إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة هذا ماقاله سيدنا موسى عندما سأله قومه أن يدعوا الله فيبين لهم من قتل واحدا منهم قد اختلفوا في قاتله واتهموا بعضهم بعضا ، ولحرمة قتل النفس فقد ذكر الله سبحانه وتعالى هذه القصة في القرءان ليبين لنا بعض صفات بني اسرائيل المتعلقة بالجدال الشديد لدرجة يضيع فيها الحق معهم وأيضا صفتهم المتعلقة باستحلال قتل النفس التي حرم الله وقد ذكر ذلك في آيات أخرى في القرءان ، فقد تجادلوا في أمر القاتل واتهموا بعضهم بعضا وعندما سألوا نبيهم وأجابهم بهذه الإجابة البعيدة ظاهريا عن ما يريدوه تجادلوا أيضا مع نبيهم في أمر البقرة وصفاتها المطلوبة وكانوا في ذلك أشبه بمن يتجرأ على جدال الله وليس النبي موسي عليه السلام لأن ما يقوله وحي وليس من عند نفسه ، فكانوا كمن يعطي الله عز وجل دروسا في كيفية إختيار البقرة ، ولو كانوا أخذوا أمر الله وأمر نبيهم من أول مرة إفعلوا كذا ففعلوا لفازوا أشد الفوز ، ولكن كان هذا الأمر من الجدال والأختلاف على أوامر الله .
وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ {67}
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا فَارِضٌ وَلَا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ {68}
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ {69}
قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ {70}
قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلَا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لَا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ {71}
وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ {72}
فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ {73}
ومن الدروس التي يمكن أن نستفيدها من ذلك ، طاعة الله طاعة مطلقة حتى في الأوامر التي يكون ظاهرها غير منطقي ولا يتفق مع عقولنا وألا يكون الجدال في أوامر واضحة لا يختلف عليها اثنان ، وأيضا حرمة قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأن ذلك عند الله شديد ، وان القاتل خاسر مهما ظن أنه قد ينجوا ويفلت من العقاب ، ففي هذه الآيات أحيا الله من قتل ليقول عن من قتله ثم يموت مرة أخرى ، ولو أراد الله أن يظل هذا الرجل حيا بعد أن أحياه لفعل سبحانه وتعالى ولكن ليبين للقاتل ولقومه أن هذا الرجل مات بقدر من الله ولم ينقص من عمره شيئا ، ولكنه ابتلاء للقاتل والمقتول .
هذه الحادثة إن حدثت في قوم على تقوى لله لما قتل فيهم أحدا بعد ذلك خوفا من عقاب الله أو من افتضاح أمرهم بآية أخرى من آيات الله ، ولكنها جرأة البشر على الله .
نعود لواقعنا في مصر بعد ثورة يناير ، وما علاقة تلك الآيات بواقعنا ، الواقع يقول أنه لوكان هناك كتاب سماوي آخر بعد القرءان أو لوكان هناك نبيا بعد خاتم المرسلين سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم ، لسمعنا في ماحدث على أرض مصر من جرائم العديد والعديد من الآيات ولكنها الغفلة والعمى من البشر في تقدير مقدار الشرور الذي هم عليه .
قد يقول بعضنا أن الجرائم التي حدثت ليست كثيرة كأرقام ، ولكني أقول أن العبرة ليست بالأرقام ولكن بالجرأة في ارتكاب الجرائم والاستسهال لقتل النفس والاستكبار عن الخضوع للحق ولما أمر به الله فقد شاهدنا من يقنص المتظاهرين كأنهم عصافير أو كلاب ضالة وهو ليس بينه وبينهم أي سابق معرفة أو أذى من جانبهم له حتى يكون على مثل هذا الغل والحقد الذي يصعب تصور أن يمتلكه مسلم ، من أين أتوا هؤلاء الناس ومتى تم صناعتهم وصناعة أخلاقياتهم ليكونوا على مثل هذا القدر من الإجرام ، رأينا مثل هؤلاء في دول الكافرين في الحروب العالمية وفي غيرها من الحروب العرقية في يوغسلافيا وفي أفريقيا فلا رحمة ولا تراحم ولادين يربي ، ولكن أن نرى مثلهم مسلمين موحدين في مصر ويفعلون نفس الفعل ، فهذا لو لم يكن لعصر مبارك إلا إنتاج مثل هذه الأخلاقيات فلعنة الله عليه وعلى عصره الأسود .
رأينا أيضا من يدهس الناس بسيارات أمريكية ، وكأنه عندما يستخدم السيارات الأمريكية فلن يسأله الله عما فعل ولو أنه أستخدمها لدهس حيوانات ظلما وعدوانا بدون مبرر لكان من أهل النار ، ألا ترى معى أنه استسهال للقتل مع استكبار شديد وعلو فوق الناس لا أجد له تفسير ، أين دولة القانون التي أسس لها اللامبارك والحزب الواطي ثلاثين عاما ، أين أجهزة الاستخبارات من أمن دولة ومخابرات عامة التي تستطيع أن تتجسس على الحشرات في باطن الأرض ورصدت وعلمت بكل جريمة وأعطت الإشارة الخضراء لكن من أرتكبها بالمرور دون عقاب استكبارا فوق القانون وفوق الناس وفوق كل مبدأ ، هل هذه القوانين التي لم يلتزموا ولا يريدون أن يلزموا أنفسهم بها وتلاعبوا بها في السر والعلن في كل جريمة ارتكبت ، هل هذه القوانين قد فرضت عليهم من السماء فهم لا يريدون أن يلزموا أنفسهم بها لأنهم علمانيين لا يريدون لله سبحانه وتعالى أن يتدخل في دولتهم التي على أرضه وفي سماؤه بين مجراته وهم أنفسهم من مخلوقاته ، أليست هذه القوانين التي ألزمونا بها كشعب هي من صياغة أو بموافقة أعضاء مجلس الشعب الذي كان تحت سيطرتهم وأغلب أعضاؤه من الحزب الوثني وبإمكانه أن يغير أي قانون ، لماذا أقمتم مؤسسات الدولة وقوانينها إذا كانت ستطبق فقط بالطريقة الأمريكية على الضعفاء والمعادين لكم وكل من لايهمكم أمره ، أما من يهمكم أمره فستترك له ثغرات في القوانين ونظام القضاء حتى يستطيع الإفلات ، وسيسخر له أجهزة مخابرات ومرتزقة ورجال أعمال وأبواق إعلامية تم زراعتها في عهد الملعون ، تتابع تلك القضايا لإفشالها بكافة السبل أو تأخيرها لإجهاد الناس وإرهاقهم معنويا حتى يرضى الناس بأقل القليل من التغيير وينتهي الأمر بتغيير شكلي ولكن النظام قائم بكل فساده وبكل عبثه بالقوانين وبحقوق الناس ، وبكل الموظفين الذين تم الدفع بهم في كل مؤسسة من مؤسسات الدولة عن طريق جهاز أمن الدولة ووريثه الأمن الواطي وتم إبعاد كل من يمتلك الكفاءة أو الأخلاق أو الدين والرأي حتى لا يعترض سفينة الفساد المسيرة أمريكيا وأوروبيا وإسرائيليا ، إن في موضوع كيفية رسم الهيكل الإداري للدولة بموظفيه ومديريه ومسؤوليه وإجهزة الأمن فيه وكيفيه إختيارهم والدفع بهم لمناصبهم والأسس التي بنى عليها ذلك ، في هذا الموضوع وحده حقائق لو أراد الله لها أن تتكشف لعرف الناس حقيقة فساد من يحكمهم ولعلموا أنهم لازالوا مختطفين طالما بقي موظف أو مسؤول في منصبه منذ عهد اللامبارك ، ولكن من لديه العلم بالدليل أصابه الخرس فهو شيطان أخرس ، ومن لديه العلم بلادليل سيتهم في عقله وفي صدقه وبالرغبة في إثارة البلبلة بين الناس .
رأينا أيضا بعض المقاطع المصورة توضح شابا قتل في المنشية في الإسكندرية برصاص الشرطة ، وعلى الرغم من معرفة الوقت وإمكانية معرفة كل ضباط أو أمناء الشرطة المتواجدين وقتها فلم يتم اتهام أي شخص في قتله ، على الرغم أن الشاب لم يكن مسلحا وحرص على أن يبين للشرطة أنه غير مسلح وتم قتله من ظهره ، فبماذا نفسر ذلك ، وبماذا نفسر الأخلاقيات التي تربت عليها مثل هذه الأجهزة وما مقدر الحقد والغل الذي قد يدعوا إنسان مسلم لقتل إنسان آخر لمجرد العبث أو إثبات الذات ، ومن هم قاده هذا الضابط أو الشرطي الذين لاحظوا مثل هذه الأخلاقيات في سلوكه وتركوه دون إعادة تأهيل ، ليس هناك تفسير إلا أن هذه هي أخلاقيات هذا الجهاز بالكامل قائمة على الاستكبار على الناس والاستكبار على الله سبحانه وتعالى والاستكبار عن ما أمر به من حفظ حقوق الناس ، فقد تكررت مشاهد القتل بمشاهد كثيرة وبسيارات الشرطة نفسها وعمليات دهس بشكل ينفي تماما أن الجرأة على الله هي شيء استثنائي في سلوكيات هذا الجهاز ولكنها هي القاعدة العامة والاستثناء هو أن تجد ضابطا أو شرطيا يراعي الله ، وإن وجد فهؤلاء كانوا لايتم ترقيتهم إلى المناصب العليا في الجهاز ولا احترامهم ويتم الدفع بهم في النواحي الإدارية لجهاز الشرطة لأنهم في نظر القادة الأشاوس وزعيمهم القرد الكبير حبيب العادلي هم مجرد أشخاص ضعفاء لا يعرفون كيف يحكم هذا الشعب .
لماذا حرص هذا الجهاز على إعادة تأهيل كل داعية يخطيء في لفظ من الألفاظ أو كل عالم دين يذكر من الدين أمورا تكرهونها ولا تحبون أن يسمعها الناس ، لماذا حرصتم على إعادة تأهيلهم بالاعتقال ، أو المناظرات الإعلامية التي تسخر منهم ، أو الأحاديث التليفزيونية التي يتم استدراجهم إليها لإيقاعهم في فتاوي متعجلة ، أو السخرية من أرائهم ، أو إبعادهم عن الترقي في الوظائف بتقاريركم العمياء ، حتى يصبح عالم الدين أو الداعية في النهاية شخصية مهزوزة ومحطمة عليها من الناس الكثير من الانتقادات نتيجة الضغوط التي هو متعرض لها ولا يراها أحد من الناس إلا رجال ومرتزقة أمن الدولة والمخابرات المصرية وطبعا من يحركهم من أسيادهم في الداخل والخارج .
لماذا حرصتم على إعادة تأهيل هؤلاء بكافة الطرق ونسيتم أنفسكم ، أنكم أول من يحتاج لإعادة تأهيل ولكن ليس بنفس الأساليب المخابراتية التي كنتم تستخدمونها ، ولكن بالمحاكمات القاصمة التي تحاسب الكبير قبل الصغير ، بالمحاسبة على أفعال وجرائم حقيقية ارتكبتموها وليس على نوايا لم تتضح حاسبتم عليها الآخرين ونسيتم أنكم الأولى بالمحاسبة فتحتاجون للمحاسبة عن أفعال وليس نوايا ، ظننتم أن فيكم الأمن للدولة وكنتم انتم والحزب الواطي ومن صنعتموهم من لصوص ومجرمين وبلطجية المصدر الأساسي لانعدام الأمن والأمان في هذا البلد .
ولو لم يكن في هذا البلد شرطي واحد ، وكان فيها أخلاق وعقيدة يتم غرسها طوال ثلاثين سنة لما رأينا فيها لصا واحدا ولما سرقت أموال هذا الشعب بمثل ما نسمع يوميا عن جرائم فساد .
الجرائم التي نواجهها اليوم في مصر كأمة تزيد كثيرا عن ما واجههه بني إسرائيل من جرائم ذكرت في القرءان من جدال في أمور واضحة أمر بها الله واستحلال للقتل ، وجرأة على الله ، وتنفيذ العقوبات على الضعفاء فقط والتي ذكر الرسول صلي الله عليه وسلم من أنها سبب في هلاك الأمم ، وضياع الحق بيننا فكل حزب وكل مجموعة من الناس تسعى بكل جهدها أن تثبت خطأ الآخرين وأن طريقها هو الأصوب وهي تسعى لإثبات ذلك ليس بالالتزام بمنهج الحق ولكن بكافة السبل الصادقة أو الكاذبة لايهم والنتيجة أن كل مجموعة تشد السفينة في اتجاه والمحصلة أن السفينة في مكانها لا تتحرك .
ماذا أيضا جعل سفينتنا للحق والعدالة والحرية لا تتحرك ، في بداية الثورة ومع تولي المجلس العسكري لإدارة البلاد حدث تأخر في محاسبة المسئولين الفاسدين وفي القبض عليهم بطريقة أدت إلى أن كثير منهم أخفى كل الأدلة التي تدينه وحول ما يريد من أموال إلى الخارج وحرق مايريد من مستندات تحت سمع وبصر المجلس العسكري ، وأعطانا المجلس العسكري تلميحات في خطابات أعضاؤه أنه لايريد أن يأخذ أي إجراءات استثنائية في طريقة محاسبة الفاسدين في النظام السابق ، ونسي قادة هذا المجلس أن وجودهم نفسه هو أمر استثنائي وان الثورة كلها هي عملية استثنائية للخروج على القانون والنظام ، وأننا في مصر نحكم بالقوانين الاستثنائية لعشرات السنين وسمعنا كشعب تبريرات على شاكلة أنه إذا تم محاسبة مبارك عسكريا فلن نستطيع أن نسترد مالديه في بنوك في الخارج ، وهل استطعنا الآن .
طيب إذا سلمنا بذلك لهذا اللامبارك ، فلماذا لم يحاكم القتلة من الضباط أو غيرهم عسكريا فهل سيقال لنا في الخارج لايجب أن تحاكموا من قتلكم عسكريا ، ولماذا نعطي للخارج هذه الأهمية عندما يتعلق الأمر بأمر إلهي للقصاص من كل قاتل بأن يقتل ألسنا في ذلك نشبه كثيرا بني إسرائيل عندما ضاع الحق بينهم .
لماذا لم تسلم كل جهة أمنية من أجهزة الدولة سواء كانت مخابرات حربية أو مخابرات عامة ما لديها من أدلة لمحاسبة كل قاتل وأنا على يقين أنها تمتلك ذلك أو على الأقل تمتلك من الأدلة ما تحرك المياه الراكدة وتقطع بعض الرؤوس بشكل قانوني و التي على أثر قطعها سيظهر الحق وستظهر الأدلة وسنتمكن من القتلة ومن معاقبتهم ومن شفاء صدور أهالي المقتولين والمظلومين
جميعنا قد أحسن الظن بالمجلس العسكري في البداية ، وأنا شخصيا افترضت أن تركه لبعض المسئولين لإخفاء بعض أوراقهم والأدلة التي تدينهم ، هو نوع من الاستدراج من جانب هذا المجلس ليطمئن كل فاسد في النظام السابق وحتى لا تبدأ هذه العناصر الفاسدة في إثارة الكثير من المشاكل الداخلية والفتن بين الناس .
وافترضت أيضا أنه من السهل على المجلس العسكري أن يخرج مالدى عمر سليمان وجهاز المخابرات العامة من أدلة تدين النظام السابق وتدين ضباط الأمن الفاسدين ، ولكني للأسف نسيت شيئا مهما وهو أن جهاز المخابرات نفسه ورئيسه هو صنيعه من صنائع مبارك وهو نفسه متورط في هذا الفساد على أقل تقدير بحكم علمه بفساد الكثير من المسئولين وتركهم والتغاضي عنهم ، نعم أعلم أن جهاز المخابرات العامة بإمكانه أن يتجسس على كل شيء لكن إهتماماته متعلقة بالأمن القومي والتجسس و أجهزة المخابرات الأجنبية وليس الفساد ، ولكن عندما يصل الفساد إلى كبار المسئولين في النظام ويعلم به ولا يحاول أن يقاومه ولو حتى مقاومة سلبية بالاستقالة بل ويشارك فيه ثم يحاول أيضا دعم هذا النظام ، فهذا يوضح بلاشك أن هذا الجهاز ورئيسه متورط ، وأنه صندوق أسود لو تم فتحه فسيساعد كثيرا على فهم ماذا كان يجري وما كان مخططا لهذا البلد ، ونفس الكلام يمكن قوله على جهاز أمن الدولة المنحل والمستندات التي تم نقلها من مقراته ، فهي أيضا توضح فساد هذا الجهاز الأمني وكيف كان يعمل ضباطه وأنا أستغرب كيف يتم نقل ضباط أمن الدولة إلى الجهاز الجديد دون أن يتم فتح تلك الملفات والمستندات لمعرفة كيف كان يعمل هؤلاء الضباط لتقييمهم .
ولكن بعد أن رأينا أن الصورة بدأت تختلف وتتغير عن ما ظن كثير منا ، فهذا اللامبارك والقضايا التي حول بسببها إلى المحاكمة لا تعدو أن تكون 1% من جرائمه الحقيقية ، وكل المسئولين الذين تم تحويلهم للمحاكمات ، تم تحويلهم بشيء يسير من جرائمهم التي ارتكبوها ، لماذا ؟ لأنه لا توجد جهة رسمية تستطيع أو تجرؤ أن تقدم أدلة لإقامة قضايا جديدة ضدهم وبعد أن رأينا حسين سالم في الخارج في حماية أوروبية هو وبطرس غالي ورشيد .
بعد أن رأينا الصورة تختلف وأن المجرم نجح في الهروب فعليا من أغلب جرائمه ، فليسمح لنا المجلس العسكري أن نقول له أن التباطؤ في محاسبة هؤلاء المجرمين وتركهم لإخفاء مستنداتهم قد تسبب فعليا في هروبهم من أغلب جرائمهم وأن الأمانة التي حملتموها في محاسبة المجرمين وإعادة الحقوق لأصحابها قد ضاع منها الكثير ، وأن هذا التباطؤ بدأنا نعتبره تواطؤ مع الظالمين أو خوفا منهم ، والنتيجة في الآخر هي واحدة تتمثل في ضياع الحق .
لا ننسى موقف المجلس العسكري من عدم ضرب المتظاهرين في بداية الثورة وأيضا أحسنا الظن وقلنا أن ذلك يوضح تماما أن هذا المجلس مع الثورة ، لكن عندما تختلف الأمور الآن من رؤيتنا للكثير من الفاسدين والمجرمين في أماكنهم ، فمن الطبيعي أن نبدأ بتفسير هذا الموقف بشكل مختلف فيمكن مثلا أن نقول أنه كان يحافظ على بقايا نظام اللامبارك من أن يسقط بالكامل في قبضة الثائرين وساعتها لن يكون لهم دور ولا للولايات المتحدة دور في صياغة الهيكل الجديد للدولة المصرية بعد الثورة وأن هذا الموقف أيضا يمكن تفسيره في ضوء خوف الجيش والكثير من المؤسسات القائمة في الدولة من تولى الإسلاميين لمقاليد السلطة والحكم بالشريعة الإسلامية وذلك إذا استمرت الثورة لفترة أطول يستطيع فيها الإسلاميين أن يجمعوا الناس حولهم ، فكان هذا الحل الذي يحفظ لأصحاب المصالح حقوقهم ويمنع تولى الإسلاميين للسلطة عن طريق إظهار مراعاتهم واحتضانهم وتقليم أظافرهم وتقسيمهم وجعلهم ينشغلون بالإعداد للانتخابات ويظهر فيه المجلس العسكري بمظهر الحامي للثورة ، هل رأيتم إلى أين يمكن أن تأخذنا التفسيرات ، وكل ذلك لماذا ، لأن الكثير والكثير من المجرمين والفاسدين في أماكنهم .
نقول للمجلس العسكري أنه بإعادة الحقوق لأصحابها وبمحاربته للفاسدين حربا حقيقية وليست حربا ناعمة أو ظاهرية ، يمكن أن يكون فوق رؤوسنا وبغير ذلك فلن يكون سوى كيان آخر من كيانات اللامبارك يجب السعي لإصلاح فسادها الداخلي وتغييرها هي نفسها قبل أن نسمح لها بأن تتولى أمورنا ، وأن كل ما لديه من قوة وأسلحة لن تكون شيئا بجوار كلمة (الحق ) .
ونقول للفاسدين والمجرمين الذين يظنون أنهم نجوا من العقاب أو الحساب ، نقول لهم أسأتم الظن بالله ، فهو سبحانه من أسماؤه أنه (الحق) وأنه قادر على أن يوجد لكم أدلة و بينات وشهود على أفعالكم لم تتخيلوا أنها موجودة سواء في الدنيا أو في الآخرة ، هذا بالرغم أنه سبحانه وتعالى لا يحتاج إلى أدلة لكي ينزل بكم أي عقاب يراه سبحانه وتعالى ، ولكنه سبحانه وتعالى لا يحاسب أحدا بدون بينة .
وأقرءوا معي الآيات الكريمة من سورة فصلت و التي نصها :
وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ {19}
حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ {20}
وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ {21}
وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيرًا مِمَّا تَعْمَلُونَ {22}
وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ {23}
وهذا دائما ظن الظالمين بربهم ، فلعنة الله على الظالمين .