما حدث كان نتيجة متوقعة وريما حتمية لمقدمات أخري كثيرة.. رأيناها ولم نجرمها ولم نتعامل معها بما تستحق من حسم وحزم.. إغلاق الموانئ بسبب الإضرابات وتكبيد الاقتصاد القومي خسائر تقدر بمئات الملايين من الجنيهات.. إغلاق مطار القاهرة بسبب الاعتصامات والاحتجاجات الذي تسبب في خسائر فادحة ونال من سمعة الاستقرار في مصر.. قطع الطرق والسكك الحديدية في شمال البلاد وجنوبها بسبب أنابيب البوتاجاز وأزمة العيش والمشاجرات العائلية والاختطافات اليومية لرجال أعمال وأطفال وفتيات.. وعشرات الجرائم الأخري التي مازلنا لا نعرف من الذي يقف وراءها ولا من الذي يشعل نيرانها.. والتي كان التعامل معها بقوة القانون والشرعية يعني وقوع مزيد من الضحايا وما يعقبه من اتهامات وتخوين وأحاديث عن استباحة دماء المصريين.. وتجاهلها يعني المزيد من الخسائر والتمهيد لما هو أسوأ.. وهل هناك ما هو أسوأ وأكثر دموية واستفزازاً لمشاعرنا مما حدث لشبابنا في بورسعيد؟! المشاهد المفجعة تتكرر برتابة شديدة وانتظام مريب.. قبل ساعات من موقعة بورسعيد كنا نشيد بالأداء الأمني.. كنا نتحدث عن تواجد ملحوظ للشرطة في الشارع وعن إنجازات لا ينكرها إلا جاحد.. وبعد الواقعة بساعات كنا نطالب برقبة وزير الداخلية ونتهمه بالتهاون والتقصير والإهمال. بل وتمادي البعض إلي اتهامه بالتعمد للنيل من استقرار الوطن لحساب الفلول والأذناب والعملاء والقابضين من الخارج. الذين يتهمون الداخلية بعدم التدخل لحماية جماهير الأهلي هم أنفسهم الذين أدانوا الشرطة بسبب وقائع مباراة الأهلي وكيما أسوان في سبتمبر الماضي. عندما وقعت اشتباكات أسقطت عشرات الجرحي.. فهل نطالب بالتدخل أم بعدم التدخل. وكيف يكون التدخل لمنع البلطجة بدون ضحايا؟! قبل شهور كنا نتسابق علي التقاط الصور مع جنود القوات المسلحة. وعلي آلياتهم ومدرعاتهم التي انتشرت في كل مكان تحمي البنوك والمصانع والمنشآت العامة. وتحمي البيوت وتعيد الطمأنينة لكل من أصابهم الهلع في مرحلة تفشي البلطجة. وسقوط الشرطة. وانهيار النظام.. واليوم نتهمهم بالخيانة وقتل الشعب.. إذا تدخلت الشرطة لحماية المنشآت اتهمناها بالقتل. وإذا لم تتدخل حملناها مسئولية سقوط الضحايا.. إذا تدخل الجيش فهو آثم. وإذا لم يتدخل فهو متهم.. فهل يستمر هذا التشنج إلي ما لا نهاية؟!.. وهل تستحق منا مصر كل هذا التخبط والفوضي؟!
وصف القسم
أحداث مصر اليوم 2019 شاهد اخر اخبار الاحداث المصرية الاخيرة الان
بحث جريدة أحداث
COPYRIGHT (C) 2024موقع جريدة احداث اليوم : احد مواقع شبكة مصريات