في خضم هذا الزخم الاعلامي.. وكثرة الصحف الرسمية والمستقلة والخاصة.. وكثرة الفضائيات التي صارت اكثر من الباعة الجائلين بميدان رمسيس وضجيج برامج “التوك شو” التي تفوقت علي ضجيج “سوق الخميس” والتي تتناول الاحداث بنفس الطريقة السوقية التي لاتخرج منها الا بتمزيق مصر.. بلا ذنب .. وسط هذا الزخم الاعلامي يبدو المشهد السياسي في مصر ضبابيا بصورة تفوق سماء لندن.. لان اعلامنا غير موضوعي.. والمعلومة الحقيقية غائبة.. والشائعة.. والاجتهاد .. والكلام المرسل.. هو الخبر اليقين الذي تتعامل معه وسائل الاعلام.. ويمكنك ان تري مثلا 20 قناة و30 صحيفة تفرد المانشيتات وبرامج التوك شو.. لأكذوبة علي الفيس بوك أو لقطة مركبة علي اليوتيوب.. دون ان يبحث احد عن معلومة مؤكدة او حقيقة دامغة.. ولكن الكل يتسابق لجذب المشاهد بخدعة او اكذوبة مثيرة طالما انها تجذب المشاهد والاعلان.. حتي لو ادت هذه الاكذوبة.. او هذه اللقطة لاحراق الوطن.. لان الكل يبحث عن مصالح شخصية وتصفية حسابات.. ومصالح اصحاب الصحف والقنوات.. والايديولوجيات قبل الوطن وقبل الصالح العام.. وهناك فضائيات تدار بأموال القابعين خلف جدران طرة وجذبت مذيعين ومذيعات بأجور ضخمة.. فتحولوا 360 درجة للاتجاه الآخر.
ولان المعلومة غائبة والحقيقة تائهة.. ضل الاعلام الطريق .. بين إعلام رسمي أو قومي يتمسك بدرجة أو بأخري بميثاق مهني.. يحاول الوصول بالسفينة الي بر الامان.. ليس له مصلحة سوي الصالح العام او مصلحة الوطن.. حتي وان حاول تجميل وجه السلطة.. وبين اعلام خاص قنوات وصحف تدفع رواتب عشرات المرات واضعاف رواتب الاعلام الرسمي وتسعي لجذب مشاهد واعلان حتي لو كان ذلك علي حساب المهنة والموطن طالما تنفذ فكر وهدف مالكها حتي وان أدي ذلك الي مالا يحمد عقباه.
قمة الخطورة في هذا السقوط الاعلامي ان هذه الفضائيات .. وهذه الصحف التي تدير بوصلة برامجها ومادتها الاعلامية حسب توجه رأس المال المالك للقناة او الصحيفة ان كان من التيارات التي تستقطب اموال الخارج او من الفلول الذين كونوا المليارات من دماء الشعب.. انها تؤثر في ملايين المشاهدين البسطاء الذين يشاهدون أو يسمعون مايقال ويأخذونه علي انه الحقيقة التي كانت غائبة عنهم.. وان هذه البرامج هي عين الحقيقة التي تبصرهم بما يدور حولهم.. فيسيرون وراء مايقال بلا وعي ولاتفنيد هذه الاكاذيب وتلك الشائعات خاصة بعد سنوات طوال كان خلالها الاعلام الرسمي خاضعا للنظام الفاسد ولا ينطق الا بما يملي عليه حتي فقد البسطاء والمثقفون الثقة في أي إعلام رسمي.. وصارت الاكاذيب والاراجيف التي تبثها بعض الفضائيات الخاصة هي الحقيقة الدافعة.. حتي جاءت واقعة احراق المجمع العلمي وكنوز التراث المصري لتكشف عن السقوط المذري للاعلام المصري.
وسط هذا التخبط جاء صوت الضمير من خارج الحدود.. عندما وجهت مجلة “فورين بوليسي” الامريكية وصحيفة “فاينانشال تايمز” البريطانية نقدا شديدا للاعلام المصري الرسمي والخاص.. مؤكدة ان الاعلام الخاص فضائيات وصحفاً يعتمد علي الاثارة غير الموضوعية ويشوبها التحيز بشكل سافر للايديولوجيات الخاصة بمالكها.. وان كل التيارات في مصر قد اساءت لهذه الارض المقدسة.