رغم أن عام 2011 شهد نجاح ثورة الشعب المصري وسقوط النظام السابق ورموزه الفاسدين إلا أنه شهد كذلك ظواهر سلبية لا حصر لها أتمني أن تختفي في العام الجديد إن شاء الله.
وبعيداً عن الأحداث المؤسفة التي شهدتها البلاد عقب نجاح الثورة ومنها الفوضي العارمة وتقهقر الاقتصاد وارتفاع نسبة البطالة والانفلات الأمني والمظاهرات الفئوية وانعدام الأمن والأمان و الفتنة الطائفية وقطع الطرق وتعطيل حركة السكة الحديد وتفشي ظواهر السرقة والنهب والقتل وترويع الآمنين هناك ظاهرة سلبية أخري لا تقل خطورة وهي محاولة البعض تزوير تاريخ مصر عن طريق اتهام الرئيس السابق حسني مبارك في العديد من القضايا رغم أن القضاء المصري حسم تلك القضايا منذ سنوات طويلة.
عقب سقوط مبارك ونظامه فوجئنا ببلاغ تقدمت به السيدة رقية نجلة الرئيس الراحل أنور السادات للنيابة العامة اتهمت فيه مبارك بالتورط في اغتيال والدها في حادث المنصة الشهير عام ..1981 ورغم أن حق التظاهر مكفول للجميع إلا أن هذا البلاغ من وجهة نظري الشخصية ما هو إلا فرقعة إعلامية لأن المحكمة العسكرية العليا محكمة أمن الدولة العليا طوارئ حسمت هذ الموضوع وصدر حكم بإعدام 5 متهمين بقيادة الملازم أول خالد الاسلامبولي ناهيك عن الأحكام الأخري التي صدرت في حق عدد كبير من قيادات تنظيم الجهاد بعد اعترافاتهم التفصيلية بارتكاب الحادث.
ومنذ فترة فوجئنا بأحد المحامين يتقدم ببلاغ إلي المستشار عبدالمجيد محمود يتهم فيه الرئيس السابق حسني مبارك وصفوت الشريف رئيس مجلس الشوري السابق وفتحي سرور رئيس مجلس الشعب السابق ورجل الأعمال حسين سالم بالتورط في اغتيال الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب السابق في أكتوبر عام .1990
من وجهة نظري الشخصية أن هذا المحامي الذي تقدم بهذا البلاغ لا يهدف إلا لتحقيق شهرة خاصة أنه لم يتقدم للنيابة العامة بأي أدلة تؤيد صحة بلاغه سوي كلام مرسل لا يصدر من طالب بكلية الحقوق.
أنا شخصياً تابعت عن قرب حادث اغتيال الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب الاسبق منذ وقوعه في 12 أكتوبر عام 1990 وحتي انتهاء محاكمة المتهمين في 14 أغسطس عام ..1993 وأشهد أنني سمعت الاعترافات التفصيلية من المتهمين في القضية باغتيال المحجوب ورفاقه.
كانت الساعة تقترب من الحادية عشرة صباح الجمعة 12 أكتوبر عام 1990 وأثناء توجه الدكتور رفعت المحجوب إلي فندق المريديان لمقابلة رئيس مجلس الشعب السوري وأمام فندق سميراميس بكورنيش النيل أطلق مجموعة من الأشخاص الرصاص علي موكبه ولفظ أنفاسه في الحال كما قتل أربعة من أعوانه هم المقدم عمرو الشربيني والحراس عبدالعال رمضان وكمال عبدالمطلب وشحاتة محمد أحمد وتمكن الجناة من الهرب عكس الاتجاه باستخدام دراجتين بخاريتين وعندما حاول العميد عادل سليم مطاردتهم أطلقوا عليه عدة أعيرة نارية أدت إلي وفاته وإصابة أحد الضباط.
عقب الحادث مباشرة توجه إلي هناك محمد عبدالحليم موسي وزير الداخلية في ذلك الوقت وأدلي لنا بتصريحات غريبة بأنه يرجح أن يكون الجناة من خارج مصر ويعملوا لحساب العراق!!
بالطبع نشرت الصحف تصريحات وزير الداخلية وتناقلت وكالات الأنباء العالمية تلك التصريحات مستغلة الحملة الشعواء التي كان يتعرض لها الرئيس العراقي صدام حسين في ذلك الوقت بعد شهرين لاجتياحه دولة الكويت.
في 22 أكتوبر من نفس الشهر عام 1990 فوجئنا بوزارة الداخلية تعلن في مؤتمر صحفي عن سقوط الجناة في حادث اغتيال المحجوب حيث تم القبض علي بعض المتهمين في مناطق المعصرة بحلوان وكعبيش بالهرم وبينما لقي المتهمان محمد صلاح ومحمد عبدالفتاح مصرعهما بعد معركة مع الشرطة أمام جامعة القاهرة وأصيب المتهم محمد النجار وتم إلقاء القبض عليه.
عقب القض علي المتهمين أدلوا باعترافات تفصيلية أمام نيابة أمن الدولة العليا وكانت تلك الاعترافات بمثابة مفاجأة مذهلة للجميع لم يتوقعها أحد.. الجناة أكدوا أن الدكتور رفعت المحجوب قتل بطريق الخطأ ولم يكن هو المقصود!! بالفعل تنظيم الجماعة الإسلامية الذي ارتكب الحادث لم يقصد المحجوب بل كان يهدف إلي اغتيال محمد عبدالحليم موسي وزير الداخلية ثأراً لمقتل الدكتور علاء محيي الدين عاشور المتحدث الرسمي للتنظيم قبل الحادث بشهر تقريباً بمنطقة الجيزة.
المتهمون أكدوا أنهم عقدوا العزم علي قتل محمد عبدالحليم موسي وأعدوا لهذا الغرض مفرقعات وأسلحة آلية وذخائر وتوجهوا بدراجتين بخاريتين إلي المكان الذي ايقنوا سلفاً مرور ركبه منه لإعلان نتيجة الاستفتاء علي حل مجلس الشعب وتصادف مرور ركب رئيس مجلس الشعب أثناء توجهه إلي فندق المريديان لمقابلة رئيس مجلس الشعب السوري وأطلقوا عليه الرصاص وتمكنوا من الهرب باستخدام الدراجتين عكس الاتجاه كما قتلوا العميد عادل سليم أثناء محاولته مطاردتهم.
عقب انتهاء التحقيقات أحالت نيابة أمن الدولة العليا 28 متهماً بينهم 7 هاربين إلي محكمة أمن الدولة العليا “طوارئ” وبدأت المحكمة أولي جلساتها لمحاكمة المتهمين يوم 10 يونيه عام .1991
علي مدي أكثر من عامين تابعت بصحبة زميلي وصديقي محمد منازع إجراءات محاكمة المتهمين منها أقوال شهود الاثبات والنفي ومرافعة النيابة وكذا مرافعة الدفاع وحتي صدور الحكم في 14 أغسطس عام .1993
في شهر أبريل عام 1992 شاهدنا بقاعة المحكمة وعلي مدي ساعتين ونصف الساعة شريط فيديو يتضمن اعترافات تفصيلية للمتهم محمد النجار بتفاصيل ارتكاب الحادث.
المتهم محمد النجار أكد أنه توجه بصحبة 5 من المتهمين إلي موقع الحادث في الساعة التاسعة و10 دقاق حيث وقف المتهم محمد عبدالفتاح فوق كوبري قصر النيل لإعطاء إشارة مرور موكب وزير الداخلية محمد عبدالحليم موسي بينما جلس ثلاثة من المتهمين علي مقعد أمام فندق سميراميس ووجهتهم للنيل وأمامهم حقيبة حمراء بداخلها الأسلحة والمتفجرات وتركوا الدراجة البخارية في أول النفق عكس الاتجاه لاستخدامها في عملية الهرب.
وذكر النجار أن الحادث وقع في الحادية عشرة وخمس دقائق واستغرق دقيقتين ونصف الدقيقة.. الطريف أن النجار أكد أنهم لم يعلموا أن القتيل المحجوب إلا بعد هروبهم من موقع الحادث وعن طريق الراديو. وأنهم كانوا يعتقدون أنهم قتلوا وزير الداخلية محمد عبدالحليم موسي!!!
في جلسة تاريخية برأت محكمة أمن الدولة العليا طوارئ يوم 14 أغسطس 1993 جميع المتهمين من تهمة قتل المحجوب بينما أدانت 10 منهم بتهمة حيازة واحراز أسلحة بدون ترخيص من بينهم محمد النجار وممدوح علي يوسف وصفوت عبدالغني والمحكمة أكدت في أسباب حكمها أنه لا يوجد شاهد عيان واحد يؤكد أن أحد المتهمين شارك في الجريمة رغم وقوعها في عز النهار.. كما استبعدت المحكمة شهادة 6 زوجات ضد أزواجهن رغم اعترافهن بالحادث.
أثناء النطق بالحكم في القضية وجه المستشار وحيد محمد إبراهيم رئيس المحكمة كلمة إلي المتهمين قال فيها: “إن كنتم فعلتموها وأفلتم من العقاب فإن الله سبحانه وتعالي الذي تدعون أنكم تطالبون بتطبيق شريعته سيحاسبكم عليها بعد ما تشهد عليكم أيديكم وأرجلكم”.
جمال عبدالرحيم
احداث مصر
اغتيال المحجوب وتزوير التاريخ
اضيف بتاريخ: Tuesday, January 3rd, 2012 في 13:12