بسم الله الرحمن الرحيم
سأخرج مثل المنادين , فى عهد الفاطميين , وأصرخ فى الناس أجمعين , وأوقظ النائمين , وأحذر الرمل والطين , وأصيح فى الأشجار والبساتين , وأعرف القمح والتين , وأنبه العلماء العارفين , وأخبر المسؤلين , وأقول للصحفيين , أثيوبيا تريد موتنا أجمعين .
ليست مبالغة , وهذه هى أحد النداءات , فالوضع جد خطير , ولا أشك أنه من أساليب الإلتفاف على الثورة , بالطريقة الصهيونية وهى تدمير اقتصاد مصر المتعثر أصلاً .
أولاً : أضع مسؤلية ذلك كاملة , على عاتق وزارة الموارد المائية والرى ألمصرية , وعلى رأسها وزيرها , حيث :
1 – ليس فى مصر والعالم كله خبير ماء واحد , لم يقر بوجود خطر بل وخطر كبير ببناء أثيوبيا هذه المجوعة من السدود , وإن اختلفت التقديرات لأسباب كثيرة , أهمها إهتمام كل واحد ببند وعدم إدراكه لباقى ألبنود , كذلك عدم التخصص والذى يتسبب فى الإدلاء برأى خاطئ , وبسبب شهرة العالم أو الخبير يتم تصديقه , وفى نفس الوقت نرى أن الجهة الوحيدة ألتى هى أصلاً من المفروض أن تقدم تقريراً شاملاً عن هذا الخطر , صامطة , وإذا تكلمت أبعدت الأنظار عنه , وهى وزارة الموارد المائية والرى ألمصرية .
2 – تعلل وزير الرى المصرى فى عدم تقديم هذا التقرير , بأن أثيوبيا لم ترسل للوزارة تقريراً بمواصفات هذه السدود مما أدى إلى عدم قدرة الوزارة على تقديم تقرير , وهل القاتل يخبر المقتول بتفاصيل ما يضمر له ” وكأنه يتكلم مع أطفال ” , هو تبرير هزيل لا يرقى إلا أن يكون تسديد ثغرات بهدف عدم لفت النظر لهذه الأضرار , وللإيحاء بأن العملية مجرد وجهات نظر , مما يؤدى إلى عدم لفت النظر إلى آراء هؤلاء الخبراء , والتركيز على الدعاية الإعلامية ألكاذبة بعدم وجود خطر وتعهد أثيوبيا بذلك , وبناءاً على ذلك تصمت الحكومة , والمجلس ألأعلى للقوات المسلحة , ولا تتخذ أى إجراءات حيال ذلك , بل وتتصرف مع هذا الملف فى جميع أوراقه ألسياسية والدولية والشعبية والعسكرية , تصرفات عكسية تماماً لما هو مطلوب , لأنها اعتمدت فى هذا الملف على الجهة الوحيدة بالنسبة لها والمصدقة وهى الجهة الرسمية وهى وزارة الرى .
ثانياً : وحتى تكون البينة هى النبراس , ففيما يلى تقريراً عن هذا الخطر :
وفى النقاط التالية تقديراً لأخطار سد ألألفية فقط , ومنه مقياس بأخطار باقى سدود أثيوبيا ألمؤثرة على حصة مصر فقط .
فهناك من قال إنهم 17 سد وهناك من قال إنهم 40 ” وزارة الرى تعرف ألعدد بالتحديد ” , ولكن أجمع العلماء على تأثير أربعة منهم على حصة مصر من مياه ألنيل , وذلك لوجودها على مجرى ألنيل الأزرق , ألداخلة مياهه مباشرة على مصر والسودان , وهذا لا يمنع ان يكون للباقى من هذه السدود تأثير , وإن كانت على أنهار تدخل بحيرة تانا , أن تؤثر على مياه البحيرة نفسها مما يؤثر بالتالى على النيل الأزرق , وبذلك وبما وضعته من حدود دنيا للمواصفات ألغير معلومة تحديداً , يكون ما حدده التقرير من أضرار , بحد أدنى قابل للزيادة وغير قابل للنقصان .
وإضرار سد الألفية وحده كما يلى :-
أ – بناءاً على تصريح رئيس الوزراء ألأثيوبى والذى لم يخالفه جميع المختصين , أن حجم بحيرة سد ألألفية = 62 مليار م3 من المياه , وتصريح وزير الماء والطاقة ألأثيوبى , بأن السد سوف ينتج الكهرباء بكامل طاقته بعد خمس سنوات من البدء فى العمل فيه , وهذا معناه أن السد سوف يبدأ فى حجز مياه بحيرته أثناء البناء ” مثل السد العالى تماماً ” , وتقدر مدة العمل قبل ذلك بعام , ومعنى أنه سوف ينتج كامل قدرته من الكهرباء , أن تكون بحيرته قد امتلأت بكامل سعتها , إذن سوف يحجز كل سنة وعلى فترة أربع سنوات , تبدأ بعد عام من العمل فيه كمية من مياه النيل = 62/4 = 15.5 مليار م3 / سنة , وهذه الكمية وأى كمية أخرى لايمكن أن تكون على حساب أحد إلا مصر .
ب – هل وزارة ألرى المصرية لا تعرف أن أى بحيرة لأى سد لها مسطح تفقد منه الماء بالتبخر مثل بحيرة ناصر , وإذا كنا لا نعرف مسطح هذه البحيرة , فلكى يكون بالحد الأدنى للضرر سوف نعتبر متوسط عمقها = ضعف متوسط عمق بحيرة ناصر , حتى يعطى حد أدنى للمسطح , وبذلك يكون :
متوسط عمق بحيرة ناصر = ألحجم / ألمسطح = 162مليار م3 / 5250 كم2
إذن متوسط ألعمق = 162000000000 / 5250 × 1000000 = 30.9م , وبذلك سوف نعتبر متوسط عمق بحيرة سد الألفية = 62 م ليعطى أقل مسطح ممكن , إذن مسطحها = 62000000000/ 62 =1000000000م2 = 1000 كم2
ومعدل البخر فى بحيرة ناصر = ألكمية ألمفقودة كل سنة مقسوما على المسطح
= 10مليار م3 / 5250 كم2 = 10000000000 / 5250
=1904762 م3 / سنة لكل مسطح كم2 واحد .
ومعدل البخر فى أثيوبيا لا يقل بحال من الأحوال عن 1.2 من معدل البخر فى بحيرة ناصر , بسبب إرتفاع ألحرارة هناك وارتفاع المنسوب عن سطح البحر , والذى يسبب إنخفاض ألضغط الجوى وبالتالى زيادة معدل البخر .
وبذلك يكون ما تفقده هذه البحيرة من مسطحها بالبخركحد أدنى = 1904762 × 1.2 × 1000 = 1.9 × 1.2 مليار م2 / سنة = 2.28 مليار م3 من الماء / سنة .
وإذا قدرت الكمية ألمفقودة بالتسرب فى المسافة من سد الألفية حتى بحيرة ناصر , وتقدر بحوالى 2000كم , بسبب خلو المياه من الطمى , بما لا يقل عن 1.5 مليار م3 / سنة , يكون :
الحد الأدنى لما تفقده مصر من حصتها سنوياً لمدة 4 سنوات تبدأ بعد بداية العمل بسد الألفية بعام واحد = 15.5 + 2.28 + 1.5 = 19.28 مليار م3 كل سنة لمدة 4 سنوات , يتوقف بعدها ما يتم حجزه لملئ بحيرة سد الألفية , ويثبت الفاقد بما لا يقل عن 2.28 + 1.5 = 3.78 مليار م3 / سنة , مدى الحياه .
وإذ تم التأكد من أن مجموع أحجام بحيرات سدود أثيوبيا ألأربعة = 142 مليار م3 كتقدير بحد أدنى , فيكون مجموع الفاقد بالبخر من بحيرات ألسدود ألأربعة = 142× 2,28 / 62
= 6 مليار م3 / سنة كحد أدنى كفيل بسرعة التحرك .
وقد بينا أن كل سد يتم بناؤه يتسبب فى فقد كمية من مياه النيل أثناء ملئ بحيرته , وأثبتنا أيضاً أن أى نقص فى مياه النيل الأزرق لابد أن تكون من حصة مصر وحدها , وبذلك ستصبح مصر ألعوبة فى يد أحقر وأخبث دولة أفريقية بعد اليوم , ثم بعد ذلك تحزو باقى دول الحوض حزوها , إذا لم نتخذ إجراءات صارمة منذ اليوم .
ثالثاً : تصحيح لمفاهيم خاطئة , ربما إنطلت على كثير من متخذى ألقرار فى مصر , بل ويؤيدها البعض , ووزارة الرى أيضاً هى المتسببة فى ذلك .
1 – أثير أن إتفاقيات 1929م و 1959م , هى اتفاقيات إستعمارية وظالمة , وووو إلخ , وعفى عليها الزمان وحان وقت تغييرها , وهذه سياسة صهيونية تصل بالأمر إلى تأييد المظلوم للظالم , والحقيقة :
أ – هذه الإتفاقيات بنيت على أساس علمى فقط , رغم قدمها , وهذا لأن جميع دول حوض ألنيل ماعدا مصر والسودان لديها مصادر مائية بالأمطار تساوى أضعاف أضعاف حصة مصر والسودان , وأهلها أنفسهم يعتمدون عليها بالدرجة الأولى , ولا يجيدون أصلاً أعمال الزراعة بالرى من مجارى الأنهار , وعلى مدى ألتاريخ .
ب – لو تركت كل دولة بحوض النيل تعبث كما تشاء فى مياهه ألمارة عليها , دون محاسبة أو إلتزام , لأتى وقت تنعدم فيه مياه النيل فى مصر والسودان , وبذلك فقد حمت هذه الإتفاقيات هذه الدول من الدخول فى حرب بسبب مياه النيل , وضمنت عدم حدوث ماهى معرضة له اليوم من الدخول فى حرب بسبب ألمياه .
ج – جميع الإتفاقيات ألدولية ومواثيق ألأمم ألمتحدة تعتبر حصص ألمياه ألمتفق عليها على الأنهار , فى قوة إتفاقيات الحدود ألدولية , وأن اختراقها كاختراق الحدود تماماً , وهذا أيضاً ضمان من المجتمع الدولى لعدم نشوب حروب بسبب المياه .
2 – لايوجد فى الدنيا شئ إسمه سد لإنتاج الكهرباء فقط , وأى سد لابد له من بحيرة تخزين لها حجم تنقص به مياه النهر حتى تمتلئ , ومسطح تفقد به ألماء بالبخر , وللأسف لم يرد على هذه المغالطة من ادعاءات أثيوبيا ألساذجة , بأن سدودها للكهرباء فقط , لم يرد سوى إثنين فقط وهما , د/ رشدى سعيد , أطال الله عمره , وبارك فيه , فهو مرجع علمى وأخلاقى مصرى عظيم , وأيضاً الدكتور / مغاورى دياب , خبير المياه وأستاذ علوم الجيولوجيا والمياه الجوفية , وعضو هيئة اليونسكو , زادهما الله علماً وأخلاقاً وإخلاصاً لمصر , وبهذه المناسبة فهذان العالمان ألذان لا يبغى أحدهما مالاً ولا سلطاناً , إلا النصيحة والحرص على مصر ومقدراتها ومستقبلها , لا يهتم بآرائهما الصائبة ولا يسوق لهما إعلامياً , بالقدر المطلوب لالهما ولكن لصالح مصر , وأحدهما مسيحى هو نموزج فى قمة المخلصين لوطنه وأبنائه بعيداً عن أى صغائر , والثانى مسلم لا يقل عنه فى حرصه ووطنيته الصادقة , وهما لا يسعيان نهائياً لأى شهرة أو مناصب أو سلطة , وهذان مثالان لما نوهت عنه قبل ذلك , فى مداخلة أخرى , فى ملاحظة ” من فى واجهة الإعلام اليوم ” .
3 – فى سنة 1976م , لمحت أثيوبيا فقط بعزمها على بناء سدود , وفى لمح البصر خرج الرئيس الراحل أنور السادات , ولم ينتظر تقارير من وزارة الرى , وهدد وسمعته ورأيته بنفسى , وكرر ” أى حفار حفار بس يتواجد على شواطئ النيل الأزرق , سأضربه ” , وفى لمح البصر كان بالسودان الشقيق وفى لمح البصر أيضاً وقع اتفاقية دفاع مشتركة , هل كان فى ذلك متهوراً ؟ , بالعكس , كان فلاحاً أصيلاً , يعلم من الحقل أن أى عبث فى مجرى مائى يضر بكل مايليه , ونسيت بذلك أثيوبيا هذه السدود مايزيد عن 25 سنة , ولم تتجرأ إلا بعد ترتيب صهيونى , تعلم من هذه التجربة الكثير , ولكن ما يقلق ويجر للتعجب , هذا الصمت ألذى لم يمتنع عن التهديد فقط , بل وصل للإمتناع عن التعليق .
4 – صمت وزارة الرى أدى إلى صمت الإعلام وصمت الحكومة وصمت المجلس الأعلى للقوات المسلحة , والغريب فيهم صمت وزارة الرى , اما الباقين ومع صدور كثير من التصريحات من خبراء لا يستهان بهم لا يدل إلا على أن صمت وزارة الرى أمامنا وأمام الإعلام فقط , وأن الجهات الثلاثة , تتلقى منها مايخالف هذه الآراء , وما يطمئنهم , ويوضع أمام ذلك ألف علامة استفهام .
ألا يحق لى بعد ذلك أن أقول : —
” سأخرج مثل المنادين , فى عهد الفاطميين , وأصرخ فى الناس أجمعين , وأوقظ النائمين , وأحذر الرمل والطين , وأصيح فى الأشجار والبساتين , وأعرف القمح والتين , وأنبه العلماء العارفين , وأخبر المسؤلين , وأقول للصحفيين , أثيوبيا تريد موتنا أجمعين ” .
حمى الله مصر من أبنائها قبل أعدائها .
مهندس / محمد الزكى محرم