لقد شد انتباهي ما شاهده الشارع المصري من إضرابات واعتصامات متصاعدة. نظمها العاملون بالمترو وعمال السكك الحديدية وعمال النظافة في شتي المحافظات. بالإضافة إلي العاملين في بعض المصانع الحكومية وهذا ما جعلني أدرك ان الفقر هو السمة المشتركة لكل هذه الفئات والدافع الأساسي وراء هذه الإضرابات كما جعلني أتساءل لماذا تنتشر هذه الإضرابات بين العاملين في القطاع الحكومي بالتحديد .. ولماذا لم يشارك الباعة المتجولون وعمال النظافة والصرف بالشركات الخاصة في هذه الإضرابات؟ وعلي الفور أدركت ان السياسات التي اتبعها النظام السابق في التعامل مع هذه الفئات هي سياسات تتسم بالتحامل علي الفقراء. رغبة منهم واقتناعاً بأن مصلحة المجتمع تقتضي الإبقاء علي هذه الفئات كما هي حتي تظل هذه الوظائف والمهن تجد من يمارسها حيث يخدم التحامل علي الفقراء أغراضاًِ كثيرة فهو يشعر دائماً أصحاب الياقات البيضاء بالتفوق. كما يتيح بذكاء الإبقاء علي الوضع الراهن في المجتمع .. فالفقر في نظرهم كأي ظاهرة اجتماعية أخري تستمد قدرتها علي الاستمرار من خلال ما تحمله من فوائد للمجتمع أو لبعض فئاته .. ففي كل مجتمع توجد مجموعة من الوظائف التي لا يقبل كثير من الناس عليها. إما لكونها بغيضة و خطيرة أو لقذارتها المادية وإما لكون الناس قد تعارفوا علي حقارتها وكان أمام النظام السابق طريقان لإشغال هذه الوظائف .. الأول ان يعمل علي رفع أجور العاملين بهذه الوظائف. ولكنه خشي من تركهم لها. فلم يكن أمامه سوي الطريق الثاني وهو استغلال العاطلين عن العمل من الفقراء والزج بهم للقيام بتلك الأعمال في مقابل أجور منخفضة للغاية بما يضمن استمرارهم في هذه الأعمال .. ومن ثم يؤمن وجود الفقر انجاز تلك الأعمال .. فضلاً عن اعتقادهم بأن وجود الفقراء يساعد علي زيادة الحراك الاجتماعي إلي أعلي حيث انضمت إلي الطبقة الوسطي جماعات عديدة نتيجة لمكاسب ضخمة جنتها من بيع الفقراء لبعض السلع والخدمات التي يترفع الأغنياء عن بيعها لهم نظراً لما تتسم به من مخالفة للقانون أو عدم الاحترام. مثل المقامرة والمخدرات وتجارة الأعضاء تلك التجارة التي لاقت رواجاً شديداً في السنوات الأخيرة من عهد النظام البائد. والتي اعتمدت بشكل أساسي علي الفقراء الذين راحوا يبيعون أجسادهم مقابل العيش الكريم وإن كان موقتاً .. كما يتحمل الفقراء دائماً تكلفة التغيير والنمو في المجتمع فهم يؤدون الأعمال القاصمة للظهر في بناء المدن. ويطردون من مساكنهم في العادة لاتاحة مكان للتقدم فالطرق السريعة ولاسيما الطرق الدائرية في شتي المحافظات التي تشق ضواحي المدن والتي هي في الغالب مساكن للفقراء والعمال الذين فروا إليها من غلاء المدن. بالإضافة إلي مشروعات اسكان الشباب والجامعات والمستشفيات والمراكز الحضرية كلها كانت تقام دائماً علي أرض يشغلها الفقراء الذين يتم في الغالب ترحيلهم عن أحيائهم دون إرادتهم ودون تعويض كاف ومناسب لهم وهو ما لا تسمح به أي جماعة أخري .. وعادة ما يشتري الفقراء سلعاً لا يرغب فيها الآخرون مما يطيل الفائدة الاقتصادية لهذه السلع مثل الخبز البايت والفاكهة والخضروات الموشكة علي التلف والبيض المكسر والملابس المستعملة .. كما يقبلون علي التعامل مع الأطباء والمحامين والمدرسين الذين لا يقبل الأغنياء علي التعامل معهم إما لكبر سنهم أو لحداثتهم وإما لنقص كفاءتهم وقلة تدريبهم. وهم بذلك يتيحون الفرصة لهذه الفئات لزيادة دخلها .. وهذا ما يضمن الفرصة سانحة لتفوق أبناء الأغنياء واعتلائهم أرقي الوظائف .. في حالة تسرب أبناء هؤلاء الفقراء من التعليم واعتلال صحتهم الأمر الذي يدفعهم إلي الانخراط في مهن والديهم .. كما ان وجود الفقراء ييسر الممارسة السياسية ويعمل علي ستقرارها. فمن المعروف ان مشاركتهم السياسية خاصة في العهد البائد كانت ضعيفة وبالتالي فإن اختياراتهم السياسية كانت محدودة
وصف القسم
أحداث مصر اليوم 2019 شاهد اخر اخبار الاحداث المصرية الاخيرة الان
بحث جريدة أحداث
COPYRIGHT (C) 2024موقع جريدة احداث اليوم : احد مواقع شبكة مصريات