بسم الله الرحمن الرحيم
لاصوت يعلو فوق صوت المعركة
وحدت شعب مصر نحو النصر , وتحقق
كانت منذ 44 سنة معركة الأمس هى تحدى العدو , وتحرير سيناء ومعركةاليوم هى تحدى النفس , وهى الأصعب ولكننا شعب كثير النسيان , ولو تتذكرون فقد قالها ألدكتور / عصام شرف , وفى ميدان التحرير , ببعد نظره , لأنه أدرك أن إسقاط نظام مثل نظام مبارك وإن كان صعباً , فالأصعب منه بناء نظام جديد , وهذا كان هو الجهاد الأكبر ألذى أشار إليه وهو جهاد النفس , وقد تحقق توقعه , وهذه هى الطبيعة , ولكنهم لايبصرون ولا يتذكرون .
ولكن أغلب شباب مدارس مبارك تعود على السطحية , فى الوقت الذى يتخيل فيه كل منهم أن والديه قد أنجبوه وسهروا عليه وانتظروا حتى يكبر لكى يعلمهم كيف تسير الدنيا .
وإذا نصحاه أو حاولا تعريفه بالخطأ والصواب , يعتبر أنهما من جيل الخيال والوهم , حتى أفسدوا بهجة وفخر ميدان التحرير , ألذى كان بعد الثورة مباشرة رمزاً لكرامة مصر ومقصد الكثيرين من زوارها .
مصر وعبور النصر , شعب وأعمدة ثلاثة لاغنى عن أحدها
فالعمود الواحد لايمكنه حمل كتلة , حتى لو اتزنت فيسمى هذا إتزاناً غير مستقر وفى جميع الإتجاهات , ولو كانا عمودين كان الإتزان أيضاً غير مستقر , ولو أنه فى جانبين إلا أنه فى النهاية غير مستقر , أما لو حملنا أى ثقل على ثلاثة أعمدة فستكون مستقرة فى جميع الإتجاهات , وهذه هى الفطرة والطبيعة ألتى خلقها الله سبحانه وتعالى , وخلق عليها كل ما يتم تحميله وتدعيمه , والشعوب والدول أيضاً لها أعمدة لابد أن تكون قوية ومترابطة معاً جميعاً , ولو حدث فى أحدها أى تصدع فلابد أن يعالج وبوجه السرعة قبل أن يسرى فى اتجاهات كثيرة وفى النهاية ينهار , فيكون الباقى معرض أيضاً للإنهيار , وتنهار الدولة بأكملها .
أعمدة الدولة ثلاثة , وهى الجيش والشرطة والقضاء , فلو تصدع أحدها إنهارت الدولة ولو لم يتصدع ألباقى , فلو انهار جيش دولة فلابد من قيامه مرة أخرى وبسرعة فائقة , ولو انهارت الشرطة فلا أمان داخلى ولا استقرار وتنتشر الجريمة بلا رادع ولابد فى النهاية أن تنهار الدولة بأكملها , ولو انهار القضاء فلا قدرة لشرطة ولا جيش على منع الجريمة والظلم ولتحولت الدولة إلى غابة من الحيوانات .
وقد انهار الجيش المصرى سنة 1967م , ولكن من كرم الله سبحانه وتعالى أن العدو كان متخيلاً أنه تمركز غرب القناة ولم يتصور أن الطريق كان مفتوحاً أمامه إلى القاهرة , ولم يعلم هذه الحقيقة إلا بعد أن تمركز الجيش فعلاً وجمع أفراده وضباطه وأسلحته بسرعة فائقة , وكان الفضل فى ذلك يرجع لترابط ألجيش مع الشعب , وقد تحمل الجيش المصرى فى هذه الأيام العصيبة مالا يتحمله بشر , وقد رأيت بعينى ضابطاً فى الجيش يبصق عليه مواطن بمجرد صعوده إلى الأتوبيس , وربما كان منذ أيام معدودة قد رأى أخلاءه أمامه وقد استشهدوا , وربما سار على قدميه مئات الكيلومترات أثناء الإنسحاب وتعرض للموت مائة مرة , ولكن الشعب المصرى الأصيل لم يستمر فى هذه العصبية أكثر من أيام معدودة على أصابع اليد , وبدأ يفهم ويدرك أموراً كانت غائبة عنه بسبب المفاجأة بالهزيمة , وسارت بيننا ألتحليلات وكان العاقل يرشد المتسرع , وأخذ العائدون يروون لذويهم قصص البطولة ألتى رغم الهزيمة لم تختفى بل كانت أكبر من بطولات النصر , فاستوعب الشعب ألذى كان يمر بهذه التجربة لأول مرة هذا الدرس العظيم , وبدأ يفيق من عصبيته ويدرك أنهم أبناؤه وأشقاؤه وأخلاؤه , ولو كنا فى محنة فهم كانوا فى محن عديدة , ولو كان المطلوب منا هو مجرد التماسك , فالمطلوب منهم غير ذلك ألصمود والعزيمة والتدريب والتضحية , وسرعان ما أطلق الشعب المصرى على كل جندى لقب ألبطل , وكنا لاننادى أى ضابط أو جندى بالقوات المسلحة إلا بهذا الإسم ” يابطل ” , وكان هذا هو الترابط بين الشعب والجيش , بعد هزيمة 1967م , وكان لابد بعد ذلك من بناء الجيش على أسس سليمة , وكان لابد أن يتحمل الشعب بعض أمور كنا نعتبرها تافهة أمام مسؤوليات الجيش , فكانت تحدث بعض أزمات فى السلع , شح فى السجائر ويتم تسليمها فى الصباح ولكل واحد علبة واحدة فقط , وربما كانت علبة سعة 10 سجائر , فيقول الكثيرون لاداعى منها فى الأصل ويقسم على الإمساك عن التدخين , شح فى الطحينة , فنقول ليس لها أهمية , شح فى الشاى , لدرجة أن المقاهى كانت فى بعض الأحيان تستمر لأيام عديدة تعتمد على الحلبة وأمثالها , فنشرب فى اليوم مرة بدلاً من ثلاثة أو أربعة , طوابير على الجمعيات الإستهلاكية لأن بها دجاج دانيماركى , أو لحوم مستوردة بمعرفة وزارة ألتموين , حتى الورق ألذى تسبب فى شح الكراسات , إستعمل التلاميذ كراسات ألعام السابق ألتى لم تمتلئ , ولم يطالب فرد واحد من شعب مصر بأى مطلب , لأننا كنا نؤمن بكلمة قالها الشعب ورددتها ألحكومة من بعده وهى ” لاصوت يعلو فوق صوت المعركة ” , ولم تكن شعارات بدليل أننا صبرنا وانتصرنا فى حرب الكتوبر , أما ألتضحيات بالروح فكانت أغلب مصر تطال بالطيران الإسرائيلى , فهجرت مدن القناة ألثلاثة , وضربت مدن كثيرة فى العمق , وبوحشية والكبير يتذكر مدرسة بحر البقر ولابد أن الشباب سمعوا عنها خارج المدارس , لأن مدارس مبارك كانت لاتذكر ما يثير ضد إسرائيل , وضربت منقباد أيضاً فى عمق مصر , وهى مركز فى أسيوط , وغير ذلك الكثير , وأنشأ الجيش المصرى سلاح ربما كان لأول مرة فى العالم , وكان يسمى سلاح المناطيد , ولا وقت لتوضيحه , ولكنه كان يمثل مصيدة للطائرات , ووضعت مدافع ” م. ط ” فوق أسطح العمارات ألعالية بالمدن , وبنيت أمام مدخل كل عمارة ساتر من حوائط الطوب , وساءت جميع المرافق , ولكننا كنا نصبر لأن التسليح أهم وأولى من الكهرباء والصرف ومياه الشرب ورصف الطرق والتليفونات , وكنا ننتظر الأوتوبيس بالساعات , وغير ذلك مما كان يوحى بأن أى مدينة مثل قاعدة حربية بها جيش ودفاع شعبى , وفكان المدنيون ألعاملون بشركات المقاولات ومع المقاولين , وأثناء قيامهم ببناء قواعد الصواريخ ودشم الطائرات وقواعد الرادار وغير ذلك , كانوا يضربون بالطيران الإسرائيلى , ويستشهد منهم ألكثيرين , لدرجة أن قيل إن نسبة استشهادهم أكبر من نسبة استشهاد الجنود , لأنهم كانوا يعملون دائما فى الخلاء , ورغم ذلك لم تنسحب شركة واحدة أو مقاول واحد من أى عملية تابعة للقوات المسلحة , ولم يرفض أى عامل ألعمل عوضاً عمن استشهدوا قبله , وكان العامل وقتها مثل الفدائى , لأنه يذهب إلى الجبهة بإرادته .
وهذه كانت مصر وأكبر , وما ذكرته لا يساوى جزءً بسيطاً من الحقيقة , ولو أفضت فلا يكفينى مجلدات , ولكن نظاماً سابقاً مخلوع تعمد التعتيم على كل هذه المظاهر , لأنه كان يخشى لو علم الأطفال التماسك والإنتماء فسوف ينقضون عليه بعد أن يكبروا ويبلغوا أشدهم , وسبحان الله فقد حدث ما عمل له ألف حساب , ولكن بالفطرة والطبيعة , وبزيادة الكيل , ولكن هناك حلقة مفقودة فى هذه الثورة , وهى التماسك , ألتماسك بالمعنى ألدقيق ألصحيح , والمتميز بالعقلانية والواقعية , فمثلاً ما حدث بعد الثورة من مطالبات فئوية وكنا نحذر وندعو بالصبر ونشرح بدون فائدة , وما حدث من قطيعة كاملة بين الشعب والشرطة , وطالت القطيعة كان خطأ , ومحاولات الإنقلاب على المجلس العسكرى واتهامه بالفرح بالسلطة وهو أبعد ما يكون عن ذلك , باختصار هناك أطراف كثيرة جميعها فى صف الشعب ومؤيدة للثورة بما لايمنع وجود أعداء , ولكن كثرة المطالب واللح والإتهام حولت الشعب وليس هذه الأطراف إلى خصم لها وكادت أن تحول أخرى , وهذا هو الخطأ , فلو تماسك فقط ألشعب ومؤيدوه واستمروا فى ذلك , لأجبر خصوم الثورة على الصمت والخوف والإختفاء , ولكن ما شجع هؤلاء الأعداء شعورهم بأن الثورة قد تحولت إلى نزاع على السلطة .
كنت فى كلية الهندسة وفى قسم ميكانيكا , ولكننى كنت مخترع وأدرس فى نفس الوقت كورسات كهرباء بمعرفتى ولنفسى , وكانت هناك حرب شرسة فى مجال الطيران والرادار والصواريخ ألمضادة لأى شئ , طيران , رادار , أرض أرض ……… , فقمت بوضع تصميم لنظام يوجه الصاروخ إلى الطائرة ويبحث عنها بما تصدره من موجات كهرومغناطيسية ” لاسلكية ” , وطبعاً يمكن توجيهه إلى محطة رادار , فقلت لأحد الأساتذة ذلك , وكان صديقاً لخالى , فنهرنى وقال لى مذاكرتك أولى من هذا , وكان دكتور إنشاءات , أى غير متخصص ولكننى كنت أطلب منه توصيلى لدكتور كهرباء إتصالات , وبعد يومين او ثلاثة , وفى الصباح مررت من أمام حجرة مكتوب على بابها ” د / ….. رئيس قسم الكهرباء شعبة الإتصالات ” , فاستأذنت فى الدخول فأذن لى , ولكنه طلب منى الإختصار لأنه مشغول وكان يبيت فى مكتبه , فأخبرته بما لدى , فأخرج لى ورقاً وطلب منى شرح النظام , ففعلت وطبعاً ناقش ووضحت له ببعض الرسومات التوضيحية , فقام وأحضر مرجعاً وفتحه على موضوع وقال لى إقرأ هذا العنوان , فقرأته باللغة الإنجليزية ماهو ترجمته ” صاروخ شرايك ” , وأخذ يقارن لى بين الكروكيات ألتى رسمتها أمامه وما هو بالمرجع ويثبت لى أنهما متشابهان تماماً , ويقارن أيضاً بين ما شرحته له ويترجم لى شرح المرجع , ورغم أننى عرفت أن هناك من سبقنى بهذه الأفكار إلا أننى كنت فى قمة السعادة والفخر . وفى النهاية قال لى ” شرايك هذا عالم أمريكى , وخلفه العديد من المساعدين والمهندسين والمعامل , وشهرته عالمية , ووضع هذا النظام منذ 5 سنوات , ومعنى أنك مازلت طالب وفى قسم ميكانيكا وتتوصل إلى ما توصل إليه مثل هذا العالم , أنك أولاً تعشق مصر , وثانياً فأنت عبقرى , والإثنان يؤهلانك لأن تؤتمن على أسرار هذا البلد ألذى تعشقه وانا متأكد من خفظك لها , يابنى كلنا تحت خدمة القوات المسلحة , وأنا قد بت منذ أمس هنا فى مكتبى من أجل موضوع من هذه المواضيع , هذا الصاروخ كانت إسرائيل تضرب به محطات الرادار المصرية , فوضعنا لكل محطة عدة هوائيات بعيدة عنها , فإذا انطلق الصاروخ ضرب الهوائى ألصادر منه موجات اللاسلكى , فنفصله ونوصل ألتالى , وهم فى ذلك الخاسرون , لأن صاروخهم ثمنه خمسة أضعاف ثمن الهوائى , ولا تحدث بذلك خسائر فى الأرواح , فقاموا بوضع جهاز يتوجه إلى انبعاثات من المحطة نفسها وليس الهوائى , فضربوا ألمحطات , فقمنا بعمل جهاز يشعر بقدوم الصاروخ ويوقف ألمحطة أثناء ما هو يعدل مساره إليها , فيتجه باقى ألمسافة فى خط مستقيم ويسقط خلف المحطة فى الصحراء , فقاموا بعمل جهاز للذاكرة يحدد مكان المحطة ويضربها حتى لو توقفت , فقمنا بعمل جهاز تشويش يتسبب فى تعطيل أجهزة التوجيه بالصاروخ , وأما مايأتينا من صواريخ من روسيا فهى غير متقدمة , فنقوم بنزع أجهزة التوجيه منها ونزودها بأجهزة توجيه من تصميمنا ويتم صناعتها فى شركات القطاع العام فى وردية ليلية ونترك المكان فى الصباح كما هو , ولا يعرف أحد ماذا كنا نعمل , فاطمئن على مصر فنحن صامدون فى كل شئ , وأوله ألعلم والتكنولوجيا ” , وفعلاً هذه هى مصر الحقيقية وقت الأزمات , وبعد تخرجى وتجنيدى وكبر سنى لم أبح بهذا السر لأحد إلا اليوم وسنى 62 سنة , رغم أنه قد خرجت مثله ألكثير من الأمثلة فى بطولات إكتوبر , ولكننى إعتبرته عهد , وأبوح به اليوم لمصر أيضاً , لأن الشباب لا يعرفون معدن المصريين الحقيقى وهذه مشكلتهم , ويعتبرون ما يروى امامهم مجرد قصص , ولا يفرقون بينها وبين الواقع , رغم أن الفرق كبير مثل ما بين السماوات والأرض .
فكرة شق طريق فى الساتر ألترابى كانت لأحد المهندسين , وتمت تجارب عديدة نتج عنها أن أنسب مضخات للقيام بهذه المهمة نوع ألمانى , ولو استورد الجيش هذه المضخات لعرفت إسرائيل واتخذت خطوات معاكسة , فاستوردت وزارة ألزراعة مجوعات مختلفة من المضخات ومنها هذا النوع , وبدون أن يشعر أحد إنتقلت ألمضخات من مخازن وزارة الزراعة إلى الجيش , وكذلك تم تصنيع نوع خاص من الأسمنت إستطعنا به إغلاق فوهات أنابيب ألنابالم ألتى كانت تقول إسرائيل عنها إنها ستحول القناة إلى جحيم بمجرد محاولة عبورها .
مثل هذا الأستاذ الجامعى وغيره المئات من العلماء كان يعمل ببضع جنيهات , ولو سافر إلى الخارج وخصوصاً أوروبا أو أمريكا لأصبح من الأثرياء فى وقت قصير , والجميع يعرف ذلك , ولكنه ربما لم يكن يعرف ولا يعنيه ماذا كان سوف يتقاضى هناك , لأنه فى الأصل لايفكر ولايعنيه إلا أن يكون داخل مصر لأن مصر محتاجة إليه , ويكفيه ذلك .
هكذا بنى الجيش المصرى , بمثل هؤلاء , والأبطال ألذين كانوا يعبرون إلى الضفة الشرقية ويدخلون فى قلب المعسكرات الإسرائيلية , ويضربون ويرجعون وبعضهم محمول شهيد , ولا يفكر أحد فى ترك صديقه بعد استشهاده مهما كلفه من عناء , لدرجة أن بترت يدا جندى وقدم , فحمله أصدقاؤه وزملاؤه وحمل بعضهم أعضاءه المبتورة , حتى لا تترك هناك وتدفن فى وسط أهله , وأسرعوا به على الأقدام بعد رجوعهم وأنقذوه بالمستشفى , وأظن أنه قد ظهر فى ذكرى نصر اكتوبر ألماضية وقص قصته أمامكم جميعاً , وذلك بالشجاعة العظيمة ألتى كانوا يستمدونها من مبدأ واحد فقط , وهو أننا نعبر من أرضنا إلى أرضنا , فنحن هناك أصحاب الأرض وهم مغتصبون ونعرف تماماً أن ذلك يجعلهم جبناء ويعطينا الشجاعة بهذا الحق .
وهذه هى مصر ألتى تتكاتف وتتحد لتحقيق هدف قومى عظيم , فهل انهار الجيش بعد النكسة , وهل تصارع المصريون بينهم فى تحديد من المسؤول ومن السبب فى الوقت الذى يتربص فيه الأعداء بنا ؟ , لم يحدث وسوف لا يحدث فى يوم من الأيام , لأنها مصر .
هذه ليست قصص ولا ذكريات ولكنها عبرة ولابد أن تكون صحوة , فقد ظهرت اليوم الكثير من الحقائق , والكافية لنعرف ونتأكد أن مصر سواء يتربص بها المتربصون , أو أن ما يحدث بدافع طبيعى فى الخلاف أو أن ما يحدث بطمع الطامعين فى ميراث الحكم , ليكن مايكون سبباً , ألمهم أن مصر فى خطر الفرقة والبعض فى طريقه للهدم , فلابد أن تتحد وليكن فى علم الجميع ضرورة هذا الإتحاد , مهما كان بين طائفتين منها خلاف , ومهما كان بين البعض منها وجهات نظر يعتقد بضرورتها , فاليرجئها لحين تحقيق الوحدة , فكثيراً مايجرح الإنسان نفسه أثناء استعماله لسكين , فهل معنى ذلك أن يجرح يده اليمنى ألتى جرحت اليسرى وهو جسد واحد .
أما ألمقابل فكان هناك بعض الإنتهازيين , والمتطلعين إلى الحكم وهم فى كل عصر وأوان يظهرون من تحت السطح , ولا يقول لى قائل غير ذلك , فظهورهم حتمى , وللأسف خدعوا ألمصريين كثيراً , فكلنا يعرف أن المظاهرات وخصوصاً ألجامعية والعمالية لم تتوقف منذ سنة 1967م وبعد النكسة مباشرة , حتى سنة 1977م , وما قيل عنها أحداث 17 و18 يناير , وكل مرة كان المتظاهرون يعتقدون أنه لابد من إسقاط الحكم , وأنهم قادرون على ذلك وأصحاب حق , ويسترشدون بفرنسا , وفى النهاية يقتنع المصريون وبعد 10 سنوات أن الشيوعيون وراء كل هذا , وهم من كانوا يرتبون لها حتى سنة 1974م وبعد نصر اكتوبر حاولوا إثبات أنه هزيمة وليس نصراً , وهؤلاء هم المشككون فى كل شئ , وينطبق وصف ذلك على الكثيرين من المتسلقين , بدليل أنهم يتعمقون فى شرح السلبيات ولو لم تكن , ويستميتون فى الإثبات , ولايمكن أن نسمع واحداً منهم يدعوا إلى تضامن بين الجميع .
وكان أغلبهم مقتنعون , وكان لى زميل وجار وأثناء أيام المظاهرات فوجئت بإعلان إسمه بين أسماء من زارهم زوار الليل , فتوجهت لمزله لمواساة والديه , ففوجئت به يفتح لى الباب , وكنت ألاحظ أن الأغلبية من قيادات هذه المظاهرات لهم ميول شيوعية , فتسرعت بالحديث أمام والده وقلت له إن إسمك ورد فيمن قبض عليهم ألليلة الماضية , فلطمه أبوه وقال له ” إذن أنت متغيب عن الكلية باتفاق بينك وبين أمثالك الشيوعيين , حتى يصدق الباقين أكاذيبكم ويستمرون فى المظاهرات ” , وأقسم عليه لو لم يذهب إلى الكلية غداً ويشاهده كل زملائه فلا بقاء له فى المنزل , وأصر على أن أقوم بهذه المهمة , وفعلاً وفى صباح اليوم التالى وأثناء خطبة للزعيم فى أكبر مدرج بالكلية , يعلن فيها عن أسماء جديدة , أمسكت بزميلى وصعدت به وأمسكت بالميكروفون وأعلنت أنه لم يقبض عليه وهذه أكاذيب والشيوعيون ……. , ولم يتركوننى أكمل وانهالوا علينا ضرباً مما دفع الطلبة للإسراع إلينا وتحول الموقف إلى معركة , وعندما انتهت وضحت للزملاء ألاعيبهم وبالدليل القاطع , فصرف أغلب الزملاء نظرهم عن المشاركة فى هذه المظاهرات , وتناقصت بالتدريج حتى توقفت , وظهر بعدها جميع من قيل أنهم قد قبض عليهم وتأكدنا أنها أكاذيب , وكان منهم جزء مقبوض عليه فعلاً ولكنهم كانوا معروفون باتجاهاتهم ألشيوعية , ومحاولاتهم لقلب نظام الحكم , فكان الطلبة لا يثارون بهذا , فلجؤوا إلى حيلة أن يعلن عن طلبة لايعرف أحد عنهم شئ قد قبض عليهم و يتفقون معهم على عدم الظهور , حتى نثار ونقول إنهم لاناقة لهم ولا جمل , واستمرت المظاهرات حتى سنة 1977م , وكانت واضحة وضوح الشمس أنهم وراءها , وجمعهم الزعيم / أنور السادات لفترة فى المعتقل , وأخرجهم وأصدر قراراً بنقل كل رواد الشيوعية إلى أماكن لا يحتكون فيها بالجماهير , ولولا ذلك لاستطاعوا ألقفذ على الحكم وكنا سوف نحكم بالشيوعية ألخالصة , وبعد اتجاه الدولة إلى الإنفتاح والرأسمالية , كانوا من أول المسارعين للشعارات ألتى تؤيد ألرأسمالية , وتصفق لبيع القطاع العام , والغريب فى كل هذا أنهم كانوا يجدون السبب ألذى يدفع الطلبة والعمال إلى التظاهر معهم , مرة بسبب هزيمة 1967م , ومرة بسبب إرتفاع الأسعار , ومرة بسبب عام الحسم والذى لم يفى أنور السادات به ولم يحارب إسرائيل , وطبعاً ألجميع عرف بعد ذلك أنه كان ترتيباً للمفاجأة فى 1973م , وآخر مرة كانت بسبب غلاء بعض السلع .
كلما كانت فى مصر مناسبة قومية , لابد من ظهور هؤلاء المشككون معها , ولابد لهم أن يختاروا فئة من الشعب يقودونها ويحركونها , بكثير من المؤثرات مثل المطالب الشعبية , والفئوية والثأر والعدل وتصحيح المسار وخلاف ذلك من المؤثرات , وهذا هو مايحدث الآن فى التحرير تماماً , وحتى يتهمنى بعض الشباب مرة أخرى بقصر النظر والغباء , فسوف أضع تحليلاً ووجهة نظر لهذا ألموقف .
• ألمشير طنطاوى قمة فى الذكاء , لأنه من غير المعتاد أن يصرح مثله بتصريح يكذب إشاعة ربما يراها ألبعض بسيطة , وهى فى الحقيقة خبيثة , فكان لابد من توضيح حقيقتها , وهى ما أشيع أن المشير طنطاوى قد طلب مقابلة د / ألبرادعى وتم بينهما لقاء , ويصرح ألمشير بأن اللقاء كان بناءً على طلب د / ألبرادعى , والفرق هنا بسيط جداً فى حالة أن ” كلنا واحد ياعم الحاج ” , ولكن فى مثل هذه الظروف يشاع أن المشير عرض الوزارة على د / ألبرادعى ورفض , وذلك لأنه غير مقتنع بطريقة المجلس الأعلى ويرى وزارة ذو صلاحيات واسعة , وبالتالى يكون تشكيله لاختراع وزارة موازية معقول , ويقود شباب التحرير فى ذلك , أما أن يطلب د / ألبرادعى مقابلة ألمشير , ثم يكلف بعد ذلك د/ ألجنزورى بالوزارة , فهذا معناه واحد لاثانى له , وهو أن د / ألبرادعى طلب تكليفه بالوزارة وفى نفس الوقت فمعروف أنه يحلم برئاسة ألدولة , فلابد طلب نص يبيح الترشيح للرياسة بعد ذلك , وسواء ألطلب بسيط أو مركب , فقد رفض , وحتى يستطيع قيادة ألتحرير لما سماه وزارة موازية , فلابد أن يشيع هذه ألإشاعة , ولذلك كذبها ألمشير بكلمة بسيطة وهى أن المقابلة كانت بناءً على طلب د / ألبرادعى نفسه , ولذلك نلاحظ أن اختراع ألوزارة ألموازية قد ظهر به خطأ يوقفه وتوقف فعلاً ولم نراه فى جدول ألجمعة ألماضية .
• إعتصام التحرير كان من الممكن أن ينتهى تماماً بعد قرار تقديم د / شرف , إستقالة وزارته , ولكن د / ألبرادعى أسرع إلى هناك باختراع ألوزارة ألموازية , قبل فض الإعتصام حتى يبقى عليه ويكونوا هم ألمطالبون به , ومن أين يأتى بجمهور يؤيده أفضل من هؤلاء , وهو يعلم تماماً أن محافظته نفسها ألتى لاأعرفها ربما لايخرج منهم واحد لتأييده , وبذلك أصبح ميدان التحرير معتصم سواء بمبرر أو بدون مبرر , وهذا هو الإلتفاف الحقيقى على الثورة الإعتبارية , لأنها ليست الثورة ويراد أن تسمى ثورة ثم تقاد بأحد متطلعى ألحكم .
• مع شديد احترامى للدكتور البرادعى , فأين هو من مثل ما ذكرت من الأساتذة والعلماء فى الوقت الذى كانت مصر فيه فى أمس الحاجة إلى كل جهد , للعبور إلى النصر , وأين تاريخه الناصع والمشرف ؟ , فى أمريكا !!! , فاليذهب ويحكم أمريكا .
• نلاحظ تخبط ألمطالب فى ميدان التحرير , فى الوقت الذى فيه لا يتناسب أكبر مطلب فيهم إلى درجة الإعتصام , ويوم الخميس فقط أعلن أن مليونية الجمعة لتأبين الشهداء وتكريم المصابين , ومع حرصى واحترامى لذلك وفى أى وقت فشكل التحرير بذلك وكأنه معتصم منذ البداية بدون هدف , وطوال هذا الوقت يبحث عن هدف حتى وجده قبل الجمعة ببضع ساعات .
ولاحظوا أننى لم احلل ألجانب ألآخر وهى الإنتخابات والوزارة الجديدة برئاسة د / ألجنزورى , وذلك للإختصار وهوتحليل واضح بدون تعليق .
وبذلك نستطيع أن نقول :
ألسلطة نزعت من نظام مبارك , وأصبحت فى يد المجلس العسكرى , وهو سوف يسلمها إلى نظام مدنى , لذلك كل الأنظمة تسعى للفوز بها , ولكن الإسلوب يختلف بين نظام وآخر , ومن مرشح وآخر , وجميعها تشترك فى الطمع .
ولذلك قلت منذ 11 سنة ومازلت أقول ” ألهم كن فى عون مصر , واحمها من أبنائها قبل أعدائها ”
عاشت مصر حرة , والمجد للشهداء
مهندس / محمد الزكى محرم