ان أمريكا هى سيدة العالم فى النصف الثانى من القرن العشرين وحتى يومنا هذا_لا أحد يجادل فى ذلك_فهى عاصمة القوة والعلم_لكنها تعتنق فلسفة هى فى رأيى بذرة فناءها_تلك هى الفلسفة البرجماتية (العملية)_لقد بهتت أميريكا بفلسفتها البراجماتية على العالم أجمع_العلم أصبح برجماتى_الأخلاق أصبحت برجماتية_السلوك أصبح برجماتى_الآليات كلها فى الاقتصاد والاعلام ومؤسسات البحث العلمى أصبحت برجماتية_بل الفن لم ينجو هو الآخر من تلك الفلسفة
والبرجماتية فلسفة عملية تهتم بالنجاح على صعيد الواقع وتقلص كثيرا من دور التفكير المجرد،حتى أنهم فى أمريكا والغرب كادوا أن يلغوا الفلسفة وينادوا بالغاءها لأنها من وجهة نظرهم ليس لها فائدة عملية !_هذا اعتداء صارخ على الفكر النظرى المجرد_اعتداء على الخيال_ان مايحدث فى أمريكا ويحدث فى العالم كله الآن هو عملية عكسية لما حدث قبل ذلك بآلاف السنين للحضارة الاغريقية_فقد كان المجتمع الاغريقى (اليونانى) نسبة السادة فيه الى العبيد 1 :4 _أى 25 % من المجتمع اليونانى سادة ، و 75 % منه عبيد_أى كل شخص يونانى سيد أمامه أربعة عبيد_ولما كان مجتمع السادة يحتقر ممارسة العمل البدنى أو الأعمال العملية التى هى تكنولوجيا بلغتنا المعاصرة_فقد اذدهر الفكر النظرى اليونانى ووصل الى أعلى ذروة له فى عصر أرسطو_ثم بدأت مرحلة التدهور والانحطاط للفكر اليونانى النظرى بعد ذلك_لماذا ؟_لأن أمام هذا الفكر النظرى الجبار_لم يكن هناك محاولة لترجمته الى عمل_أى الى تكنولوجيا_حتى اذا ما ترجم هذا الفكر النظرى الى تكنولوجيا يحدث حوار وتفاعل(أى جدل أو دياليكتيك) بين المنجزات التكنولوجية وما تفرضه من آليات واشكالات تستفز وتستنفر العقل النظرى وتحثه على الابداع والتطور والتقدم باستمرار_وبالتالى يحدث تجديد وتطور باستمرار للفكر النظرى وللتطبيق العملى (التكنولوجيا) معا بسبب هذه العملية الحوارية بين ماهو نظرى وماهو عملى_لكن نظرا لاحتقار العمل فى الحضارة اليونانية كما أسلفنا_أصبح لا وجود لعمل_لتكنولوجيا_وبالتالى لا وجود لحوار أو جدل أو دياليكتيك بين ماهو نظرى وماهو عملى فنضب الفكر النظرى ابتداء من نهاية عصر أرسطو _الآن بسبب البراجماتية أو الفلسفة العملية الأميريكية التى سادت العالم كله_أصبح هناك عملية جدب حوارى_جدب جدلى دياليكتيكى بين ما أنجز من عمل وتكنولوجيا وبين اضمحلال الفكر النظرى التجريدى _لأن الفكر النظرى هذه المرة هو الذى يتم احتقاره_نعم الفلسفة البراجماتية تحتقر الفكر النظرى الذى ليس له تطبيقات عملية_لكنها رؤية قصيرة النظر_لأن ما قد يبدو للبراجماتية من عدم جدوى للفكر النظرى لمدى معين من الزمن_يصبح له جدوى بعد زمن أكبر فى المجال التطبيقى_علاوة على أن احتقار الفكر النظرى التجريدى والفلسفة على رأسه_من شأنه أن يصرف الناس وكل المسئولين عن الثقافة والاعلام ومراكز الأبحاث عن هذا الفكر النظرى واحتقاره والفلسفة على رأسه_ونحن أحوج مانكون الى هذا الفكر النظرى والفلسفة_لماذا ؟_ذلك لأن البرجماتية استنفذت قدرتها على الابداع التطبيقى أو قل قصرت عملها على الابداع التطبيقى وخلقت مشاكل لا حصر لها آتية من الآليات المتولدة من الانجازات الهائلة فى أنظمة الاقتصاد والاجتماع والتكنولوجيا،والكوارث الناتجة من تعقد هذه الآليات_كل ذلك يحتاج لعقل تحليلى مجرد نظرى فلسفى من الطراز الأول_ان المشكلة هى غياب أو قلة شأن الاهتمام بالعقل النظرى التجريدى الفلسفى ومن ثم غياب الحوار معه_ان الحوار مهدد بالاختفاء_الدياليكتيك مهدد بالاختفاء تماما تحت سطوة انجيل أمريكا العالمى ألا وهو الفلسفة البراجماتية